| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت  1 / 3 / 2014

 

افتتاحية المدى
 

اجتثاث من نمط جديد على إيقاعات "دولة القانون"!

فخري كريم 

يبدو ان ما يحدث اليوم، ونحن على أعتاب إجراء الانتخابات التشريعية، يتجاوز ما كان متوقعاً من التزوير، وإفساد الحياة السياسية، بوسائل الفتنة المستحدثة، وإثارة الحروب وعمليات الاقتتال في المحافظات، وجعلها في وضع لا يتيسر معها إجراء الانتخابات، لأسباب أمنية.

فالتدابير الأخيرة التي أقدمت عليها المفوضية العليا، باجتثاث واستبعاد العديد من الشخصيات المرشحة، تنذر بتصعيد من شأنه إفراغ العملية الانتخابية من محتواها، وجعلها حكراً على انصار السلطان ومريدي المختار بأمره والموالين له.

ان المشترك الذي يحدد هوية المحرومين من الترشح، مع تعدد انتماءاتهم السياسية وكتلهم الانتخابية، هو انتقادهم ومعارضتهم ورفضهم للسياسة المغامرة وما ارتبط بها من تدابير مخلة، والنهج الذي اختطه السيد نوري المالكي، وتنديدهم بمحاولات تطويع الدستور والقوانين والسلطات الثلاث لإرادته ورغبته بالانفراد المطلق بإدارة الدولة، وتهميش جميع الرافضين لتجديد ولايته للمرة الثالثة.

لقد باتت الدولة الفاشلة، بأعطالها الكثيرة، مشلولة، ومركونة في مكاتب رئيس مجلس الوزراء، بعد ان فقدت ما تنطوي عليه من معان سيادية، وفقدت صلاحيتها، خصوصاً بعد ان تمت عمليات إفراغ سلطاتها الثلاث من أية إرادة للفعل خارج "إرادة فعله" الفردية المطلقة المنافية للدستور والقانون، مستغلاً أسوأ استغلال مرض رئيس الجمهورية وتعطّل آليات ممارسة صلاحياته التي يمكنها فرملة ما قام ويقوم به، منذ الغياب الاضطراري المؤسف للرئيس، وبضمنها إمكانية سحب الثقة منه استناداً الى الدستور.

إن التناقضات الصارخة بين مواقفه وإجراءاته غير الدستورية، لم تعد موضع نقاش ومساءلة ، بعد ان تم له الحجر على أي رأي مخالف، وفي غياب دور مسؤول فاعلٍ لأطراف التحالف الوطني الشيعي، وإحاطة قادة وكوادر الدعوة بكل أسباب القلق والحذر من الوقوف ضد ما يتخذه من سياسات منافية للتوافق الوطني، وأسس الديمقراطية الهشّة ، ومصالح الحزب ذاته ، الذي اصبح هو موضع المساءلة عن كل ذلك، إذ اصبح بإرادته او خارجها، الحزب الحاكم، تحت مظلة زعيمه.

ومن المفارقات المثيرة للسخرية ، والتناقض الصارخ ، ما يجري من اجتثاث واستبعاد عن الانتخابات تحت مسمياتٍ واهية، في ذات الوقت الذي يشهد انتقالة من تجييش القوات المسلحة لفض اعتصام الأنبار والفلوجة، ووضع البلاد على شفا حربٍ أهلية وفتنة طائفية، الى أفعال وأقوال وإجراءات أظهرت ما جرى، كما لو ان شيئاً لم يكن، او انه من فعل كائنات هبطت من الأكوان الاخرى، وأعني الإجراءات التي وعد المالكي بموجبها، بإعادة الاعتبار للبعثيين في الخارج ، دون استثناء، وترقية الضباط، لأغراض التقاعد، وهم ممن شملهم خلال السنوات الماضية برفض إعادتهم الى الخدمة، او منحهم الرواتب التقاعدية.

انه لا يتردد عن فعل كل ما هو متناقض، متنافرٌ، متعارض مع الدستور، والسويّة الطبيعية، ويتنقل من فعل الى نقيضه، ومن تصريحٍ الى ضده ، ومن رفضٍ وإبعاد لشخصٍ واتهامه بكل ما يضعه في السجن وربما الإعدام، الى استيزاره، وتبادل مشاعر المحبة معه ، واليكم المثل الصارخ المتمثل في "قائد المقاومة ضد العراقيين ، ومدرب القتلة في قناته التلفزيونية على التفخيخ وصناعة وزرع الموت" المعروف بكل مباءاته السياسية وغيرها، للقاصي والداني.

ان الدول الأقل فشلاً من دولتنا، والأكثر كرماً مع مواطنيها، تتجنب اتخاذ أي تدبير مخلٍ عشية أية انتخابات شبه مزورة، وتسعى لتجاوز ما يربك العملية الاقتراعية الشكلية، أو يُضفي عليها مزيداً من الشبهات. ويبدو ان هذا السلوك، رغم محدودية تأثيره، غريبٌ على أولي أمر "دولته الفاشلة" الغارقة حتى مناخيرها بالفساد والتفسخ والتداعي. مع ان الانتخابات بحد ذاتها، تتعرض فيما مُهد لها، لكي تتجرد من محتواها الديمقراطي الحقيقي، وتصبح "وعاءً" للأصوات، لا عمليات متكاملة للإرادة الشعبية الحرة، تتصل حلقاتها، بعضها الى جانب بعض، من بيئة سياسية طبيعية حرة، وتنافسٍ في جوٍ من التكافؤ والمساواة في الامكانيات للدعاية والتحرك بين الناخبين، إضافة الى حيادٍ حكوميٍ، يحفظ الحقوق الديمقراطية لكل المتنافسين، وموازناتٍ شفافة، ليس فيها من مصادر غسيل الأموال ، أو الصناديق السرية لرجال الأعمال المرتبطين بالمصالح والعقود والمقاولات المغرية ، والشراكة مع أصحاب الحل والربط.

ان ما اتخذه الفريق الحاكم حتى الآن، اذا لم تجرِ مواجهته ، وتعطيل فعله ، من شأنه ان يجعل من الانتخابات، مجرد وعاء بلا إرادة ولا روحٍ ولا تعبيرٍ عن سياقات الديمقراطية، ولو بحدودها الدنيا المتواضعة.

الغريب والمثير والمحزن، ان اطراف التحالف الشيعي، سواء في المجلس الأعلى الإسلامي، او التيار الصدري، وحتى الكتل الصغيرة، والشخصيات الفردية، هي المقصودة برسالة اجتثاث المفوضية العليا للانتخابات ، ومع ذلك فإنها تتعامل باستحياءٍ وتردد معه، وكأنه أمرٌ واقعٌ قابل للتجرع بصمت..

ألا يكفي الصمت والتستر؟

ألم يحن الوقت لقلب الطاولة على المختار ومواجهته بكل افعاله غير المشروعة، والبدء من حيث فعلت المفوضية، وكشف المستور عنه بطلب اجتثاث البعثيين المتلفعين بعباءة السلطان، الموزعين في كل اجهزة الدولة والحكومة، وعلى رأس القوات المسلحة وأخطر الاجهزة الامنية؟

هل من جسور، يميط اللثام، ويقلب اول طاولة في وجه الفساد والتكبر، دون مزايا او وجه حق..!


المدى
العدد (3019) 1/3/2014


 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات