| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 19/12/ 2011

     

يا صاحب أشرف العمائم

علي بداي

حين كنت صغيراً ، كان العرف الإجتماعي يحثني لتقبيل أيادي أصحاب العمائم الهائلة، والأسنان الذهبية الذين كانوا يداهمون بيتنا بين فترة وأخرى وكنت أرفض. كان الكبار يقولون لي : هذا سيّد ! وكنت أرد ببراءة الطفولة لماذا لا يكون أبي سيّداً ايضاً ؟ كبرت قليلاً فإزدادت قناعتي رسوخاً أن ليس كل من لبس العمامة يستحق الإحترام، بعضهم نعم، لكن ذلك الذي يريدك أن تحترمه لعمامته قبل أن تر أي فعل من أفعاله لا، ذلك الذي يريدك أن تحترمه لعمامته أولاً وقبل كل شئ ، وتميّزه عن الآخرين لعمامته قبل كل شئ، وتقبل يده لعمامته ثم يراد منك أن تطيعه لعمامته لا ..

كان أقاربي يبررون ذلك بأن الشيطان الذي يسكن فيّ قوي .. وأني لأشكر ذلك الشيطان الجبّار من كل قلبي أشكره على صموده وشجاعته وشموخه وجرأته ووقوفه طويلاً معي في محنتي وأنا أصارع جبروت الطغاة من ذوي العمائم وتسلطهم على رقاب وعقول وأموال الآخرين من غير ذوي العمائم والألقاب الدينية بإستخدامهم الإرهاب الديني . لقد كان شيطاناً خيّراً قويا وشريفاً أقوى من كل الشياطين الدنيئة الشرهة الطمّاعة المخبأة تحت الكثير من العمائم والتي تحمل في طياتها ثقل بحار من الدماء المسفوكة نتيجة فتاوى القتل . لم يكن شيطاني يخشى أحداً فرفض أن ينحني ،لكن هذا الشيطان يغادرني الآن حين أتوقف أزاء عمامتك يا صاحب أشرف العمائم  . عمامتك بالذات هي ما خالف المألوف الذي تعودناه ، المألوف الذي جعلنا إضحوكة للعالم حين هرعت إحدى العمائم  لتوجّه وزير التعليم العالي وتنبهه الى أن أخطر ما تواجهه الأمة هو ليس الفقر، ولا ذبح الناس كالنعاج بموجب فتاوى دينية، ولا بيع النساء أعراضهن بسبب الفاقة، ولا بحر الأمية الذي تغرق به الملايين، ولا إختفاء المليارات في جيوب الأحزاب الدينية، ولا عيش أحياء بكاملها على القمامة  ولا الرثاثة والعوز والتخلف التي تلطخ حاضرنا ومستقبلنا بل هو إختلاط الطلاب بالطالبات ، أي نعم لابد من فصل الخيار عن الطماطة والبيرة عن العرق والحديقة عن البيت والملعقة عن الصحن والمسطرة عن القلم ففي إختلاط أحدها مع الآخر الفاحشة التي ستؤدي بأمتنا الى التخلف عن اللحاق ببرنامج ناسا لغزو المريخ، عمامتك بالذات هي ما خالف المألوف الذي تعودناه حين إنشغلت عمامة ثانية بالبحث عن فتوى تحرم كرة القدم وعمامة ثالثة بفتوى تمنع الموسيقى في الهواتف النقّالة، عمامتك بالذات هي ما خالف المألوف الذي تعودناه ،حين كانت العمائم الأخريات تحث المساكين على ضرب القامة والزنجيل وتوجه الناس للركض الى الوراء در! في دروب التأريخ المغبرة للإمساك بياقة من وشى بمسلم بن عقيل قبل أكثر من 14 قرناً من الزمان!

عمامتك فصّلت لتغطي رأساً شريفاً فتحتها لايختبئ أحد. ذلك واضح من أول كلمة تنطق بها فتحت عمامتك رأس ينشغل بما لا تنشغل به رؤوس أصحاب العمائم الآخرى فأنت تتحدث عن مخازيهم بالأسماء، والوقائع، وتكشف المستور الذي يخفى على الملايين العائشة في مناطقها الرمادية الكالحة بعيداً عن المنطقة الخضراء. أنت تكشف لنا، حين تقف أمام الصحافة والتلفزيون كيف سُرق إسم الله ، وكيف إنتُهكت سيرة أهل البيت ،كيف حولت الأحزاب الطائفية شهادة الحسين الى مصدر لتراكم ثرواتها . أنت تومئ لنا لنتتبع سيرة زحف إنتهازيين تسلقوا الحبال مثل القرود لينتقلوا من ضفة البعث الى ضفة أحزاب الطوائف متحدثين بأسمائها.

أرغب أن أتابعك وأنت تتحدث عن ملايين الدولارات التي تختفي في جيوب شيوخ المنابر والحوزات" العلمية" ، والخطب التاريخية  التي تزوّر، والقيم الإنسانية التي يتم التجاوز عليها بإسم الدين، والعقل الذي يُهان يومياً بإسم الدين، ثم بدأت أنت تُسائل الآخرين وتحشرهم في زواياهم الضيقة كاشفاً حقيقة لصوصيتهم ويزداد تساؤلي الى أي حد سيصل صاحب أشرف العمائم ؟ من المنتصر في صراعه مع مافيات الدين؟ أية مرجعية من تلك المرجعيات الناطقة والصامتة والنا....ستتبناه؟  وأيها ستقف ضده وتكفره؟ أتراهم سيتركونك طليقاً  ؟ هل ستستعصي عليهم فيتقبلون صفعاتك المتلاحقة بلا رد؟ هل سيغفرون لك حين تعريهم من آخر ما يسترهم؟ هل سيطلقون يدك لكي تصل الى أن تهيل التراب على أجسادهم بعد أن إنتزعت منهم شرعية ملك الخُمس؟ وما الذي يتبقى لتلك العمائم إن فقدت ريع الخُمس والنذور؟ لو صح هذا يا صاحب أشرف العمائم ، يتوجب عليّ عندها أن أقر أن عمامتك ليست هي المختلفة بل إن الله الذي تؤمن به يختلف عن آلهتهم ، نعم ما تؤمن به هو إلله الذي عرفناه من أمهاتنا، الله الساكن في ضمائرنا رمزاً للعدل المطلق والجمال المطلق وليس الله المتستر على النهب والنصب والإحتيال والتزوير وتهريب الأموال.  

لا تتركوا صاحب أشرف العمائم وحيداً في غابة الوحوش..  .. لقد أدار الجميع ظهورهم لهادي المهدي، فلم يصل صوته لا للسيستاني ولا للصدر اللذين توجه اليهما لإنصافه فكان أن إستسهل أصحاب الكواتم صيده .. وها هو صاحب أشرف العمائم يستفز أصحاب الكواتم .

 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات