| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 19/5/ 2009



التجربة الديموقراطية الكويتية

د. علي محمد فخرو
dramfakhro@gmail.com

مسيرة الديموقراطية في الكويت لم تكتمل بعد، ولكنها من المؤكد من أفضل المحاولات في الوطن العربي. والمستوى الذي وصلت إليه والجدية التي تتعامل بها الكويت مع هذا الموضوع ظهر منذ شهرين. فعندما تأزمت الأمور السياسية بين مجلس النواب السابق والحكومة أبقى سمو أمير الكويت نفسه ضمن صلاحياته الدستورية، فحل البرلمان بطريقة دستورية وحدد موعداً للانتخابات ضمن المدة التي يسمح بها الدستور، مدة الشهرين وبذلك ضرب أمير الكويت المثل للكثيرين من الرؤساء العرب الذين تعاملوا مع دساتير بلادهم بخفة وبطيش وبقلة اعتبار لقدسية الأمور الدستورية.

على ضوء ما تقدم يجدر إبراز النقاط المضيئة في تلك المسيرة وإظهارالنواقص من جهة أخرى، إذ أن هذه المسيرة الهامة تحتاج إلى الدراسة لتصبح عوناً للمسيرة الديموقراطية في الوطن العربي الكبير.

أما الجوانب المضيئة فتتمثل في ما يلي :

1. لقد ظهرت بوادر الانحياز للنظام الديموقراطي من قبل شعب الكويت في الثلاثينيات من القرن الماضي. وقد انتخب أول مجلس نيابي عام 1938 في ظل الإحتلال الانجليزي ولكنه لم يعمر أكثر من بضعة شهور. وما إن حصلت الكويت على استقلالها حتى وضع دستورها، الذي صاغه المرحوم عبدالرزاق السنهوري عام 1961، من قبل مجلس تأسيسي. ومن أجل التاريخ فان أمير الكويت آنذاك، المرحوم الشيخ عبدالله السالم، يمكن اعتباره من الآباء المؤسسين لديمقراطية الكويت. وكمثال على حماسه الشديد للتجربة فانه أوصى عند مماته بأن لا يعدل الدستور إلا إذا كان ذلك التعديل تحسيناً مؤكداً وليس تراجعاً منقصاً. ومنذ ذلك الوقت فانه يحسب لشعب الكويت أنه عض بالنواجذ على دستوره ومكاسبه، ولم يسمح قط لأحد بأن يعتدي على أي منهما. وفيما عدا عام 1976 عندما غاب المجلس لمدة خمس سنوات وعام 1986 عندما غاب لمدة ست سنوات فان المسيرة النيابية قد بقيت راسخة في مجتمع الكويت. إن هذا يمثل درساً لكل الشعوب العربية: ان لا تفرط قط في مكتسباتها الديموقراطية.

2. ان الديموقراطية في الكويت أصبحت سيرورة تتحرك إلى الأمام. كأمثله على ذلك التطوير إدماج المرأة الكويتية الكلي والمتساوي مع الرجل في العملية الديموقراطية، وفصل ولاية العهد عن رئاسة الوزارة لمنع الإصطدام المباشر بين المجلس ورأس الحكم، وتقليص الدوائر الانتخابية من خمس وعشرين إلى خمس دوائر وذلك من أجل التقليل من أثر الولاءات الفرعية القبلية والعشائرية والمذهبية على نتائج الانتخابات.

لكن الديموقراطية الكويتية تحمل في طياتها مشاكل ونواقص أساسية ستحتاج لمواجهتها في المستقبل.

1. إن الدستور لا يشير إلى سيادة الشعب المطلقة وإنما يجعل السلطة تشاركاً بين الشعب وبين الحاكم. وقد انعكس ذلك على تمثيل كبير للشعب في السلطة التشريعية وتمثيل محدود للشعب في السلطة التنفيذية. فالوزارة يرأسها دائماً فرد من العائلة الحاكمة، والحقائب الوزارية السيادية من مثل الأمن والخارجية لا تسند إلا لأشخاص من العائلة، ولا يشترط في تأليف الحكومة نيل الثقة في البرلمان، كما لا يمكن طرح الثقة في الحكومة ككل وإنما في الوزراء كأفراد، وحتى الآن يمكن استجواب رئيس الوزراء ولكن لا يمكن طرح الثقة فيه. وعليه فان سيادة الشعب على السلطة التنفيذية من خلال المجلس التشريعي هي سيادة منقوصة.

2. إن هذا الاختلاط بين سيادة الشعب وسيادة الحاكم، وبالتالي سلطة الشعب وسلطة الحاكم، قد أوجد تجاذباً واحتكاكاً دائماً بين المجلس والحكومة وبين المجلس والعائلة الحاكمة. وهو يفسر أغلب حالات حل المجالس النيابية في الكويت. ولذلك سيحتاج في المستقبل إلى وجود آليات ديموقراطية توافقية للتقليل من آثاره على المسيرة الديموقراطية.

3. إن أبرز نقص في الحياة السياسية الكويتية هو عدم وجود الأحزاب السياسية كمسمى وكقانون ضابط وكتجارب متراكمة. هناك جمعيات سياسية تمثل مختلف الايديدلوجيات ومختلف شرائح المجتمع، وهي مقبولة كواقع وكعرف. ولكن عدم وجود اعتراف رسمي بها ووجود قانون يضبط نشاطاتها ومكوناتها وبالتالي عدم وجود آلية وساحة لمحاسبتها من قبل الشعب ومؤسساته...عدم وجود كل ذلك يعرضها لأن تكون قبلية أو عشائرية أو مذهبية، وبالتالي لا تكون وطنية فوق الولاءات الفرعية ولا تكون طارحة لبرامج سياسية واضحة وملزمة وتحاسب عليها.

ليس المهم مناقشة نتائج الانتخابات التي جرت مؤخراً ولا تحليل التمثيل السياسي في البرلمان الجديد، إذا أن صور البرلمانات تتغير وتستبدل بين الحين والآخر. ما يهمنا هو أن يسجل للكويت أنها تمثل ظاهرة سياسية تستحق الإعجاب والإقتفاء. وهي تؤكد أن أي شعب عربي، عندما تتوفر له الظروف التاريخية، وعندما يحزم أمره، وعندما لا يسمح لأي طاغية بأن يحرفه عن طريق أهدافه الكبرى، يستطيع أن يبني نظام حكم معقول قادر على التطور والتحسن والنماء عبر الزمن. والتجربة الكويتية تؤكد أيضاً بان لعنة الاستبداد والاستئثار بالحكم من قبل أية أقلية كانت وتحت أي مسمى في الأرض العربية هي إلى زوال طال الزمن أو قصر.



 

free web counter

 

أرشيف المقالات