| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 19/1/ 2009

 

غزّة والعقلية العربية المتجذّرة

د. هاشم عبود الموسوي

تختــزن العقلية العربية جُملةً من العادات والتقاليد الشعبية المتوارثة، ونسبة عالية منها تنتسب إلى فترة حروب القبائل العربية قبل الإسلام، تلك التقاليد تجذّرت لدينا من فترات حرب البسوس وهبنّقه، توارثناها وحافظنا عليها، وعضضنا عليها بالنواجذ..
عاداتٌ وتقاليد حسب الأحداث والأحوال، وصار لنا لكل مقامٍ مقال، ولكنّ هذه المقالات، وإن اختلفت تراكيبها تعود إلى مرجعية فكرية، وثقافية واحدة، وهي العقلية العربية المتجذّرة، والتي يُسمّيها البعض "الأصيلة".

عندمـــا قذف الصحفي العراقي "منتظر الزيدي" بحذائه الرئيس الأمريكي بوش في مؤتمر صحفي ببغداد، تحوّل الحدث من تعبير بسيط عن حالة غضب من الظاهرة البوشية السيئة جداً، إلى نصرٍ عربي مُبين، وأصبحَ الزيدي لدى العرب الصحفي الوطني، رمزاً من رموز الفحولة والبطولة العربيتين، لكونه ثأر بنعله لكرامة العرب من بوش، هذه الكرامة المسفوكة لم تكن تنتظر غير حذاء ينتصر لها..

نعلُ الزيدي هيّج العادات العربية الأصيلة الكامنة في الأقلام المُنحدرة من سُلالة (ألا هُبّي بصحنكِ فأصبحينا) لتُمطرنا بوابل من المقالات التي تترنّم بالمدائح (الحذائية) التي تشكر الحذاء (العربي) الذي أذاقهم أخيراً نشوة النصر المُبين..
وكلما جاء ذكر الزيدي ونعله تخطر ببالي حكاية الحارث بن عباد مع المهلهل ونعل كُليب، ولا أدري حتى الساعة سرّ هذه العلاقة بين النعل والانتقام وشفاء الغليل حسب الطريقة العربية الأصيلة.

في هذا الوقت تُحرِق طائرات ونيران الجيش الصهيوني غزّة بلا هوادة، وتقتل النساء والأطفال والمدنيين بلا رحمة، ويتسابق الحكام العرب في الظهور ليّلقوا اللوم على الحكام العرب!! ويتفنّنوا في صياغة ألوان الشتائم وإلصاق النعوت بالعجز والهوان للقمة العربية، وكأنَّ من يجتمع ويُقرّر في القمة العربية هم فريق كرة قدم عربي وليس الحُكّام العرب أنفسهم!!

في هذه الحالة لا يُمكن الاعتماد على النعال، فضلاً عن الاستعانة بها، فالنعال في هذه المرحلة لا تتناسب والعادات العربية الأصيلة، لكنّ ثمّة تقاليد عربية أخرى تنسجم والمقام، فأغلب وسائل الإعلام العربية (الأصيلة) غمرتنا بسيول من ألوان اللطم والنواح العربي (الأصيل) التي تتهدد العدو، وتتساءل عن الملايين العربية أين هي؟!! ونَعِدُ غزّة بأنّنا قادمون على ظهور الإبل العربية الأصيلة لدكّ حصون البغي والعدوان والصهيونية...!

ونحن المثقّفون ملأنا الصُحف، والمجلات، والمواقع على الشبكة الإلكترونية بأكثر من ألف قصيدة ومقال عن غزّة، وعن تظلّمنا من الفاشية الجديدة، وما تفعله في عقر دارنا، تطاوسنا كثيراً، وأخرجنا كلّ ما نمتلك من بلاغة لغوية، وكأننا على دكّات سوق عُكاظ.. فمتى نجد الوسائل الناجحة في عرض قضيتنا، ونتخلّص من عنترة وأبي زيد الهلالي الرابضين في عقولنا؟


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات