مقالات وآراء حرة
الجمعة 1/1/ 2010
آباء الشيوعية والنحت في الحجر!هادي گاطع المالكي
أتابع منذ فترة ليست قصيرة كتابات بعض قادة الحزب الشيوعي العراقي السابقين، خصوصاً ما ينشر منها في المواقع الألكترونية... وأعرف كما يعرف غيري حجم التضحيات الكبيرة التي قدمها، والمسؤوليات الجسام التي تسنمها هؤلاء المناضلون، في قيادة الحزب ونضالات الجماهير المختلفة ــ وأكنّ لها بطبيعة الحال الكثير من التقدير والإحترام ــ في مراحل تاريخية هامة من تاريخ بلادنا المعاصر الحافل بالاحداث والتعقيدات والتشابكات المختلفة.. ولكن ما أسترعى انتباهي هو ذلك الموقع الأبوي الذي خصّ البعض منهم نفسه به تجاه الأجيال اللاحقة من المناضلين، وحتى من القيادات التي تشرفت بتحمل المسؤولية بعدهم. وتحولت صورهم عندي كما عند غيري، من مناضلين ظلوا يتتلمذون ويتعلمون في مدرسة الحزب والشعب (على الأقل هكذا ربّونا)، الى معلمين ومرشدين يتربعون على ناصية الحكمة والمعرفة، منها يمارسون دورهم الجديد في التأشير على الصح والخطأ، ويشيرون الى سبل النجاة التي توصلنا الى شاطيء الأمان!
احدهم لا تفوته شاردة او واردة مما يُنشر إلا وعلق عليها بمقالة اطول منها، حتى أنه (ومن ملاحظة مقالاته وسجالاته شبه اليومية) لا يُكلِف نفسه مشقة إعادة قراءة ما صفتّه يداه من كلمات وهو يجلس أمام الحاسوب كي يرى فيما إذا أخطأ بكتابة كلمة، أو سقط منه سهواً، حرف ما!
قبل يومين في 29/12/2009 طالعنا البروفيسور كاظم حبيب بمقالة نشرها بعدد من المواقع، يناقش فيها منتقداً تأملات الكاتب رضا الظاهر في مقالته "ننحت في حجر.. هذا هو مجدنا!". ومثله فعل الأستاذ جاسم الحلوائي في تعقيب مختصر، ذكّرني بإشرافات الكوادر على إجتماعات الهيئات الأدنى منهم أيام زمان! ومنتقداً مضمون المقالة أيضاً، نشره في موقع الناس.
والمشترك في مقالتي البروفسور حبيب والاستاذ الحلوائي ، هو إعتراضهما على وصف الأستاذ الظاهر للداعين بمقاطعة الانتخابات بالمتطرفين والعدميين. وربما أتفق مع البروفيسور حبيب أنه ما كان المفترض الاطلاق بوصف الداعين الى مقاطعة الانتخابات بالمتطرفين والعدميين، فمنهم من هو ليس كذلك، أنما يعبر عن خيبة أمل من القانون الذي سيجيِّر صوته في حالة الخسارة للفائزين، ومن بين هؤلاء بلا شك أعضاء وأصدقاء ومؤيدون للحزب الشيوعي العراقي ولغيره من القوى الديمقراطية، لكن الموقف (المقاطعة) في النتيجة، وفي ظروف العراق الحالية ألا يعني كذلك؟ أوَ لم يدعُ متطرفون وعدميون الى مقاطعة الانتخابات والعملية السياسية برمتها، حتى قبل بداية الجدل والصراع المفتعل على قانون الانتخابات؟
ومنذ متى كانت محاولة دحض او تفنيد آراء الأقلية، قمعاً لها ؟ ألا يحقّ للظاهر، كما لغيره أن ينتقد، ويفند، ويوصِّف آراء الآخرين، أقليةً كانوا ام اكثرية؟ ألم يفعلها فهد وسلام عادل في صراعهما مع الأقلية؟ والرفيقان العزيزان، عندما كانا يمارسان مسؤولياتهما القيادية ، كيف تصرفا، أزاء اصحاب المواقف الانتهازية اليمنية او اليسارية،؟ كيف كانا يصفانها؟ على سبيل المثال.
كما يؤاخذ البروفيسور حبيب والاستاذ الحلوائي على الاستاذ الظاهر في مقالته أن المقال يتحسب سلفاً لخسارة الحزب بالانتخابات القادمة. يقول الحوائي (إن المقالة بمجملها تعطي صورة سوداوية للوضع ولا تشجع أنصار الحزب الشيوعي العراقي على المشاركة في الانتخابات، لأن المقالة توحي سلفاً بنتيجة سلبية للحزب الشيوعي، وهو أمر من الصعب التنبؤ به مسبقاً.)، ويقول حبيب (إن المقالة كلها وكأنها تصب في مجرى الخشية من الفشل في الانتخابات القادمة؟). فهل كان ألأمر إكتشافاً من الظاهر؟ وهل هو بعيد عن تقديرات الحزب أو أعضائه، لآسباب هي نفس الأسباب التي أوردها البروفيسور حبيب (إحتمال كبير في تزويرها لأسباب عدة بما فيها نص القانون والأوضاع السائدة في العراق وهيمنة قوى الإسلام السياسي على الحكم والتحالفات السياسية غير الديمقراطية السائدة والأموال والمواد العينية الكثيرة التي بدأت تنهال لتوزع على الناخبين ...الخ. )، وهل يعتقد احد بأن الحزب او غيره من القوى الديمقراطية سيكتسحون أصوات الناخبين في ظل الظروف سالفة الذكر !؟ ويقلبون موازين القوى الحالية!؟
لقد خاض الحزب انتخابات مجالس المحافظات في ظل قانون يشابه القانون الحالي وكانت النتيجة مخيِّبة. ويعلم البروفيسور كاظم حبيب والأستاذ جاسم الحلوائي، وهما يعيشان في بلدين أوربيين عريقين بالديمقراطية وبممارسة الانتخابات، ان خسارة الانتخابات بالنسبة لأحزاب كثيرة، ولها باع طويل في هذا الشأن، وفي ظل ظروف توفر لها أجواء مناسبة للتنافس الانتخابي، يُعَدُّ أمراً وارداً، وخسارتها لا تعني نهاية المطاف، بالنسبة لها، أنما تلملم نفسها وتعيد دراسة أسباب خسارتها، وتعاود من جديد.
بلا شك سيسعى الحزب كغيره من القوى المتنافسة للحصول على مواقع أفضل، وخطاب الحزب السياسي والإعلامي يحمل نفساً ثورياً، يقبل بالتحدي وينحت في الحجر، كما قال الاستاذ الظاهر، وبالعمل مع الجماهير والدفاع عن مصالحها ، كما قال البروفيسور حبيب. وهكذا تخوض مجاميع من شبيبة الحزب ونسائه ورجاله نشاطاً يومياً دؤوباً لتعزيز الصلة بجماهير الحزب.
ولاشك أن الحزب سيخوض الانتخابات في ظل ظروف جد صعبة لاسيما بعدما فشلت جهوده الحثيثة لتجميع القوى الديمقراطية في قائمة أنتخابية واحدة، وتفضيل تلك القوى او ممثليها الهرولة الى، والإنزواء تحت مظلة ذات الكتل، التي أنشطرت ، وأعادت تشكيل نفسها على ذات الأسس التي أوصلت البلد الى ماهو عليه من وضع كارثي!
يتساءل البروفيسور كاظم حبيب ( وهل ينفعنا بشيء أن اعتمدنا على نصوص قرآنية للبرهنة على إمكانية غلبة فئة قليلة على فئة كثيرة؟ ) . نعم سيدي أنها تفيد كثيراً في تقوية عزيمة المناضلين الشيوعيين، وأغلبهم مؤمنين، في عراق اليوم. يؤثر فيهم ما يحدث في البلد، وهؤلاء المناضلون عاشوا عقوداً في ظل سيادة الافكار الدينية وتأثيرها عليهم، ويومها لم يكن لأكثرهم ملاذاً روحياً يستقوون به على ما هم فيه من عسفٍ وجورٍ وضيم غير الايمانيات. أم انك تستكثر استاذي الفاضل على الشيوعيين الاستفادة والاستزادة من تراثهم التقدمي بما يحمله من نصوص دينية وامثال شعبية وغيرها من الموروثات؟ ومخاطبة الناس باللغة التي يفهمونها؟ الشيوعيون والديمقراطيون، وهم الاقلية التي يعنيها الاستاذ الظاهر لم يأتوا من كوكب ثانٍ، يؤثرون ويتأثرون بمجتمعهم، وقيمه الاجتماعية والدينية، وحتى ممارسة الشعائر الدينية، وأظنك شاهدت المسيرات المليونية الزاحفة الى الاماكن المقدسة. ألا تدلل على مدى تأثير الموروثات والقيم الدينية في حيوات هذه الحشود المليونية؟
يقول البروفيسور ( إنهم يستحوذون على السلطة منذ سبعة أعوام ويمارسون ما يريدون بالأكثرية الكافية التي لديهم في مجلس النواب ولم يجر الحديث عن ذلك صراحة وجهارا وعن سلطة مستبدة ومجلس بائس قبل الآن , في حين تشير إلى وقوع انقلاب في مجلس النواب.) أتساءل لو كان الدكتور يعيش في أيٍ من مدن العراق هل كان سيتحدث صراحة وجهاراً غير آبهٍ بعواقب الأمور؟ هل نسي البروفيسور ان تأملات الظاهر تُنشر في صحيفة يومية في مدينة مازال المتحكمون بأمنها وأمورها هم ذات الطائفيين الذين يصبّ البروفيسور جام غضبه وسخطه عليهم من موقع آمن؟ في مدينةٍ مازال كاتم الصوت يتجول فيها بحرية وبلباسٍ رسمي! ومازالت عصابات الجريمة المنظمة والمليشيات التي تخترق المؤسسات الامنية تملك سطوتها أنى شاءت. أم تُرى البروفيسور قد صدّق أن كل البلاء الذي يحل بمدننا، ويعبث بأمنها وسلامها، هو فقط من صنع الصداميين والقاعديين؟
يبدو ان البروفيسور قد إستعجل كثيراً، ولربما وجدها فرصة أن يرمي الى أبعد مما ورد في مقالة الاستاذ رضا الظاهر، وأبعد من العنوان الذي وضعه لمقالته، فمهما حاول البروفيسور أن يضفي من عبارات مخاطبة كـ: نشر صديقي ورفيقي في النضال من أجل غدٍ أفضل للشعب العراقي الأستاذ الكاتب رضا الظاهر، رفيقي العزيز، أخي الفاضل، صديقي العزيز، أخي الكريم، الأخ العزيز، إلا أنها لم تُخفِ نبرة الاستخفاف والتهكم من المقابل ومحاولة النيل منه (ولربما هنا بيت القصيد) ، ولم تخلُ من لغة الأستذة التي تعود البروفسور إستخدامها دائماً مع من يخاطب من القراء ومستمعي محاضراته ، متوهماً انهم طلاب يجلسون في مقاعدهم بمدرج الجامعة يستمعون لمحاضراته! وما كنت أتمنى لمناضلٍ وباحث له مقامه الرفيع أن يحاور بهذه الطريقة مثقفاً وكاتباً لامعاً كالظاهر، بحسب وصف حبيب له، وهو فعلاً كذلك، ويتحفنا حقاً كل أسبوع بحسن صنيعه من الكلام المفيد.
لقد حَمَلتْ مقالة البروفيسور كاظم حبيب من التحامل وعدم الدقة وحتى التناقض ، الذي ربما من أسبابه الاستعجال، مما لم أعتده بمقالاته التنويرية غالباً، لاسيما ، حينما تبتعد عن الغرض الشخصي. فالبروفيسور يقول مثلاً (والسؤال الذي يدور في بالي وبال الكثيرين: هل هذا الصراع على السلطة والامتيازات بدأ الآن ومع القانون الجديد, أم أنه جار منذ سقوط النظام الدكتاتوري؟)، في حين أن الأستاذ الظاهر لا يتحدث عن بداية الصراع، أنما عن تفاقمه.. ولا أظن أن ألاستاذ الظاهر لم يتابع وثائق الحزب ومنها بلاغات إجتماعات لجنته المركزية التي تتحدث في كل مرة عن الصراع وطبيعته ، فكيف فاتت على البروفيسور ملاحظة ذلك؟
ثم يقتبس البروفيسور مقطعاً ينتقد الاستاذ الظاهر عليه لإعتقاده أنه يُفسر على انه ( إحساس بالفشل المسبق)، ليعود فيقتطع جزءاً من المقتبس نفسه ليثني عليه!!
وإذ يشيد البروفيسور كاظم حبيب بنشاط الشيوعيين بين الجماهير وطرقهم للابواب في الفترات الأخيرة ويراه أمراً جيداً، إلا انه لا يراه نحتاً في الحجر، وربما فسر البروفيسور النحت في الحجر على أنه أنتظار وبطء في تحقيق النتائج التي يرجوها، نتائج في النشاط السياسي على شاكلة الوجبات السريعة! إلا أنني وكثيرون غيري إستحسنا مقال الظاهر وتداولناه ورأينا معنىً آخر للنحت في الحجر، هو الصبر وعدم الجزع، ومقاومة اليأس الذي تخلقه صعوبات النضال. رأينا في النحت إجتراحاً للمآثر، وصنع نجاحات تدريجية ولو بطيئة، والتي ربما لا تبدو معالمها للعيان واضحة ، هذه اللحظة، لكن نضالاً يومياً متواصلاً بين الناس ومعهم، وبالدفاع عن مصالحهم وحاجاتهم، يخلق تراكماً لأحقاً لها.
وبهذا المعنى أرى نضال الشيوعيين وكل اليساريين والديمقراطيين في ظل الظروف الحالية التي يعيشها بلدنا، بكل تعقيداتها وتشابكاتها، وبتوازن القوى الحالي ، هو نحت في الحجر، وهو مجد لنا، لاشك عندي في ذلك، ولكنه ليس مجدنا الوحيد.
ماذا يسمي المناضل كاظم حبيب نضاله ونضال رفاقه سواءً الاحياء منهم ــ له ولهم موفور الصحة ومديد العمر ــ والشهداء الخالدين في ظمائرنا، طيلة عقود من الزمن، غير نحت في الحجر بين صفوف الناس ومن أجلهم.. وقد أثمر نحتهم أنتصارات للشعب أحياناً، وأحياناً أخرى كان لهم شرف الصمود وعدم الاستسلام لقوى القهر والعسف.