| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 19/9/ 2012                                                                                                  

 

أكثريات ما بعد الربيع العربي .... العراق نموذجاً

عباس الجوراني

يلحظ المتابع الموضوعي لشؤون وشجون نتاج ثورات الربيع العربي الذهول والحيرة وهما ينتابان صناع هذه الثورات , فيما هم يرنون بحزن لأحزاب وفصائل متمرسة بالمراوغة استحوذت دون عناء وبمشروعية مخاتلة على ثمار ثوراتهم , ودون ان ترهق نفسها بأجراء تغييرات جذرية تتناسب وأتعاب من مد البساط لهم فلا مشاركة سياسية ولا عدالة اجتماعية ولا هم يحزنون .

بالعكس فقد تراكضت أحزاب الإسلام السياسي حتى في الدول الغنية لتخترع أنظمة أجادت الاصطفاف بالطابور , جذلى كمجموعة تلاميذ نجباء , يتدافعون لحجز مقاعد لهم في أحد الصفوف الابتدائية لمدرسة صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي , ظنا منها – خطأ – أنها بذلك تستر عريها ولو إلى حين , باستدانة مشروطة لبضعة ملايين من الدولارات وفق ترسيمة تضمر العداء لأفقر طبقات الشعب لتضيف لبؤسها بؤسا , وذلك على خلفية انتخابات عاجلة يسود أجوائها الغش والالتباس تحت وطأة شرط جوهري مشغول عليه بكثافة وهو ألا يذهب المواطن , الفرد ، السياسي ليصوت بقدر ما تذهب كتل بشرية مسكونة بهواجس مرضية ليجنوا أصواتاً غزيرة, لا تسأل عن برامج للعمل والتنمية , وليحتفلوا بعدها بالنصر المؤزر والأكيد , نصرا في حسابات التاريخ طارئ ومؤقت , يسلب من الشعب سنين عزيزة من الارتقاء على سلم التطور السياسي وحقوق الإنسان والديمقراطية هو أحوج ما يكون إليها بعدما أكتوى بجمر الأنظمة الشمولية.

يحتفلون بعدها بنشوة لا تدانيها نشوة , بتشكيل حكومة " الأكثرية " سكارى حد الثمالة بكأس أكثرياتهم المترعة بالماسي , رافعين ألوية الفخر بتخليصنا من أنظمة شمولية انعدمت فيها الحريات تحت سطوة الدكتاتور ، ليطلوا علينا بنسخة جديدة من النظام الشمولي ذاته لكنه يعتاش - على النقيض من سابقه - على حريات منفلتة , يمكن أن تنتج دكتاتورا رحيما هذه المرة .

وتتضاعف المصيبة في بلداننا ذات الريع النفطي , فكلما زادت صادرات النفط ، وارتفعت معها المداخيل النفطية ليزيد الناتج المحلي وطنيا وفرديا ، كلما تدهورت الحقوق السياسية والاجتماعية ، وتراجعت الديمقراطية و ترنحت حقوق الإنسان عكس ما هو حاصل في البلدان المتطورة عند ازدياد دخلها الوطني ، حيث يرتفع منسوب الديمقراطية وتتصاعد رفاهية الشعب وسعادته ، ولا يتعرض مواطنوها للقتل على أيدي حكوماتهم , وتقل معاناة شعوبها من الإرهاب والفساد ، فضلا عن تجاوزها لخطر طغيان الأغلبية . وقدرتها على الانتصار في المعارك التي تواجهها بحكم ديناميكيتها على التعاون مع الشركاء ، وذلك ما برهنته الأبحاث التجريبية لعلماء مرموقين .

ولا يشذ المفهوم الخاطئ للأكثرية في ذهنية ساسة الكتل ذات السطوة في العراق عن غيرهم من الحكام العرب ، فكلما ضاقت بهم السبل – وهي دائما ضيقة – بحكم اللاواقعية وافتقاد الحكمة , والعقلية الألغائية كلما ارتفعت وتيرة الأصوات الداعية لتشكيل حكومة الأكثرية ، وكأن الاتفاق على تشكيل ما أسموه حكومة الشراكة جاء بدافع الشهامة أو الشفقة ، غافلين عن الشروط التي تستلزمها أقامة حكومة أغلبية ضمن نظام ديمقراطي :

* تستلزم أول ما تستلزمه ضبط آلية التوازن بين مصالح الأغلبية والأقلية التي غالبا ما تتعارض مما يوجب سن مواد دستورية تضمن حقوق الأقلية والأفراد من تجاوز ممثلي الأغلبية عليها وإلزامها باحترام تلك الحقوق .
* كما وتسري الفكرة على ضبط التوازن بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ورصد سلوك السلطة التنفيذية الساعي دوما لإلحاق السلطتين القضائية والتشريعية به كلما وجدت فرصة لذلك .
* وأيضا وقبل التفكير بسريان مثل هذه الآلية في الحكم لابد من العمل على إبراز التمايز الوظيفي بين الدين بما هو مقدس ثابت عن السياسة بما هي متحرك يستوجب الاتفاقات والتنازلات , ما يحتم عدم زج الدين في المعترك السياسي .
* عمل ممثلي الأكثرية على ترسيخ وحيازة مفهوم الشرعية السياسية لدى ممثلي الأقلية وعموم الشعب من خلال الاشتراك معا على سن قانون عصري للأحزاب , وقانون ديمقراطي للانتخابات لا يعتاش على سرقة أصوات الناخبين وضمن الدستور , سيما وأن نتائج الانتخابات تفرز معسكرين أحدهما رابح والآخر خاسر , واكتساب الشرعية السياسية سيوجب على الخاسر ومؤازريه واجب السماح للانتقال السلمي للسلطة للطرف الرابح بروح رياضية .
* مثل هذا التوصيف بوجود أكثرية تشكل حكومة غير بغيضة سيقود حتما إلى تشكيل الأقلية لـ"معارضة وفية " تدعم ما هو إيجابي وتنتقد ما هو سلبي وتطرح بدائلها .
مما ينعكس إيجاباً على الرضا والقبول على عموم الجمهور الذي يترسخ في لاوعيه انه إنما يحكم نفسه ، وبالتالي يتمكن النظام السياسي من إيصال المجتمع إلى حالة من التجانس بالهوية الوطنية وهو يجمع الهويات الفرعية .
* من شأن ما تقدم أعلاه سيمنح الجمهور حق صناعة وتغيير أغلبيته السياسة وبسهولة من خلال صندوق الانتخاب , والأهم هو وجوب ضمان حق الأقلية السياسية من الأحزاب خارج الحكومة في مسعاها لتكون أكثرية ، بضمان الحق المتكافئ في التنافس الانتخابي وسواه من الحقوق الأخرى , وبعكسه سيتم تأبيد الحالة بأن تظل الأغلبية أغلبية والأقلية أقلية مما يفضي إلى ديكتاتورية حتى لو تأطرت بإجراءات شكلية , علماً أن من مصلحة الأكثرية ضبط هذا التوازن لأنه سيسمح لها بالعودة لأن تكون أكثرية عندما يتم إزاحتها انتخابيا .

بإسقاط هذه الاشتراطات مابين الأكثرية والأقلية ببعديهما السياسي وتلازمهما مع الديمقراطية في العراق هل نتوافر على حد أدني لإمكانية أقامة مثل هذه الحكومة ؟

وهل وصلنا الى حال مطمئنة من التوازن لحفظ حقوق الأقلية ؟
وهل هناك حدودا تمنع التداخل مابين السلطات الثلاث ؟
وهل توافر للجمهور قناعات تدفعه للتصويت على البرنامح ؟
وهل تولد اطمئنان وقناعة بالشرعية السياسية ؟
فأية قيمة ستبقى للأغلبية إذ هي ألغت الأقلية ؟

الأكثرية والأقلية جناحان لهذا الطائر الجميل ... الديمقراطية ... إذ لا يستطيع التحليق بأحدهما ...
متى سنقتنع بذلك ؟ .
 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات