| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 1 / 9 / 2013



افتتاحية المدى

"التأديب" بصواريخ كروز: عقاب جماعي وتدمير للدولة لا يؤسس لديمقراطية..!

فخري كريم  

(١)

بدأ العدّ التنازلي، حسب التقارير التي ترد بوتيرة متصاعدة عن قرب توقيع الرئيس أوباما على الخيار العسكري مع سورية، لتوجيه ضربات صاروخية "تأديبية" لها، عقاباً للنظام على استخدامه المزعوم للأسلحة الكيمياوية.
وبغض النظر عن استخدام الكيمياوي من قبل حكومة بشار الأسد وتوفر الدلائل عليه، وهو ما يستحق اشد وأوسع إدانة دولية، فأن الخيار العسكري، بطابعه التأديبي الذي لا يستهدف كما تؤكد الولايات المتحدة إسقاط النظام القائم، لن يطال بالتدمير والقتل سوى الشعب السوري، وأركان الدولة السورية.
إن التدخل والتأديب العسكري الخارجي لا يعبر بالضرورة، ولا يعكس في التطبيق العملي، الانحياز الى مطالب الشعب السوري وفصائل المعارضة الوطنية، بإقامة دولة مؤسسات مدنية ديمقراطية، تتحقق فيها الحريات بكل تجلياتها، وتُحترم في إطارها حقوق الإنسان، والتنوع المكوني العرقي والقومي والطائفي، على أساس المواطنة الحرة المتساوية، والتداول السلمي للسلطة.
وقد يؤدي مثل هذا الخيار الى أضرار فادحة بالشعب، وتحميله ما هو فوق طاقته من الأعباء المعيشية والأمنية، ويُكبده تضحيات مضاعفة، ولن يوقف نزيف الدم الذي يتناثر في أرجاء البلاد، حيث تختلط في مجاريها أوبئة العداوات والضغائن والجروح التي لا سبيل إلى اندمالها في خلايا المجتمع الممزق.
وفي المحصلة النهائية من الصراع على السلطة، حيث يتداخل على خطوطها ما هو مُعَبِّرٌ عن ارادة التغيير الديمقراطي للشعب، وما يتساوق مع مصالح عربية وإقليمية ودولية، تتسع مساحة المغامرة بالكيان السوري الجامع، وما يشكله من ضمانة لحماية المجتمع من التمزق والتيه في اتون مواجهاتٍ عبثية على الهوية الكلية المستندة إلى قاعدة التعدد والتنوع.

لا خلاف على المسؤولية التاريخية للنظام الشمولي، عن هذا الوضع الذي انتهت اليه سورية، وآلت اليه مصائر السوريين. وكما هو حال كل الانظمة الشمولية والاستبدادية، فان تغييب القوى الحية من المشهد السياسي، والتضييق على الحريات وكبتها، وتكييف الدولة ومؤسساتها وفقاً لمصالح فردية ضيقة للحاكمين، لا يمكن ان لا ينال من حصانة الدولة ووحدة المجتمع والقيم والمعايير الوطنية التي تشد من نسيجه ووحدته وخياراته.

ومن اخطر النتائج التي ترتبت على سياسات ونهج هذه الأنظمة، بروز قوى ظلامية تكفيرية، تُسخُر الدين الحنيف، لتعبئة أوساطٍ مُغيّبة عن الوعي، خَدَّرَتها السلطات المستبدة الفاسدة، تحت سياط القمع وشظف العيش، ليَتَبَدّى لها الخلاص في الاستسلام للوعي الزائف الذي تضخه هذه القوى، وتغذيه السلطة نفسها عبر استخدامها ذات المصادر، توهماً منها بأن في ذلك تحصيناً من الدعاوى التكفيرية التي تسعى لتطويع الدين في الترويج لاهدافها السياسية.

(٢)

لقد وجد السادات في الاخوان المسلمين والحركات الاسلاموية، اداة طيّعة في مواجهته مع القوى والتيارات الديمقراطية والليبرالية. كما رأت الانظمة "الوطنية" في الجزائر واليمن وسورية وغيرها، في اعتماد قوى وفصائل من هذا التيار، وفقاً للظروف الملموسة في كلٍ منها سواء باستخدام تنظيماتها او مضامين دعاواها، عكّازات للتنصل من الاستحقاقات الدستورية الديمقراطية، ومما تتطلبه من اشتراطات الانفتاح على المجتمع، والاعتماد على ارادته كمصدر للحكم، وفي تداول سلمي للسلطة السياسية.

وكان حصاد هذا النهج الغيبي، تعميقاً لتشظي المجتمعات في الدول العربية، وايجاد منطلقات تستند الى تشويه مدارك الدين لإثارة فتن الطوائف والمذاهب، ما فتح الابواب على مصاريعها، للرياح السامة التي تقود الى أعاصير سياسية، تقتلع المجتمعات من جذور الثقافة والتاريخ، وتضعها في مواجهة الشكوك والتنابز والصراع على الهوية.

(٣)

في العراق عشنا تجربة الحصار الدولي وتأديب النظام الدكتاتوري السابق بالضربات الصاروخية بين فترة وأخرى، ضد المنشآت والبُنى التحتية للدولة العراقية، والنتائج التي ترتبت عليها في المدى المنظور وما تلا. ولم نجد نتائج لذلك في استقواء العراقيين على الدكتاتورية، وتمكينهم من منازلتها واسقاطها. وما فازوا به في واقع الحال كان بؤساً وإفقاراً وتفككاً في النسيج الاجتماعي. وما حاز عليه النظام كان إمعاناً في إذلال المواطنين، وارتهان إرادتهم وتجويعهم وتسطيح أمانيهم، وتحويلها إلى هَمٍّ يومي، اختُزل في لقمة العيش والحفاظ على حياةٍ كسيرة.

كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها تصقِلُ بين حين وآخر، شعاراتها السياسية، وتنحت لها حوامل تغري بالديمقراطية وحقوق الانسان، بادعاء الانطلاق من القيم والمبادئ التي تُسّير ارادتها، ولم يكن لشعبنا الذي هَدّته الدكتاتورية وانظمتها المتعاقبة، القدرة على الالتفات لغير همه اليومي الممض، منكفئاً على ذاته، متطلعاً لقدرٍ ومرتجى، يظل مثل سراب محكوماً بالتأجيل.

كان الحصار الدولي يأكل من مائدة العراقيين وعلى حساب معاناتهم، في حين كان النظام يستقوي به على العراقيين، ويتفاخر الدكتاتور أمام شاشات التلفزيون العالمية، بقدرته على تحمل أعباء الحصار مئة عام أخرى "مادام الشعب الوفي مستعداً لشد الأحزمة على البطون.."! ولا تزال كلماته المستَفِزة ترن في آذان من استمعوا اليه وهو يؤشر بيده على "كرشه" مردداً "خلي يستمرون بالحصار، هذا الخير من لحم الغزال"!

وكلما تكررت الضربات الصاروخية على المواقع العراقية، ازداد الحصار السياسي الداخلي على الشعب، واشتدت قبضة النظام واجهزته، على الشعب وعلى الجيش والقوات المسلحة، وتعددت الاسباب ليقوم بكل ما من شأنه تكريس سلطته المطلقة وعائلته والدائرة الضيقة من حوله، ويتفنن في ممارسة كل اشكال واساليب البطش والتصفيات الجسدية والسياسية ضد كل مشتبه في ضميره!

(٤)

يتبادر إلى الذهن، ونحن في لحظة مقاربة مع المشهد الحالي، واحتمالات استخدام التدخل العسكري في سورية، الموقف الإنكاري المتواطئ مع النظام الذي اتخذته الولايات المتحدة الاميركية والتحالف الدولي، من انتفاضة الأول من آذار ١٩٩١، الذي تزامن مع تحرير الكويت و"كسيرة" الجيش العراقي وعودته الخائبة إلى العراق وهو يجتاز جثث الموتى وحطام الدبابات والآليات العسكرية.

وقد شهدت "خيمة صفوان" في الثالث من آذار، لحظة التحول الدرامي في هذا التواطؤ الأميركي، بالسماح للنظام باستخدام المروحيات المقاتلة والدبابات في مطاردة المنتفضين، وتصفية مواقع احتشادهم، والإجهاز النهائي على الانتفاضة، وإعادة السيطرة على المدن والقصبات التي تمردت على بغداد وتحررت من سطوتها.

لم يكن العراقيون يومذاك بحاجة الى انقضاض القوات الاميركية والمتحالفة معها على البلاد لتحريرها من الدكتاتورية، كما فعلت في ٩ نيسان عام ٢٠٠٣. فالشعب تمكن من الانتفاض عليها وكسر هيبتها ومحاصرتها في معازل طريدة في بغداد ومحيطها. وتعذر على قادة النظام التحرك خارج محيط العاصمة، حتى سُمّيَ صدام يوم ذاك "محافظ بغداد". بل كادت مظاهر وجود السلطة، من جيش وشرطة وفدائيي الدكتاتور، تختفي من المدن والشوارع الرئيسية المؤدية اليها مع حلول الظلام.

ولن يكتمل المشهد الدرامي الاسترجاعي، دون المرور على ما وصف باستدراج الدكتاتور، واستغفاله من قبل السفيرة الاميركية ببغداد، بالتزامها الصمت او باعتمادها إيماءة دبلوماسية تعقيباً على تلميحه إلى نواياه بمعاقبة الكويت.

ليس من باب السذاجة السياسية التساؤل عن الدوافع والأسباب الدفينة، التي جعلت من "خيمة صفوان" متكأً للنظام الدكتاتوري، لسحق انتفاضة الشعب العراقي، مع انها أوحت بكونها المظلة التي تشهد رحيل الدكتاتورية المهزومة، وتمكين العراقيين من استعادة حريتهم وفك أسر إرادتهم، بإقامة النظام الديمقراطي الذي يريدون.

ومن العبث الدخول في سجالٍ عقيم، مع من برر وأفاض في تحليل اسباب ودوافع اميركا، التي قلبت الموازين والخيارات تحت خيمة صفوان. يكفي ان من بين ابرز ما قيل في هذا السياق، القلق من هيمنة النفوذ الايراني على الانتفاضة والمشهد السياسي، والخشية من إقامة نظامٍ ديني، ووقوع عراق ما بعد الخيمة ورحيل الدكتاتورية، في دائرة نفوذ الجمهورية الاسلامية الايرانية، وتحول النظام الجديد، الى ملعب مفتوح على الصراع الطائفي!

(٥)

اثنتا عشرة سنة مضت بعد ذلك عجافاً، تم خلالها ترويض العراقيين في الداخل والخارج، على قبول ما يتيسر من سبل الخلاص، لا فرق بين الوسائل والأدوات. وكانت لحظة الانقضاض، وحل الخراب الشامل. وتم تدمير ما بقي من البنى التحتية وهياكل الدولة الممسوخة. وقرر المحتل حل الجيش "المنحل أصلاً" وتدمير آلياته وطائراته وتحويلها مع دباباته، الى خردوات بيعت في اسواق النخاسة الى السماسرة والمرابين، لتهريبها الى دول الجوار.

ثم اعيد تشكيل الجيش والشرطة وهياكل الدولة من تلك الخرائب "المزنجرة" من فضلات البعث، ونظامه وجيشه وشرطته ومخابراته. وأعيد أسر العراق في حُلَةً جديدة، اتخذ له اسمٌ مزدهٍ بنفسه، العراق الجديد!

(٦)

ليس بين العراقيين، حتى من يتظاهر بالولاء للنظام في سورية، من لا يتعاطف مع السوريين، وتُوقِهِم للانعتاق من الدكتاتورية واقامة نظام ديمقراطي، يحقق لكل سوريٍ تطلعاته الوطنية والانسانية. نظام يأخذ بالاعتبار التعدد والتنوع، يُرسى على قاعدة المواطنة المتساوية بمنأى عن التشظي الطائفي والديني والمذهبي.

نظام لا يأخذ بالمحاصصة، بديلا عن تساوي الفرص. ولا يعتمد السلاح بدلاً من الحوار وقبول الآخر وتسكين الاختلاف في اطار التفاعل.

ليس بين العراقيين الذين لوعتهم المحاصصة الطائفية والإرهاب والقتل على الهوية، من يريد للسوريين مصيراً مثل مصيرهم، حيث يبدد الفساد المستشري في دولتهم اللا دولة، ثرواتهم. ويعيق التسلط على مقدراتها، تطور بلادهم الغنية. ويعبث بمصائرهم ومستقبلهم، جحافل المرتزقة الذين شاءت الصدفة ومسارات العسف المضاعف منذ خيمة صفوان حتى ٩ نيسان ٢٠٠٣، وما تلا تخريجات بريمر وقراراته التعسفية، ان يصبحوا بعضاً من أولياء الأمر على شعبنا.

لن نرضى للسوريين البقاء تحت سياط الاستبداد، لكننا لا نريد لهم مصيراً، يصبح فيه مجرد الامل بالكرامة والامان، سراباً وفوضى واحتراباً وسقوطاً في اللاجدوى.

(٧)

في الجدل الذي احتدم في الاوساط العراقية والعربية والدولية، بعد حماقة الدكتاتور باحتلال الكويت، كنا نراود النظام للخروج الآمن من المأزق الذي وُضِع فيه العراق، لعل في ذلك تجنيباً لشعبنا من دمار شامل.

وفي ذلك الموقف "المازوشي" اذا صح التعبير، مخاطر كبرى على المعارضة الوطنية، اذ كان النظام سيستفيد من الانسحاب، ويستقوي علينا. لكن الوطنيين العراقيين قبلوا المغامرة، ولسان حالهم يردد: لنتحمل المزيد من الويلات، وليسلم شعبنا!

لم يسمع الدكتاتور ولم يرعوِ. ومع تصاعد الاستعدادات الدولية للتحضير للحرب، حتى اللحظات الاخيرة من بدء العمليات العسكرية والشروع باجتياز الأراضي العراقية، اعلنا بوضوح عن رفض الحرب والاحتلال، دون ان نقبل بما سُمي بـ"الدفاع الخادع" عن الوطن، الذي كان يعني في واقع الحال نقل البندقية من كتف إلى كتف، بالاصطفاف مع قوات النظام المدافعة عن بقاء الدكتاتورية لا حياض الوطن.

لم تكن دعوة القوى الوطنية لرفض الحرب، تماثلاً مع دعوات الممالئين من الاسلامويين والقومجية والمرتزقة الذين كانوا يريدون انقاذ النظام من السقوط. ولم يكن خيار رفض الحرب اصطفافاً بأي شكل مع الدكتاتورية، ولا دعوة للتعبئة دفاعاً عنه.

(٨)

في حُمّى ذاك الجدل، اتُهمت المعارضة الوطنية بخيانة الوطن والعمالة للامريكان وللسعودية والخليج، من قبل طرفي النظام في سورية، وصفّ كامل ممن يقفون في المعارضة اليوم، وكانوا يومذاك في خيمة "ربيع دمشق"! وجّيَش البعض من هؤلاء أقلامهم تنديداً بمواقفنا، وسيّروا وفوداً الى بغداد للتضامن المُضَلل مع الشعب العراقي. وتسلل المئات من "المجاهدين" من كل فجٍ عميق، الى داخل العراق من الحدود السورية وغيرها، وبرعاية من مخابرات الدول المعنية بالنفير العام، ليتحولوا بعد سقوط الدكتاتورية الى ادوات للفتنة الطائفية والارهاب الذي لم يتوقف حتى اليوم.

فماذا تغير في الموقف..؟

(٩)

لقد استخدم النظام السوري سلاح القمع، وافرط في استخدام كل الوسائل المتاحة لاجهاض مطالبات الشعب بالتغيير الديمقراطي، والتحول السلمي لتداول السلطة. ورغم كل ما استخدمه النظام من وسائل البطش والقمع والتصفيات، فإن الحراك الشعبي اتسع وتمدد ليشمل كل الفئات وتنوعات الطيف السوري، في سائر ارجاء البلاد.

ولا خلاف في ان النظام فرط ببلاهة بأكثر من فرصة لحل مشرفٍ يخرج سورية من المصير الذي آلت اليه. وامعن في المكابرة والغلو والغطرسة والإسفاف السياسي.

وكانت النتيجة ان تَحول الحراك الديمقراطي في الداخل، الى اطارٍ لصراعٍ عربي وإقليمي. واتخذ النهوض الشعبي بطابعه الوطني الديمقراطي المطالِب بالتغيير، شكل نزوع طائفي، سرعان ما اصطبغ بالتكفير وصار اسير اسلمة، دعاتها ممن لا علاقة لهم ولحركاتهم بالاسلام.

وتحول من مبارزة بين السوريين العُزَّل والنظام المدجج بالسلاح، المحاصر بالاتهام والتجريم بالقمع المفرط، الى تدخل من خارج الحدود بتدفقات السلاح والعتاد، واصناف "الجهاديين" من انصار القاعدة، بكل تلاوينهم واصقاعهم، يبشرون بالولاية الإسلامية وما يرافقها من قتل واستباحاتٍ على الهوية، وليس على الاصطفاف مع النظام. وبات الاستهداف طائفياً بامتياز، غابت عن مشاهده صورة مواجهة بين المعارضة والسلطة. وبهتت خطوط التلاقي والافتراق بين السوريين، وتطلعاتهم التي اصبحت مأسورة بالمخاوف من بدائل تنحو بالبلاد صوب الانكفاء على هوية مذهبية، على حساب هويات متكافلة لم تكن رغم انتماءاتها، متوافقة مع السلطة ونهجها واستبدادها.

إن اخطر لحظة في تحول مسار النهوض الشعبي الديمقراطي واحتجاجاته، تركزت في بلورة الاصطفاف الداخلي مع الاصطفاف العربي والإقليمي، واتخاذها طابع صراعٍ طائفي على السلطة، وإيجاد مواقع نفوذ بين الأطراف المتصارعة على خطوط الدفاعات المستنفذة، على طول حدود التماس العربي - الإقليمي.

دخل حزب الله لمواجهة موجات الجهاد التكفيري، وإعلان الهدف المباشر لها بإقامة الخلافة الإسلامية برعاية من حكومة الإخوان المسلمين في تركيا، ودعم مالي وإعلامي وسياسي سخي من مشيخة قطر وسدنتها في التنظيم الدولي للإخوان.

وأصبحت ايران الحليفة القوية، في مواجهة على ارض الغير مع منافسها الاستراتيجي والمتحالفين معه. وبات الكل في مرمى الكل، والضحية سورية الدولة وسورية الشعب، وحصل النظام على براءة الذمة، إذ اصبح مدافعا عنهما، مقابل تصفية حسابات على أراضيه!

(١٠)

براءة ذمة النظام هي أشبه ببراءة الذئب من دم يوسف. وخشبة الإنقاذ الوحيدة التي يمكن عبرها انقاذ سورية، التي هي اليوم بقايا الدولة المدمرة واطلال المدن المحترقة بقذائف نيران الكراهية والتشبث بكرسي الحكم، باتت تحت تصرف رأس النظام لا غيره.

ان تأديب الاسطول الاميركي عبر صواريخه، يطاول المستقبل الغامض لسورية، ولا علاقة له بمستقبل النظام.

والضربات الصاروخية ستدمر هياكل عسكرية ومدنية، تُجرد "دولة المعارضة" من مقومات السيادة وارتكازات النهوض لاعادة البناء والإعمار.

والهدف المؤكد الذي قد تحققه الضربات الصاروخية الأميركية، اذا ما انطلقت، هو اغراق سوريا في الفوضى المُعتِمة التي لم يظهر منها في العراق وليبيا وسواهما، سوى أعراض غير خلاقة.

(١١)

اليوم كما الأمس، في وقت ما قبل بدء العد التنازلي لتحرك القوات الأميركية - الدولية في حرب الخليج الثانية والثالثة، والإيذان باشتعال أتون الحرب في الحالتين، لتفتك بالعراق، كان بإمكان الدكتاتور المتناوم ان يتنحى، مع اقصى الضمانات الأممية للسلامة، وينقذ العراق من الدمار والخراب والتفريط بالسيادة والمصير المفتوح على جهنم. فهل من ارادة تتعالى على مراودات كرسي الحكم، وتستر على ما تبقى من سورية المنتهكة، وتجنبها الدخول في غياهب الفوضى والتشتت والانفلات الامني والحروب ما قبل الجاهلية؟

(١٢)

لا مستقبل لسورية، في ظل الاستبداد، أياً كان ما تلبس من مظاهر وتابوات..

فهل لكل المعارضات السورية، ان تلتقط لحظة فارقة في هذا المنعطف التاريخي، وتعلن رفض التأديب الاميركي، وتحمل وزر نتائجه على النظام..؟


المدى
العدد (2880) 1/9/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات