| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 1 / 7 / 2013                                                                                                 

 

وداعا بيليه الناصرية

خالد غني

عند سماعي خبر وفاة رفيق عمري الكابتن عباس هليل ، اعتقدت في بادئ الامر ان الخبر دعابة على غرار كذبة نيسان ولن أتصور ان يرحل بهذه السرعة رغم تخطيه السبعين من العمر ، لأن الدعابة والمرح لن تفارقه طيلة اليوم ، كان صديقا للصغار والكبار على حد سواء ، لايعرف الضجر ومعافى ، لذلك من حقي أن لا أصدق هذا الخبر ألشؤم .

تمتد علاقتي بأبي عمار لعشرات السنين فيها الكثير الكثير من الذكريات الجميلة ، واحلاها كانت في عمر الشباب وهي ألذ سنوات العمر في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم ، أمضيناها بزهو في الملاعب الكروية والأندية الرياضية ، رحلات وسفرات بين مدننا العراقية الحبيبة ، بين البصرة وبغداد والحلة والعمارة والسماوة والديوانية وغيرها لإجراء مباريات بكرة القدم والسلة ، والاستمتاع بنهارات وليالي تلك المدن ، بين أسواقها وكورنيشاتها الزاخرة بحدائقها ومقاهيها وأنديتها الليلية . وانا وأبا عمار وبعض الأصدقاء لن نفترق إلا قليلا ، فكيف أختزل كل هذه العلاقة الأخوية المبنية على المودة والاحترام والثقة المتبادلة بهذه الرسالة القصيرة ؟

كانت البداية مع الكابتن عباس هليل منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي اثناء مباراة بكرة القدم بين فريقي محلتنا وفريق محلتهم ، عندما كنا نلعب كرة القدم الصغيرة ونحن حفاة على كأس مصنوع من الصفيح ( التنك ) وفي ساحة خارج المدينة لاحدود لها ، وأهداف بدون أعمدة وبلا صافرة حكم ، ومنذ الصغر رأيت أبا عمار يصول ويجول بضرباته القوية في منطقة الدفاع .

كان عباس هليل أحد طلاب مدرسة المنتفك الابتدائية القريبة من بيتهم وعند وصوله الصف الثالث ضمّه معلم الرياضة الاستاذ ذياب خميس لفريق المدرسة ، وعند وصوله الصف الخامس لعب ضمن منتخب المعارف ، وهذا نادرا ما يحدث ، وفي نفس الوقت هو طالب متفوق دراسيا ، واشتهر أبو عمار رياضياً في المرحلة المتوسطة لممارسته لعبة كرة السلة والعدو للمسافات المتوسطة ، والفرق الكشفية بالإضافة الى كرة القدم .

وفي العام 1957 تأسس فريق الفتيان الرياضي ومنذ البداية إنضم اليه الكابتن عباس هليل وكبر الفريق بلاعبيه ومناصريه ومنه الى نادي الفتيان الرياضي وذاع صيته في كافة المدن العراقية وإنضم اليه خيرة رياضي الناصرية وعقد الكثير من الاتفاقات مع أندية رياضية عراقية عريقة كفريق القوة الجوية ونادي الشرطة ونادي المهداوي ، هذا في بغداد ونادي الميناء والجنوب والاتحاد والشروق في البصرة ، وفرق عراقية كثيرة ليس في كرة القدم فقط ، وانما في كرة السلة أيضا ، وهنا اشتهر الكابتن عباس هليل كلاعب بارع ومعه كبار رياضيي النادي أمثال نعمان السيد محمد وشريف نعاس وفاروق الأطرقجي وآخرين .

وفي العام ١٩٦٣ كان الكابتن عباس هليل في المرحلة الأخيرة من دار المعلمين فرع التربية الرياضية، حيث قامت عصابات البعث في العام نفسه وبالتحديد في اليوم الثامن من شهر شباط بإنقلابهم الدامي ضد الحكم الوطني وزعيمه عبد الكريم قاسم وزج بعشرات ألآلآف من العراقيين في السجون ومنهم الكابتن عباس هليل ٠وفي الفترة نفسها بدأت إستعدادات الفرق الرياضية العراقية للمشاركة في الدورة الرياضية المدرسية الإولى المقامة في الكويت ، حيث كان الكابتن عباس هليل مرشحاً من قبل محمد حسون مدرب الفريق العراقي لكرة القدم . وبالمناسبة هو اللاعب الوحيد من مدينة الناصرية المرشح للعب ضمن المنتخب العراقي كون جميع لاعبي المنتخب المدرسي من بغداد فقط مما سبب إحراجاً للإنقلابيين البعثيين إذ إضطروا لإطلاق سراحه من المعتقل والتحق فوراً بالفريق العراقي، وهناك في الكويت وبجدارة لقب بالإسطورة بالإضافة إلى ألألقاب التي حصل عليها سابقاً ومنها بيليه الناصرية، حيث كان سداً منيعاً في جميع مباريات الفريق العراقي أمام خصومه من الفرق العربية وقدم عروضاً رائعة في اللعب الجماعي والمهارات الفردية . وعند عودته للعراق إنهالت عليه العروض للعب ضمن الفرق العسكرية الرياضية العراقية وبعض الأندية الرياضية ورواتب مغرية إلا أنه رفض كل العروض وفضل البقاء في الناصرية بالرغم من أن عصابات البعث أغلقت نادي الفتيان الرياضي بعد ثلاثة أيام من الإنقلاب واعتقلت معظم لاعبي النادي .

وبقي أبو عمار بعيداً عن رفاقه من اللاعبين وبدون نادي الفتيان إًلا إنه لم يبتعد عن الرياضة وهو المحبوب من قبل جماهير الناصرية بتواضعه ودماثة أخلاقه وظل موضْع ثقة الجماهير فهو سريع النكات وخاصةً في الظروف الصعبة، ومن طرائفه في العام ١٩٦١ حيث جرت مصادمات بين الطلبة البعثيين والطلبة الديمقراطيين على أثر ذلك أعتقل أبو عمار مع العشرات من الطلاب الديمقراطيين في موقف الخيالة ومنذ البداية إختار له مكاناً للنوم في أحدى زوايا المعتقل ، والمعروف عن أبي عمار محباً لأكل الحلويات وكثيراً ما يردد جملته الشهيرة المؤمنون حلويون ، وفي أحد ألأيام كتب بخط واضح على ورقة من الحجم الكبير (أيها الأحبة من تؤلمه أسنانه ولديه أي نوع من أنواع الحلويات يرجى تسليمها لرفيقكم عباس هليل ولكم مني كل التقدير والإحترام ) .

أمضى الكابتن عباس هليل معظم سنوات عمره في خدمة الحركة الرياضية في الناصرية كلاعب كرة قدم وكرة السلة وبطل ركضة ٨٠٠ متر في الناصرية ، زاول مهنة التعليم في مدارس الناصرية ، ونُسب للنشاط المدرسي ومارس التحكيم في لعبتي كرة القدم وكرة السلة ، قاد منتخب الناصرية كمدرب ولاعب في كرة القدم لعدة سنوات نافس فيها أقوى الفرق العراقية ، وبحق كان مدرسة في التدريب تخرج منها معظم لاعبي كرة القدم في الناصرية أمثال اللاعب الدولي صلاح عبيد ومالك جدوع وكمال جعفر وجهاد حمود والكثير الكثير من لاعبي الناصرية . الحقيقة لم يكن الكابتن عباس هليل موهوب رياضياً فقط بل موهوب فنياً فهو خطاط ورسام والزخرفة على الخشب ونجار ماهر مارس النجارة حرفياً عندما كانت ظروفه الإقتصادية صعبة بسبب الحصار .

كان المفروض بمسؤولي الحركة الرياضية في الناصرية ، سواء بالنشاط المدرسي أو في مجلس المحافظة ، أن يقدروا خدمات الرياضيين في مدينة الناصرية ويقرأوا تأريخهم جيداً ومنهم الكابتن القدير عباس هليل حيث كانت الفرق الكروية في الثلاثينات من القرن الماضي أفضل مما عليه الآن ، فكان فريق كرة القدم آنذاك يزخر بلاعبين كبار منهم سعدون عريبي وذياب أبو سرحان وجبار علي أبا هدف وأسماء كثيرة من لاعبي الناصرية وتبعتها فرق أخرى في الأربعينات وبداية الخمسينات كفريق الهواة لكرة القدم الذي يضم في صفوفه خيرة اللاعبين أمثال محسن علوان وهو شقيق الحلاق أبو سمير ومن لاعبي الفريق وداد عجام وإبراهيم عبد الوهاب وعطا سعود ومحمد رضا وغيرهم وتبعهم في أواسط الخمسينات فريق الفتيان الرياضي وتطور إلى نادي الفتيان الرياضي وضم خيرة لاعبي الناصرية ومنهم اللاعبين نعمان سيد محمد وشريف نعاس وفاروق الأطرقچي والأخوان عبد الرحمن ومحمد الإمامي وآخرين بالإضافة إلى الكابتن عباس هليل .

وبما أن الرياضة ركن هام في حياة الشعوب ومن خلال أبطالها ترتفع رايات بلدانهم في المحافل الرياضية كالدورات العربية الرياضية والأولمپية ، فكم تمنيت من مسؤولي الرياضة في الناصرية أ ن يكرموا أبطال مدينتهم وهم على قيد الحياة تقديرا لخدماتهم الكبيرة كعمل نصب للكابتن عباس هليل في واجهة ملعب الناصرية على غرار نصب الكابتن جمولي أمام واجهة ملعب الكشافة في بغداد أو تسمية نوادي رياضية أو ملاعب أ و قاعات تخليداً لذكرى هؤلاء الأبطال الذين رفعوا سمعة مدينة الناصرية عالياً وهم كثر ومنهم القدامى كما هو معروف بطل الساحة والميدان يوسف سعد بطل الٍعشرية في الناصرية كركض ١٠٠متر و٢٠٠ متر والقفز العالي والزانة حتى تكملة العشر لعبات وهناك بطل العدو للمسافات الطويلة الدكتور كامل منعم وإخوته أْبطال الجمناستك وهناك أبطال الدورات الرياضية العربية أْمثال نجم عبيد بطل ٤٠٠متر في دورة بيروت وْعلي هداد الشطري بطل رمي الثقل عربياً وهناك الكثير من الأبطال الرياضيين في الناصرية .

أتمنى على مسؤولي الرياضة في الناصرية أن لايأخذوا بالمقطع الغنائي الجميل للمطربة الرائعة فيروز حين تقول ( لا تندهي مافي حدا ) لابد وأن يكون هناك حدا وخذوا العبر من التأريخ لأنه لا يرحم .

لتبقى ذكرى الكابتن أبو عمار عباس هليل عطرة وندية في ذاكرة الأجيال القادمة ومعه كل رياضيي الحديقة الغناء مدينة التواضع الناصرية الجميلة

 

حزيران 2013


 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات