| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 1/1/ 2012                                                                                                 

 

أمثلة على الأنكار المستهزيء بالعقل الجمعي

عبدالغني علي يحيى
al_botani2008@yahoo.com


في الستينات من القرن الماضي، عرضت دور السينما العراقية فلما إيرانياً بعنوان (ليلة في جهنم) وفيه يجد بطل الفلم الثري والجشع وقد حضر عزرائيل لانتزاع روحه فنقله الى العالم الاخر ليمثل امام محكمة لمقاضاته على أعمال شريرة موثقة في اضبارة ضخمة تضم المئات من الصفحات. وفي كل صفحة سجل ظلم له على يتيم وفقير وأرملة ومسكين، ناهيكم عن استحواذه دون وجه حق على أموال العباد. الطريف ان المحكمة عندما شرعت بتقليب أوراق إضبارته، فأنه انكر التهم الموجهة اليه كافة، وكانت النتيجة أن ألقته في نار جهنم. عند ذاك أفاق فزعاً من نومه لا يلوي على شيء، منتظراً على أحر من الجمر شروق الشمس، لكي يقوّم اعوجاجه ابتغاء مرضاة الله.

ذكرنى نفي وانكار بطل الفلم بالتهم التي أسندت اليه بنفي وانكار الرئيس السوري بشار الأسد لمسؤوليته عن المذابح التي ترتكبها قواته يوميا ضد السوريين الذين قتل منهم الى الان اكثر من (5000) شخص، واوحى انكاره، الى ان اجهزته القمعية تغدر بالناس دون علم منه، ظاناً ومعتقداً ان ساحته تبرأ بتصرفه النعامي الذي يأتي أشبه ما يكون بالضحك على الذقون. عدا الأسد، هنالك قادة أخرون أقدموا ويقدمون على تصرفات مماثلة لتصرفه والتي تجمع بين المأساة والملهاة معاً، وإذ تطغى الملهاة على المأساة في مواجهتهم للحقائق الكبيرة، فقد حق القول (شرالبلية ما يضحك) بحقهم.

في السبعينات من القرن الماضي، كانت الأذاعة الليبية لا تكف عن مهاجمة السادات، فكان أن زار ليبيا صحفي من مجلة (الطليعة) المصرية ان لم تخني الذاكرة للقاء القذافي الذي استهل اللقاء باظهار الحب والاحترام للسادات، الا ان الصحفي اعترض وذكره باذاعته التي توجه الشتائم والكلام الجارح الى السادات. فما كان من القذافي ألا أن يرد عليه، من ان المذيع الذي لا سلطان عليه، حسب قوله، هو الذي يقوم بسب السادات والطعن فيه.

انظروا الى منتهى الاستخفاف بعقل المتلقي، القذافي يحترم السادات ويكن الود له، الا أن مذيعه يخالفه ويتحرك بشكل مغاير لما يعتمر به قلب القذافي من مودة للسادات! والأمثلة تترى، ففي اذارعام 1988 حينما قصفت القوات العراقية مدينة (حلبجة) الكردية بالغازات السامة، قامت الدنيا ولم تقعد محتجة ومستنكرة لتلك الجريمة المروعة التي اودت بحياة (5000) شخص وما زالت أثارها باقية رغم مرور اكثر من 23 سنة عليها، اذ ان مصابين بتلك الغازات ما زالوا يتلقون العلاج في داخل العراق وخارجه.

أو تعلمون كيف واجه صدام حسين تلك الأحتجاجات؟. لقد أنكرها بالمرة، غير انه بدلاً من ان يلقي باللائمة على شخص أو جهة في نظامه، مثلما فعل القذافي حين لام مذيعه بالتطاول على الرئيس المصري الاسبق، وكما فعل الأسد عندما برأ نفسه من جرائم القتل اليومية في سوريا، فان صدام حسين حمل ايران، وسط دهشة العالم، بالتورط في جريمة الحرب الكيمياوية على حلبجة.

ونظل مع صور للنفي والانكار الساذج لكن اللا اخلاقي ايضاً، والذي يتعاطاه بعض من قادة الدول او رؤساء احزاب متنفذين، والذين في غالبيتهم طغاة صغار، مع الحقائق الضخمة. فقبل فترة سعى عبثاً حسن نصر الله رئيس حزب الله اللبناني حجب نور الشمس بالغربال، لما أنكر ضلوع حزبه في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري، وكذب في الوقت نفسه قرار المحكمة الدولية الذي قضى بعد طول تحقيق امتد لسنوات. بتجريم حزب الله لتنفيذه جريمة قتل الحريري.

وقبل اكثر من أسبوع، أنكر نوري المالكي ونفى من أن يكون أي سجين رأي وفكر في السجون العراقية، إللافت ان (بان كي مون) وفي الوقت عينه صرح بوجود نساء واطفال وغيرهم في السجون العراقية ولقد سبقته الى ذلك منظمات مدافعة عن حقوق الأنسان، محلية وعالمية، من بينها (هيومن رايتس ووج) والمثير للعجب في نفي المالكي انه اكد في مقال له نشره في صحيفة (واشنطن بوست) الامريكية وفي حدود الزمن المشار إليه، اعتقال بعثيين من انحاء العراق واحالة بعض منهم الى القضاء!!

يكاد يكون الحكام الاتراك من أشد الناكرين للحقائق الكبيرة على غرار تلك التي اتينا على ذكرها، سيما الحكام الذين توالوا على حكم تركيا بعد إنهيار الامبراطورية العثمانية، فهم ينفون وجود وطن باسم كردستان والذي لم تنكره حتى الوثائق والخرائط العثمانية، وتأسيساً على ذلك، فانهم ينكرون وجود شعب باسم الكرد الذين يربو تعدادهم على (25) مليون نسمة في تركيا. ولسنوات كانوا يطلقون عليه تسمية (اتراك الجبال)!.غير انهم وتحت ضغط من الحقائق الكبيرة والدامغة، فان حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم، اضطرت مؤخراً على الاعتراف بهم كشعب كردي، إلا أن الاعتراف هذا، صاحبه اضطهاد للكرد غير مسبوق بلغ حد استعمال القنابل الكيمياوية ضدهم، كما حصل في ولاية (جلي) بشمال كردستان (كردستان تركيا) قبل أسابيع دع جانباً القول عن انكارهم المتواصل لجريمة ابادة اكثر من مليون أرمني في الحرب العالمية الأولى.

ان تجاهل الحقائق الساطعة، يعبر عن عقلية ضيقة للطغاة الصغارعلى اختلاف جنسياتهم، وكان من المتوقع ان تتوارى هذه العقلية امام التطور المدهش لتكنولوجيا الاعلام والمعلومات التي جعلت من حبل الكذب اشد قصراً بيد ان الذي حدث كان على الضد من هذا التوقع كما رأينا.


*
رئيس تحرير صحيفة (راية الموصل) - العراق.
 
 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات