| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 18/4/ 2010

 

أحداث الثورة الملونة
قرغيزيا نموذجاً

د. محمد أحمد برازي
Zurkurd007@yahoo.com 

بدأ بعض الاتجاهات في اتحاد الدول المستقلة بتشكيل معارضة مدعومة من بعض الدول الخارجية تحت أسماء مختلفة كالبرتقالية والبيضاء والزرقاء وغيرها. نجحت بعض تلك المعارضات في الصعود إلى سدة الحكم، ولكن ماذا قدمت تلك المعارضة للشعب منذ استلامها السلطة، والتي تكللت نجاحاتها بإراقة دماء المستغَلين من عامة الشعب؛ حيث استشهد هؤلاء في المظاهرات وفي المواجهات مع القوى الحاكمة حينها. نرى اليوم أن ذوي الشهداء يعانون من الفقر المدقع من دون أي تقدير لما حل بهم من أجل انتصار الثورة.

فالثورة البرتقالية في أوكرانيا والتي مضى عليها خمس سنوات، ماذا جنت منها جماهير الشعب الأوكراني سوى المزيد من الفقر والتشرد في العديد من الدول بحثا عن عمل لإعالة الأسر، أو لسد الرمق . ومما هو جدير بالملاحظة، قضاء الشعب شتائين قارصين، بسبب معاداة قيادة الثورة البرتقالية للكرملين، فالأخيرة قطعت عنها الغاز ولم تأتِ إلى نجدتها تلك الدول التي كانت تقف وراءها وتحرضها لمعارضة الكرملين. بالإضافة إلى زيادة ثروة قياديي الثورة أنفسهم على حساب بؤس الشعب المغرر به بالوعود المغرية في تأمين حياة ومستقبل أفضل.

خسر ثوار الثورة البرتقالية الانتخابات نتيجة فقد الشعب ثقته بهم، وفازت الثورة الزرقاء بالرغم من أنف البرتقاليين. لو نفذ البرتقاليون وعودهم المغرية للشعب لكان وضع الشعب في حالة مرضية ولكانت الثورة البرتقالية مستمرة في قيادة البلاد، لكن المستغِلين للناس بشعارات رنانة من أجل نهب الشعب نفسه، لن يكون بمقدورهم تضليله إلى ما لانهاية. هكذا نزل البرتقال من الحصان ليصعد مكانه ذوو الثورة (الخوخة) الزرقاء ، إذا كان هذا الأزرق كسابقه البرتقال ستكون صدمة نفسية كبيرة لجماهير الشعب. من الصعب بعد هذا أن تكون الجماهير متحمسة في إدلاء أصواتها لصالح من يردد ما ردده البرتقاليون والزرقاويون.
وأصحاب الثورة في جورجيا لم تكن خسارتهم أقل من سلفهم البرتقاليين. فالرئيس سكاشفيلي لا يملك أية فرصة في تمديد رئاسته، وحتى شهر واحد. هذا الأخير لم يزد الفقر فحسب، بل جر جورجيا إلى فقدان مناطق منها، وهذا أشد ما يمكن من خدمة سيئة يقدمها مسؤول في موقع الرئاسة لوطنه. جورجيا حاليا تعاني من الفقر ما يجعلها تصطف مع الدول الفقيرة من القارة الأفريقية، ينقطع التيار الكهربائي في عموم جورجيا بشكل يومي دون أن يكون بوسع الدولة حل هذه المشكلة. وفقدانها منطقتي آبخازيا وأوسيتيا ذاتي الحكم الذاتي لتعد أكبر خسارة تلحق بدولة دون أن تكون في حالة حرب مع دولة معادية. هذه الثورات التي تغرر بجماهير الشعب عن طريق رفع شعارات براقة، ومن ثم تنهب الشعب والدولة، بل تقلص مساحة الدولة كما في حالة جورجيا. لا مثيل لها سوى في بقايا الاتحاد السوفيتي السابق.

قرغيزيا والثورة البيضاء المعروفة باسم الخزامى (تولبان)!؟

قاد السيد كرمان بيك باكييف ثورة بيضاء ضد الرئيس السابق السيد عسكر آكاييف واعتبره من الفاسدين، ويرفع أسعار المواد بشكل يومي كما لا يعير الاهتمام بمستلزمات الرئاسة وينهب الشعب... فكان لا بد من التخلص منه لينعم الشعب والدولة في خير وفير. لم يهرب السيد آكاييف، بعد تنحيته من الحكم، إلى الغرب ليعيش في رغد بأموال الشعب المنهوبة من قبله، بل عاد الرجل إلى حياته الأولى وهو التدريس في الجامعات بموسكو؛ فهو أكاديمي ورجل علم؛ حيث يمارس مهنته هناك بكل أمان.

بعد تولي قائد الثورة البيضاء مقاليد السطلة انحدرت الحالة المعيشية لعامة الشعب نحو الأسوأ، بدأ الغلاء يظهر في كل شيء من كهرباء ومواد غذائية والنقل والإيجارات وغيرها، على إثر هذا الغلاء خرجت عدة مظاهرات مطالبة بتحسين معيشة المواطن، والكف عن نهب الشعب ورفع الأسعار. كان رد صاحب الثورة البيضاء الناصعة السيد كرمان بيك باكييف: "أنا لست آكاييف! حتى أتفرج على الشعب وهو يهاجم قصر الرئاسة، سأمطرهم بالرشاشات، ولن أترك فيهم حيا!". بالرغم من تهديدات قائد الثورة البيضاء استمرت المظاهرات، ولم يكتف المتظاهرون بالمرور في الشوارع معلنين عن رفضهم للواقع المزري بل تحولوا إلى جنود يستولون على مدن ومناطق من الدولة. كانت محافظة طالس هي أولى المدن التي حكمها المتظاهرون، بالأحرى المعارضون خارج السلطة المركزية. بداية أخذوا محافظ الحكومة كرهينة، ومن ثم استمرت سيطرتهم على المدينة بتمامها، وادعت الحكومة المركزية على لسان رئيس وزرائها السيد دانيار أوستينوف أنها سيطرت على المدينة وأعادت استتباب الأمن فيها إلا أن الواقع كان خلاف ذلك فكانت المدينة بيد المعارضين. مما زاد الطين بلة عندما ألقت الحكومة المركزية القبض على المعارض العائد من موسكو السيد تيمر سيروييف، وقبله ألقت القبض على ألماز آتمباييف وتيكوباييف وغيرهم، أدى هذا إلى المزيد من الغليان الجماهيري واشتداد نقمتها على ثوار الثورة البيضاء.

أعلن رئيس الحزب الروسي الليبرالي السيد فلادمير غولفويوفيج جيرونفسكي وهو نائب رئيس البرلمان الروسي في نفس الوقت أن كورمان بيك باكييف خدع الروس عندما قبض منهم مبلغا كبيرا من الدولارات واعدا بإلغاء العقد مع أميركا، كما وعد ببناء محطة كهربائية ضخمة مع قرض بثلاثمائة مليون دولار، ولم ينفذ من وعوده شيئا. علاوة على ما ورد أعلاه يضيف السيد جيرونفسكي أنه تسلم من الأميركان مبالغة ضخمة من أجل تمديد العقد الأميركي القرغيزي.

إغلاق الحدود ووعود بتحسين أوضاع الشعب

جرى صمت مطبق على السيد كورمان بيك باكييف بعد اجتياح المعارضة للبلاد طولا وعرضا، وبعد خمسة أيام من استيلاء المعارضة على البلاد نشر خبر عن هروب ابنه بطائرة خاصة مع أمواله إلى الولايات المتحدة الأميركية. وكذلك ارتفع صوت السيد باكييف وهو ينادي الأمم المتحدة بالتدخل من أجل إعادته إلى مركزه السابق، في حين جمع حوله أخوته وأقاربه وأبناء عشيرته على بعد عشر كيلومترات من مسقط رأسه. فهو الآن لدى شقيقه جانيش باكييف فالأخير رجل أعمال كبير.

تتضارب التصريحات لدى السيد كورمان بيك باكييف؛ حيث أعلن في البداية عن تنازله لرئاسة الجمهورية مقابل الحفاظ على حياته، وعدم المس بـ"أمواله"، كذلك عدم اتهامه بقتل المتظاهرين الذين قتلوا بأمر من وزير داخليته. وفي الثاني عشر من نيسان الجاري يعود ليتجاهل ما قاله في البداية، وكأنه حصل على تأكيدات من جهات بدعمه. أعلن على الملأ محذرا المعارضة عن مغبة المحاولة لقتله أو اعتقاله مؤكدا إن دماء كثيرة ستراق إذا تجاهلت المعارضة تحذيراته.

هنا يطرح سؤال نفسه: هل السيد باكييف يهدد المعارضة أم هذا التحذير بمثابة طلب ضمان للإبقاء على حياته؟
فتصريحه في البداية يتضمن مسؤوليته عن قتل المتظاهرين والآن يحاول عن طريق التحذيرات الحصول على عفو عما قام به من قتل للضحايا.


روزا آتانباييفا

أغلقت دول الجوار حدودها مع قرغيزيا في الثامن من نيسان، وكانت على الحدود الكازاخستانية القرغيزية مشيدة خيم عديدة، وفي تلك الليلة استطاعت المعارضة القرغيزية الاستيلاء على العديد من المناطق، وفي التاسع منه كانت معظم البلاد، ومن ضمنها مدينة جلال آباد مسقط راس الرئيس المخلوع، تحت السيطرة التامة للمعارضة. في اتصال هاتفي بين رئيس الوزراء الروسي السيد بوتين ورئيسة حكومة المعارضة المؤقتة السيدة روزا آتانباييفا أبدى الأول استعداده تقديم المساعدة للحكومة الجديدة، بينما أكدت الأخيرة عن حاجة البلاد إلى الأموال. نتيجة الأوضاع المضطربة في البلاد أرسلت روسيا ثلاثمائة مقاتل لحماية سفارتها في بشكيك. تم خفض أسعار الغاز أثناء أول لقاء رسمي لرئيسة الحكومة المؤقتة للبلاد. كما وعدت بتوجه الدولة نحو الديمقراطية، والعمل على رفع مستوى معيشة الشعب.

على كل الوعود شيء وتطبيقها شيء آخر، كثيرا ما وعد أمثال هؤلاء الثوار والمعارضون وعودا معسولة، وكانت النتيجة نهب الشعب وثراء فاحش لهم. مهما يكن، ستبدي لنا الأيام القادمة عن مدى التزام السيدة آتانباييفا بوعودها المعسولة.

السيد كورمان بيك باكييف يطلب تدخل الأمم المتحدة

التساؤل القائم هنا لماذا أمر السيد باكييف وزير داخليته بإطلاق النار على الشعب، بينما لاذ هو بالفرار من العاصمة دون بقية أعضاء حكومته وحاشيته؟ في بانوراما مخجلة ومؤسفة في آن معا، حيث عرض التلفاز وزير الداخلية عاري الصدر ووجه ينزف دما وهو يقول: "أنا العبد المأمور، لقد أمروني بإطلاق النار فنفذت الأوامر. والآن اعتذر عما نفذته من أمر جاء من أعلى مستوى في الدولة وأطلب الإبقاء على حياتي". فينقسم الشعب بين متسائل عما يستحق القتل أم لا وبين اعتبار كل الحكومة مسؤولة عما جرى للشعب من قتل.

يطلب الرئيس المخلوع تدخل الأمم المتحدة لإعادة حكمه البائد، ويعتبر الحكومة الحالية غير شرعية. هذه الدعوة التي أطلقها السيد باكييف لا تأتي عبثا، حيث لا زالت الأمور في بداياتها. ربما تتطور الأوضاع إلى نزيف داخلي سيذهب ضحيتها العديد من الأبرياء. وهذا أسوأ ما يتوقع بالنسبة لقرغيزيا في الأيام القادمة.

روسيا والثورة الزرقاء في قرغيزيا

بعد الأحداث الدامية التي راح ضحيتها ما يزيد عن ثمانين شخصا بالإضافة إلى أكثر من ألف جريح في المشافي. منذ سيطرة المعارضة على السلطة بدأت الحياة الاعتيادية تدب رويدا في البلاد؛ حيث افتتحت المدارس أبوابها وعاد الموظفون والعمال إلى عملهم. والجدير بالذكر هنا أثناء عملية السيطرة على البلاد من قبل المعارضة جرى نهب وسلب من قبل المعارضين؛ حيث نهبت المتاجر الكبيرة والسوبر ماركيتات والمؤسسات الحكومية وحتى قصر الرئيس المخلوع نفسه وغيرها، هذا ما ذكرني بأيام دخول قوات التحالف في العراق وهروب فارس الحفرة صدام التكريتي.

أعلنت الحكومة المؤقتة الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام على الضحايا. كما أعلنت الرئيسة المؤقتة السيدة آتانباييفا عن تغير الدستور، للعلم هذه المرة السابعة يتغير الدستور في البلاد. كما سيعلن عن تشكيل الوزارة الجديدة في غضون الأسابيع القادمة. على ما يبدو أن المعارضة سوف لا تلغي العقد المبرم مع الولايات المتحدة، هذا ما أعلنته السيدة آتانباييفا، جنبا إلى جانب أعلنت عن مدى حاجتها لروسيا والحفاظ على الصداقة مع روسيا ذو أهمية بالغة؛ قالت بأننا دون روسيا لا نستطيع أن نعمل شيئا، هذا ما يدل على ترجيح كفة روسيا. أثناء التظاهرة كانت هناك شعارات ترفع مشيدة بروسيا واعتبارها صديقة للشعب القرغيزي.

ماذا يتوقع الشعب القرغيزي من الحكومة الجديدة.

بلا شك أن تلك التظاهرات كانت لأجل تحسين معيشة الفرد القرغيزي، ولكن عندما تظاهر الشعب من أجل اعتلاء السيد كورمان يبك إلى سدة الحكم، وعد المتظاهرين بالعيش الرغيد، وكانت النتيجة هي تشرد وجوع وفقر مميت. بالمقابل امتلأت جيوب كورمان وحاشيته بأموال الشعب المنهوبة. وهذه المرة أيضا تظاهر الشعب وأراق دمه من أجل لقمة العيش، هل هذه المرة سيستحق أن ينال ما يسد رمقه؟ هذا سؤال جوابه يكمن في المستقبل. يقول المواطنون القرغيزيون حين كان آكاييف وتظاهرنا ضد عسكره ليحل محله كورمان كنا نأمل أن يحسن وضعنا المعيشي كما وعد، غير أنه لم نحصل سوى على المزيد من الفقر والجوع والتشرد، وفي هذه المرة تظاهرنا وذهب منا العديد من الضحايا، لكننا لسنا متأكدين أن لا يسلك هذا الخلف نهج ذاك السلف. بشكل عام يسود التشاؤم لدى الشعب القرغيزي؛ حيث لا يثق الشعب بوعود مترأسي المعارضة. منهم من يقول نحن ضحية، وكل من يأتي إلى دفة الحكم ينهب الدولة والشعب معا.

حدث في هذا العام أن قامت ثورتان باللون الأزرق: إحداها في أوكرانيا والأخرى في قرغيزيا، كلتا الثورتين صديقتين لروسيا. هاتين الثورتين مؤشر لاستتباب الهدوء على حدود روسيا شرقا وغربا؛ حيث كان الأميركان قد مدوا جسورا إلى تلك المناطق، فكانت موضع شك لروسيا، والآن أصبحت تلك الدولتان من أصدقاء روسيا، على الأقل لتستقر الحالة المعيشية للمواطنين، وأن يحد من شدة الفقر.

هذا الاستقرار المعيشي لن يكون مدلول خير لسكاشفيلي رئيس جورجيا وصاحب الثورة البرتقالية فيها. فشعبه يعاني هو الآخر من وطأة الجوع واستحكام الفقر وتفشي البطالة. على ما أتوقع أن ثورة زرقاء أخرى قد تهب رياحها هناك لتقتلع الثورة البرتقالية.

للأسف حالة الشعب الكردي مختلفة تماما. فوراء قرغيزيا وأوكرانيا وجورجيا تقف روسيا، في حين من يقف وراء الشعب الكردي الذي يتدحرج بين دول أربع كالكرة، لا معين ولا سند له. فموسكو التي تقف وراء محتلي كردستان أيضا، وحتى تركيا التي لها عداء تقليدي معها، لا تجد روسيا حرجا في مغازلتها. هذا الوضع المستحكم بالكرد منذ الحرب العالمية الأولى إلى يومنا هذا يدعونا إلى أخذ الحيطة والحذر الشديدين في مسيرة نضالنا، فالمصالح الدولية المرتبطة بإيران الملالي وسوريا البعث والعراق بشقيه الشيعي والسني وتركيا الكمالية، لا ينبئ عن مستقبل مشرق لنا. إن لم نكن متجاوبين مع العصر ومستلزماته، ربما ستلحق بنا كارثة لا تحمد عقباها.

 

كازاخستان ألماتا
 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات