| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 1/1/ 2011

 

 دمتم سالمين لنا معشر الرجال الطيبين ( أيامكم سعيدة )

زينب محمد رضا الخفاجي

تجلس الجدة قرب موقد الفحم تعد الشاي المهيل للجد الذي اعتاد وجودها... تراقبهما وردية بكل الحب ، و تستغرب استمرار محبتهما رغم كل خطوط الزمن المرسومة في وجهيهما... تتساءل دوما الا يعرف هذا الجد الملل .؟!!!. وكيف تستحمل هي الأخرى كل هذه السنوات نفس المشاهد تتكرر في حياتها كل يوم دون أي تغيير تجديد أو توقد.
أشياء صغيرة من الممكن أن تجعلها سعيدة.. يوم تأتيها هدية من أحدهم كانت وردية تطير فرحا ...فلكل جديد عندها توقد وشعور بسعادة غامرة.. تبقي اللعبة طوال الوقت بين يديها، تطعمها ..تغني لها ، الفرح متبادل بينهما دون النظر لجنس الهدية...مراقبتها المستمرة لوفاء جديها وحبهما جعلاها تتوحد مع كل ما حولها وحتى الجماد .. صارت تتعلق بكل أدواتها...مثلما تفرح للجديد فهي تحزن بل تبكي لموت لعبة أو ضياع حاجة من أغراضها .. وتندهش أمام ثنائية الإنسان الجماد .. تستغرب حين ترى بشرا يخون ويحقد ويغتال بداخله الرقة والحنين ،بينما الجماد لا يعرف سوى الحب فعلاقتها بكل حاجة من حاجات البيت كنت عامرة بالود وتنظر لها باحترام وتشعر بان تلك الأشياء تبادلها الحب... فهي تنظر للسكين كانت تستهويها .. فبها تقشر البرتقال الذي تعشقه بجنون وتقطع به (جبن العرب) الذي صار قريبا جدا منها وتحبه حد الهوس..كان يمكنها ان تقتسم النهار معه على ثلاث وجبات ويا سلام لو كان مع شاي جدتها المهيل وبعض النعناع...تعلمت من جدتها أن تحب الجميع وحتى السلع الجامدة كالسكين هي بيديك وبأمرك ان آمرتيها بالشر قامت بأقسى الإعمال كالذبح وان منحتها الخير قدمت فروض الطاعة وتقوم بواجبها طائعة ...
صارت تتساءل في نفسها .. لم يتناول جدها طعامه قبل الجميع ولا .. يشاركه احد ؟ أين المتعة في طعام دون وجه محبب تطالعه كل حين وكلمة وضحكة وخناق على قطعة خيار واحدة؟!!!!!!
في يوم.. وهي الحفيدة المدللة كأميرة صبح وردي...تسللت تحبو حتى وصلت قربه..كانت تعرف انه لن يرد لها طلب مدت يدها الصغيرة نحو صحن السلطة وقالت أريد هذه الخيارة..وبابتسامته المحببة حمل بيده قطعة الخيار ومعها أخرى وأعطاها لها...وثب عليها العم ليبعدها عن الجد المنهمك بتناول طعامه بأمر من الجدة التي بقت ترتجف وتضرب كفا بكف...نظرت لجدها ،نزلت دمعة حرقت وجنتها الصغيرة..انا اشتهي الطعام معك..امسك حنانة المفرط بيدها وقال لابنه دعها...وردية تفعل ما تريد...جلست قربه بفرح ونظرت لجدتها وابتسمت ابتسامة الفاتحين المنتصرين...
صار يعطي لها اللحم لتأكل..ولكنها أشارت له بيديها أن انزل راسك تلفتت يمنة ويسرة كمن يراقب لسطو مسلح على مصرف وأغمضت عينيها حتى لا يراها احد وهمست بإذنه.. أريد أن آكل بنفسي ممكن؟ لم يستغرب أبدا يعرف إن هذه الشيطانة تحمل في سرها أمر ما... يتسارع كل من في القصر لإطعامها بيديه وبذلك حرمت لذة لمس الطعام .
حملت قطعة الطماطة بيدها ارتعشت قليلا كادت تسقطها لكنها تمسكت بها أخيرا...وسط حرجها قالت للجد ( أنا اضوج آكل وحدي)... ثم قربت هذه الحمراء الشهية من انفها...تنفست رائحتها الذي قرنته بعطر الحرية في التصرف...ابتسمت بخبث وهي تنظر لمن حولها..انه النصر عليكم جميعا...كانت القطعة كبيرة على فمها لأنها أصلا كانت معدة خصيصا للجد الحاكم بالحب والناهي عن الشر...أخذت تعض بها وعصير الطماطة يسيل على فمها وذقنها ورقبتها ويصل حد حافة ثوبها السماوي.. مرت بأناملها الصغيرة عليه محاولة استرجاع ما ضاع من العصير الى فمها..ضحك الجد وقال دعيه لابأس..لكنها همست بإذنه وقالت جدتي تقول يجب أن لا تهدر المرأة ولو ذرة من كد زوجها.
كلامها جعله ينظر طويلا لشريكة دربه التي تحاول كتم غضبها من وردية التي كسرت الأوامر واقتحمت بدلال مملكة زوجها التي لم يجرأ احد منذ عشرين ونيف على الاقتراب منها...زاد الحب في قلبه الكبير لتلك الرائعة التي أعطته حياتها كلها ومنحته الحب والأولاد والحرص على ماله وصحته.
وحين أفاق من غيبوبته الصغيرة انتبه إلى ان تلك المشاغبة قضت على صحن السلطة وحملت الباقي في ثوبها لتذهب به لعمتها التي كانت تعشقها ...امسك بها وسألها الى أين؟ أجابت بحدة وعصبية الى عمتي هي تعبت كثيرا اليوم نظفت وصنعت الغذاء وانت تأكل وهي تنتظر دورها... هذا طبعا بعد ان تحمل لك الإبريق لتغسل يديك وأنت جالس..
صار الجو حولها ملبد بغيوم الغضب، عدا الجد الذي ضحك من قلبه وقال اذهبي لها وكلا معا ولكنها لم تذهب وبقيت واقفة امامه كان في جعبتها أمر أخر لم تبح به لترتاح نهائيا..
نظرت له وراحت تلمس رجليه بأصابعها الملطخة بماء السلطة مما جعله يسحبها بقوة ...ارتبكت الصغيرة..ارتعشت قليلا (حبيبي جدو) عندي سؤال...هل تستطيع المشي على قدميك ام لا؟ ضحك طويلا وسألها..لماذا ؟ هل تريدين ان أخذك لبائع الحلوى...ولكنها تحضرت للهرب أمسكت بطرف ثوبها الذي تحول الى سماء بلون الغروب بسبب نقاط عصير الطماطة...وقالت لا.. حتى تقوم لتغسل يديك بنفسك...وركضت نحو حضن العمة وهي تبتسم بشقاوة.
ضحك كل من حولها...وأعجب الجد بحفيدته التي حاولت ان تعطيه ما في قلبها من حب بشكل درس سهل الفهم .



 

free web counter

 

أرشيف المقالات