| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 1/2/ 2011

     

كل ذلك في بيتنا رقيب

عباس الجوراني - البصرة

بعدما اكتوى العراقيون زمن النظام الساقط نارا وتقتيلا ونفيا وتعذيبا ومنعا جراء مقص الرقيب فتعاقدوا اجتماعيا ضمن دستورهم الجديد بضمان حرية التعبير وكل اشتقاقاتها بحيث لم يعد من داع لتشكيل وزارة الإعلام للتلصص على المطبوعات فضلا عن أفول نجم الرقابة في زمن الثورة المعلوماتية واتصالاتها الالكترونية الفائقة السرعة , فجل الكلام المسكوت عنه والممنوع تجده مسفوحا على صفحات المواقع الالكترونية وصفحة الفيس بوك وثورة الياسمين التي أشعلها التوانسة هي المثال الأقرب لشموخها بوجه سلطان الساعين لوأدها .

وبرغم كل ما اتفقنا عليه من عدم وجود ضرورة حكومية لمراقبة المطبوعات بذات الأساليب الساذجة بل والغبية علما ان أفضل الوسائل واقصرها للترويج لأي كتاب او صحيفة وزيادة مبيعاتها هو منعها او محاولة مصادرتها , ولنا في مكتبات شارع المتنبي قدوة حسنة . فتلك المكتبات التي لم تخل لحظة من توفير كل الكتب الممنوعة أيام النظام البائد , فالشيوعي والإسلامي وغيرهما كل يجد ضالته مستنسخة رغم انف النظام , رغم كل ذلك نجد محاولات هنا وهناك تنسج على منوال العودة لتلك الاساليب .

قطعا هذا لا يعني اتفاقي او اختلافي مع طريقة تصور وتفكير كل من دافعت او أدافع عنه لكني لست مع المنع الذي ما أن يبتدئ حتى تلحقه خطوات متسارعة ومتعددة تبدأ بالشتيمة وتمر بالتكفير ولا تنتهي إلا بالذبح كما حصل لمهدي عامل في لبنان ولفرج فوده في مصر وعلى ما يبدو فان هناك تلازما ما بين الرقابة والرقبة وهذا ما لانرجوه في عراقنا الجديد .
ومن نظرة فاحصة الى الوراء يبدو ان أجيال منتصف القرن الماضي تنعمت في بحبوحة من النضج الفكري المستنير افتقدتها ثقافتنا مؤخرا فتلك الأجيال رغم تناقضاتها الفكرية الصارخة لكنها عاينت الى تلك السمة (التناقض) فأرجعتها إلى مكانتها الجوهرية في الحياة ولهذا لجأت إلى تنسيق كل الأشياء التي حولها.

فعندما نشر الكاتب إسماعيل ادهم كتابه (لماذا أنا ملحد) نشر محمد فريد كتابه ( لماذا انا مسلم ) وعندما نشر الراحل العالم مصطفى محمود كتابه المثير للجدل ( الله والإنسان ) لجأ الأزهر للرد دون أن يقيم الدنيا ولا يقعدها من خلال مذكرة كلف الشيخ حسن مأمون بكتابتها ذاكرا فيها نقاط التوافق أولا قبل ذكر أوجه الاختلاف وكفى الله المؤمنين شر القتال .

وعراقيا فان الشهيد محمد باقر الصدر لم يشتم ماركس والماركسيين العراقيين بل إنهما شكلا دافعا ملهما له لإعمال الفكر وتأليف كتابيه ( فلسفتنا ) و( واقتصادنا ) .
جرى وأكثر منه دون اللجوء إلى الرقابة والمنع ومهاجمة المكتبات وباعة الأرصفة ولم يفكر احد بالتكفير او الحسبة ( التفريق بين الزوجين ) أو المطالبة بالترحيل فتلك سمات المتشددين وأهل التطرف بل والمعوقين ذهنيا .

وحديثنا عن الرقابة ومصادراتها وأدواتها فهي نادرا ما تكون واعية , متبصرة , متفتحة يجرنا الى عملها الأعمى على مر الفترات والأماكن التي سادت بها , فمن ضمن هجمات البوليس السياسي في محاولته محاصرة اليساريين في أمريكا اللاتينية جمع من المكتبات رواية ستاندال ( الأحمر والأسود ) لا لشي سوى انطواء عنوانها على الإشارة للون الأحمر الذي يكرهونه علما هي رواية تاريخية لا مقاربات سياسية فيها , كما صادرت سلطات بينوشيت في شيلي في انقلابها الدموي على الديمقراطية في الستينات صادرت كتابا عن التكعيبية (Cubism) ظنا منها انه يتحدث عن كوبا , وفي عام 1994 وفي إحدى غارات الشعبة السياسية لأمن سيء الذكر مهدي الدليمي وليثه الأسود في البصرة على مكتبتي المتواضعة صادرت الشعبة أول ما صادرت جميع روايات ماركيز , فلا خريف البطريرك ولا مائة عام من العزلة ولا هم يحزنون والسبب أيضا تشابه أسماء بين ماركس وماركيز ومن اجل توفير دليل جرمي دامغ .

فيا سيدي رقيب البصرة ليست كل الكتب المترجمة التي صادرتموها والتي تحمل صورة او اسم صدام هي تمجيد له او لفترته السوداء وليس هؤلاء الباعة المساكين سوى باحثين عن مصدر رزق والاهم من هذا وذاك فبموجب أي أمر قضائي اعتقلتموهم وصادرتم جزءا من ممتلكاتهم ليطالهم التعذيب نفسه ؟

الم اقل لكم أن الرقابة بحاجة لعين واعية , متبصرة , متفتحة , وإلا فالنتائج عكس ما تشتهون .
 

free web counter

 

أرشيف المقالات