| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الخميس  18 / 9 / 2014

 

افتتاحية المدى

مفهوم السهر على الدستور وصيانته من الخرق والتجاوز..
صلاحيات رئيس الجمهورية بين المصادرة وسوء التقدير

فخري كريم 

دور الصدفة في تغيير مسارات الأمم والشعوب وحظوظ الأشخاص صعوداً ونزولاً الى أسفل سافلين، كبيرٌ الى الحد الذي أدى الى تغيير خرائط سياسية وجغرافية، والى تحول أممٍ بكاملها من دين الى آخر أو من مذهبٍ الى غيره. والصدفة مقولة علمية، رغم انها تبدو في التعامل مع ظاهراتها ونتائجها، بالنسبة للبعض، ضرباً من أفانين الحظ، أو إحدى خفايا ما وراء الطبيعة، أو أي مقولة غير الادعاء بأنها تدخل في باب العلم. وفي كتاب دور الصدفة في التاريخ ما يعزز هذا المفهوم.

ومن بين الصدف العراقية المعاصرة، أن رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، كان قبل نحو عشر سنوات بين أعضاء لجنة كتابة الدستور، ودون أدنى شك، لم يكن يدري يومذاك، بل وحتى قبل أن يؤدي القسم أمام البرلمان، أنه سيكون رئيساً لجمهورية العراق وقد يعاني من الثغرات الدستورية، أو الخلل العميق في التوازن بين الصلاحيات والسلطات، ودور الرئيس في إدارة شؤون الدولة، والدفاع عن الحريات والحقوق.

وقد ظل الرئيس الغائب الحاضر، جلال طالباني، يشعر بالمرارة من الغفلة في تدارك الخلل الذي شاب توزيع الصلاحيات، خصوصاً لجهة حرمان الرئيس من مهام سيادية، خلافاً لمجلس الوزراء الذي احتكر كامل الصلاحيات، مع ان الدستور نص على ان السلطة التنفيذية تتكون من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء. وهذا الخلل كما تأكد بشكل صارخ خلال الولايتين السابقتين، كانت له نتائج وخيمة على مصير البلاد.

لم يكن جلال طالباني، وهو ينتقد إهمال اللجنة في معالجة هذا الخلل الدستوري، ينطلق من مصلحة ذاتية، لأنه لم يكن في وارد الترشح للرئاسة يومها، كما أن إخفاق السيد فؤاد معصوم في تدارك نقاط ضعف الدستور، ولها أسبابها التي أفاض في شرحها في كل مرة تثار فيها هذه القضية والملامة التي تتسبب بها، لم يكن في واردها أنه سيكتوي بنيرانها يوماً، بعد أن يصبح رئيساً!

لكن الرئيس، المساهم في صياغة دستورٍ "حمّال أوجه"، يستطيع أكثر من غيره، وضع الامور في نصابها الصحيح، بحكم الاطلاع على المناقشات المستفيضة حول كل مادة، ومفردة، وفي صياغة كل مفهوم من مفاهيم الدستور، والحجج والبيّنات المقدمة، في حالتي الرفض والتأكيد.

إن المشاركة المباشرة في السلطة التنفيذية، لها ما يُسندها من مواد في الدستور. كذلك يكرس الدستور "الولاية المطلقة" لمجلس الوزراء، وليس لرئيس المجلس "التنفيذي" من حيث الصلاحيات، خلافاً لما جرى في عهدي السيد المالكي، دون أن يبادر القضاء أو البرلمان لصدّه عن هذا الغيّ الذي كلفنا ما اصبحنا والبلاد عليه من وضعٍ مزرٍ لا يحسدنا عليه أحد.

ورغم الخلل المذكور في توزيع الصلاحيات، وحرمان الرئيس من بعضها التنفيذي، فإن مجرد مسؤولية السهر على تطبيق الدستور وصيانته من العبث والتلاعب، والحيلولة دون التعامل الكيفي مع مواده، يمكنها أن تعالج بثباتٍ موصولٍ بالمصالح الوطنية العليا والحريات العامة والخاصة، وحماية ثروات البلاد من النهب والفساد الاداري والمالي، وأن تشكل ناقوساً ينذر، وفناراً لمن يريد رؤية ما يجري في أقبية الدولة المظلمة، ويحرك ما هو ساكن متعفنٌ في مجاريها.

وسيتنبّه من يوظف كل حواسه، في متابعة النشاط الرئاسي، في مقبل الايام، الكيفية التي يُفسر بها الرئيس مفهوم "السهر على صيانة الدستور" في كل جانبٍ من جوانبه، بعد أن أخفق في ذلك، وهو يقبل بإعادة تسويق من استهلكته السلطة طوال سنوات، وبات، عراقياً وعربياً وإقليمياً ودولياً، عنوان التغيير المطلوب في العراق!

وأخفق أيضاً حين وافق على إمرار التصويت على نوابه في "سلّة واحدة"، خلافاً لما ينص عليه الدستور. وقد يكون له ما يبرّر ذلك، لكن التبرير السياسي لا يستقيم مع نقض الدستور في جانبٍ من مواده ومبناه.

لقد جرى التأكيد بوضوحٍ صارخ، من أوساط التحالف الوطني، ومن سائر القوى والشخصيات المعنية بالعملية السياسية، "أن الترشيحات للمناصب السيادية، ينبغي أن ترتبط بقبولٍ وطني"، وهذا يتطلب من الرئيس الاحتكام، افتراضياً، لمثل هذا القبول ليس من قبل قادة الكتل فحسب، وانما بين سائر الناس ومكونات الرأي العام الشعبي. فكيف يمكن الجمع بين استهدافٍ وطني متمثلٍ بشخصٍ بعينه، كعنوانٍ للتغيير، وقبولٍ به في منصبٍ سيادي، حتى وإن جاء الترشيح من كتلته، وهي الأكبر!
اذاً، أين "قياس" الرئيس الدستوري والشعبي لمفهوم "القبول الوطني"؟

واذا اخذنا على قياس ترشيح الكتل، باعتباره مفهوماً دستورياً ملزماً، فكيف اذا كان المرشح معروفاً على أوسع نطاق كعابثٍ بالدستور، ومنتهكٍ لحرمات المواطنينٍ، وكمسؤولٍ عن إزهاق أرواحٍ، وهزائم كبدت العراق فوق ما يطيقه العراقيون، مشهوداً له، أو مشاركاً في جُرمٍ افلته "افتراضاً" قضاءٌ فاسد من العقاب؟ أيكون ذلك ملزماً بحكم الدستور..!؟

والقياس بالقياس، بينة لا بد من الأخذ بها في السياسة، حين تكون بيئة السياسة معافاة من أدران الفساد، ولماذا قامت الدنيا، في الدورة السابقة على وجود ثلاثة نوابٍ للرئيس، ولم تقعد الا بعد مبادرة الدكتور عادل عبد المهدي بالاستعفاء من منصبه. ولماذا اعتُبر من بين مثالب السياسة إمرار "سلة نواب الرئيس" في التصويت البرلماني، بنفس الحجة التي لم تكن مرضياً عنها من قبل السيد النائب البرلماني آنذاك فؤاد معصوم، وهي الخشية من عدم حصول احد نواب الرئيس الذي أصر عليه المالكي، على الأصوات الكافية؟

وكل مواطن حصيف، سيقول اذا سئل، أن السيد المالكي، لم يكن حينها، ليحصل على ما يؤهله ليكون قدراً علينا ثانية!

ثم لنفترض أن التصويت كان سيقود الى أزمة سياسية بسقوط مرشحٍ أو أكثر، أفليس هذا معياراً دستورياً، أيها السيد الرئيس ..!

إن الاستدراك المبكر، خصوصا لمن أنيط به السهر على الدستور، فضيلة، ونصيحة نصوح، تنبعث من أملٍ مُغيَّبٍ وتفاؤلٍ صار حذراً، وقلقٍ على تداعياتٍ ليست في الحسبان..

السيد الرئيس، عليك بالسهر على الدستور، وصيانته من العبث، والانتباه لما يحيط "الكرسي" من أشباحٍ تثير إغراءاتٍ، ونحسٍ، لطالما أقلقت راحة "إخوان الصفا" الذين افترض انك من مريديهم الخلصاء.
 

المدى
العدد (3176) 18/9/2014


 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات