| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                    الجمعة 18/3/ 2011

 

عيد الأم ... عيد الوطن

فرات هادي صالح

تحية وفاء الى أمي وكل الأمهات العراقيات
في مثل هذا اليوم الربيعي البهيج في منظره الزكي في عطره الخالد في مناسباته المميز في قدسيته الفريد في نكهته الذي استمد يهجته ونظارته من وجوه الأمهات الباسمة وتعطر بحناء عطرهن الطبيعي وأكتسب قدسيته من الرسالة التي تحملها الأمهات التي لا تقل في دورها عن رسالة الأنبياء رسالة لا يتسع لها غير صدر الأمومة الممتلئ والفائض دائما بالحب والحنان ووصاياها الدافئة التي تخترق من يتلقاها من الأجيال كعطر ألهي غير قابل للتكرار رسالة صادقة تعتمد الأسلوب التربوي الهادف الى زرع القيم والأخلاق الفاضلة ونبذ كل ما يشوه عقول الناشئة من أنانية وحقد وكراهية وتنويرهم بأفكار الحرية وحب الأنسانية ورفض التسلط والأستغلال بكل أشكاله والثورة عليه. هذه الرسالة جعلت الأم في كل بقاع الدنيا في مواجهة دائمة وصراع مستمر مع القدر التي وحدها تعرف مقدار ظلمه وعناده عندما يلاحق أحد وتصر على مواجهته وأنتزاع الحياة والسعادة من بين أنيابه وتصارع الموت من أجل زرع بذرة الحياة الني أمتدت وأنتشرت وصارت الخليقة التي تعلمت من الأم كيف تنطق وكيف تحبو وكيف تمشي وتتسلق سلم الحضارة والأرتقاء .فأية مدرسة ترتقي الى دور ومكانة الأم في صنع المجتمع أنها أكبر من مدرسة أنها الحياة بكل معانيها وعواطفها ومشاعرها أنها كتلة من الأحاسبيس تمتلكنا وتثير فينا شحنات نتفاعل من خلالها مع بعضنا .تطمح الأم دائما أن تكون بأتجاه الخير لأن الخير من الصفات الفطرية الملازمة للأم وكم حاول الطغاة والجبابرة وأنظمة الحكم الأستبدادي أنتزاع هذه الصفة منها وتفريغها من الصفات الأخرى لنكون طاردة لأبنائها فشلوا ! وفشلوا في كسر أرادتها وظلت كجبل شامخ ونخلة باسقة لا تنحني للريح ولم تأبه للقدر الذي كان يترصدها وكانت تريد لأبنائها وبناتها أن يشعروا بالزهو والكبرياء وأن يبدوا امامها على قدر كبير من الهيبة والأحترام لا هموم لهم سوى هموم الوطن وأهله .وحرصت أن تكد وتتعب وتتحمل ضنق الحياة من أجل أن تقاسمهم الكبرياء رغيفا من الخبز .وحب الأم وحب الوطن لا يختلفان كلاهما يعيشان بالتبادل المتساوى بالأخذ والعطاء .فالأم الطيبة التي تحتضن أبنائها وتتعامل معهم على أساس المساواة دون تفرقة بالجنس أو التأثر بالموروث من العادات والتقاليد الذكورية التي بدأت مع عبودية المجتمع تكون تاجا فوق رؤوس أبنائها ويشرفهم الأنتساب أليها وأحاطتها بكل معاني الأحترام والتقدير مثل الوطن الذي يستحق أن نسميه وطنا أذا أحترم حرية وأنسانية أبناؤه وصان كرامتهم وأحترم معتقداتهم وأعترف بحقوقهم حيثما يجدون وأشعارهم بدفئ أنسانيته وأبعد عنهم وحش الخوف يعتز به ابناءه ويحافظون عليه كمقلة عيونهم ويحملونه بين ثنايا قلوبهم .في يوم خالد كهذا اليوم الذي يتسايق فيه ألأبناء لتقديم الهدايا لأمهاتهم عرفانا بدورهن في تحمل المشاق وتحدي الصعاب والوقوف بوجه المستحيل وقهره من أجل اعدادهم والسهر على راحتهم وتسليحهم بتجاربهن والعمل عى تطويرها وما يتناسب والتقدم الذي تقتضيه ضرورات الحياة ومسيرتها المتغيرة بشكل دائم ليكونوا أعضاء نافعين لأنفسهم ومجتمعهم وأداة للتغيير نحو مستقبل أفضل وبناء وطن يفرح بكل تجديد ويقدرالأبداع ..يقتضي الواجب أن نستذكر أمهاتنا اللاتي غيبهن الأجل المحتوم أو الموت العبثي في أقبية وسجون النظام الدكتاتوري المقبور أو ضحية للأنفلات الأمني المرتبط بعدم الأستقرار السياسي وما سببه من عمليات أرهابية التي راح ضحيتها الألاف من الأمهات وأعداد من الأرامل والمعوقات فاق عددهن في أي دولة من دول العالم ونتعهد لهن برد ولو جزء قليل من وفائهن والسير على خطاهن والألتزام بتنفيذ وصاياهن ورعاية الأرامل والمعوقات لانهن النافذة التي من خلالها نطل على صدق الحياة وماتحمله من معاني أنسانية ولأنهن الوطن الذي نسكن أليه والماء الذي نرتوي به والحلم الذي نغفوا عليه والأمل الذي ينتزع من خاصرة اليأس ويجعل الدنيا تبتسم لنا بأشراقة الشمس.وفي هذا اليوم المخصص للفرح تسكنني الفجيعة بذكرى رحيل والدتي ست الحبايب بعيدة عني في صقيع الغربة بعد أن أجبرتها ظروف القهر الى مغادرة دفئ الوطن بعد أن حولوه الطغاة الى جهنم تحرق سعيرها أبناؤه والى زنزانة رعب بقدر مساحته تنتزع فيها كرامة الأنسان وتصادر حريته وغادرت كغيرها من الأمهات العراقيات الطيبات تبحث عن أمومتها التي توزعت في منافي الدنيا على أحبتها بناتها وأبناءها الذين أنتشروا في أكثر من بلد غادرت وفي حلقها غصة لازمتها طيلة سنوات الغربة وفي داخلها شئ ينزف دون توقف أستهلك صحتها . وعاطفة الشوق جعلتها لا تشتهي أخر غير العراق الذي حفر أسمه في ذاكرتها وأحتل سويداء قلبها ينبض في دم عروقها يأكل ويشرب معها وتشعر بلهفة الحنين اليه كلهفة طفل الى صدر أمه بعد فطام كانت تحتضن وتقبل بشوق كل قادم منه وتشم رسائله وتميز رائحته المعجون بطيبة أهله وعرق كادحيه وأفكار خالديه من الوطنيين الشرفاء الذين أعتلوا أعواد المشانق وأسترخصوا دمائهم الزكية من أجل أن يكون الوطن حرا وشعبه سعيد وتتجذر عميقا شجرة للحرية ويصبح الشعب سيد مصيره الذين أعطوا لأشباه السياسيين وأنصاف الأميين درسا في الوطنية والتضحية والفداء والنزاهة ونظافة الأيادي ومفهوم الأخلاق أصحاب الضمائر الحية أبناء الأمهات الشريفات الطاهرات اللاتي أعلن التبرء من أبنائهن أذا تبرؤا عن مبادئهم وباعوا وطنهم الذين لم يستغلوا الفوضى السياسية التي ولدتها المحاصصة ويدنسوا شرفهم بالحصول على المكاسب وتجاهل معاناة الشعب الذي أنهكه الفقر ونخر عظامه الجوع والحرمان من أبسط الخدمات وهو يعيش فوق أغنى بقعة في العالم . هذه المكاسب اللاشرعية التي يرفضها ويحاسب عليها القانون ولا يقرها الدين الذي في جوهره دعوة أنسانية لنحرير الفقراء والمحرومين من ظلم وأستغلال أصحاب النفوذ من زعماء القبائل وكبار التجار الذين عادوا من جديد الى العراق يتبرقعون بعباءة الدين لأخفاء خوائهم الداخلي مستغلين ضعف الوعي عند الغالبية من الناس الموروث من النظام الدكتاتوري المنهار وتأثير فتاواهم الشيطانية وغلق منافذ الثقافة الأنسانية المتنورة وتقييد الحريات الشخصية وتفريغ الناس من عقولهم وأشاعة الأفكار المتخلفة الظلامية التي تحرف الناس عن مطاليبهم العادلة والرضوخ الى أرادة القدر أو ما يسمى بالقسمة والنصيب وعدم الأعتراض لما مقسوم للفرد في الدنيا والتعوض على ما فاته في الأخرة !! فالذي لايجد في بيته لقمة الخبز يتقوت بها وعياله ولا تتوفر الكهرباء في عز الصيف وغيرها من ضرورات الحياة اليومية عليه أن لا يعترض لأنه ليس تقصير حكومي بل قسمته في الحياة !! وسينتظره بيت في الأخرة تتوفر فيه أشهى وأطيب الأطعمة ومصابيح مضائة الليل مع النهار!!هذه المكاسب التي مصدرها مال السحت الحرام خلقت طبقة أرستقراطية طفيلية تتمتع بالثروات والأمتيازات الخيالية مقابل أغلبية مقهورة تعيش تحت خط الفقر ولدت صراعا سوف تشتد حدته أذا لم لم تقم الدولة بأصلاحات حقيقية وتتخلى عن الوعود الكاذبة كلما تعمقت الفوارق الطبقية وبدت بوادره تظهر على السطح من خلال الاحتجاجات والاعتصامات والمظاهرات وستفشل عندها أية قوة في كبح جماحها . ومن أهم الأصلاحات التي تضع الحلول الناجعة للفوضى السياسية وما ينجم عنها من مشاكل هو تطبيق ديمقراطية عقلانية واقعية والى نظام عادل يعطي الدين حقه في ممارسة شعائره وعباداته ويعطي الدولة حقها في أدارة مختلف شؤون البلد دون ألحاق الضرر لا بالدين ولا بالحريات الشخصية التي تقرها أحكام الدستور وهذا ما شخصته وأكدته القوى الديمقراطية ..أفكار الحرية والمساواة والمواطنة الصالحة كان للأمهات الطيبات شرف المساهمة في عرسها في نفوس الأبناء ومن ثم ساهمت الأحداث التي مرت بالعراق ودور التنظيمات التقدمية في بلورتها والتي وجدت لها صدى عند الفئات المحرومة والكادحة التي بها جابهت أنظمة الدكتاتورية وستجابه أنظمة الفساد وسراق قوت الشعب والتاريخ لا يعود الى الوراء سيكنس الى مزبلته كل من لا يعتبر من دروسه ويوغل بألانحياز الى مملكة التملك والجشع والاستبداد التي يشيدها على بؤس الفقراء.لقد ترجمت أمي ومعها كل الأمهات العراقيات المغتربات معاني الحب الصادق للوطن برغبتها الملحة في العودة الى أحضانه وكانت أمنيتها الوحيدة أذا لم يتحقق لها حلم العودة هو أن تدفن في أرضه وتتعفر بترابه التي ترى فيه قدسية فريدة تميزه عن أي تراب في العالم .أطمئني أمي لقد نفذنا وصيتك وحفننا أمنيتك وحملناك على رؤوسنا عبر موكب مهيب يليق ومكانتك والاثر الطيب الذي تركتيه في نفوس محبيك وزار جسدك الطاهر البيت الذي كان يملئنا بدفئه الأنساني ويؤرخ لقصص بعضها مؤلمة والبعض الأخر مدهشة أثارت قلق أزلام الأنظمة الرجعية والدكتاتورية وتعلمنا منه أن نكون شجعان ونموت مرة واحدة خيرا من الخوف الذي يميتنا ألاف المرات .تحركت ذاكرة ذالك الجسد الذي أتعبته الأيام راكضا بين السجون بحثا عن والدي الذي كان زائرا دائما للسجون وغير مرغوب به لعناده وأحتقاره لسجانيه وقد رحل ويحمل على جسده شهادته الوطنية أثار التعذيب الوحشي ودمائه ظلت عالقة على أدوات تعذيبهم ..أعتصر قلب البيت ألما ونطقت أشيائه بعبارات الحزن وفتحت الأبواب والنوافذ التي كنت تشرعيها لكي يتجدد هواء البيت برائحة قداح أشجار الليمون وطلع النخيل المنبعث مع خيوط أشعة الفجر التي تختلط مع رائحة خبز التنور وأصوات الديوك والبلابل المغردة في لحن صباحي عذب تتقاطع معها أصوات الباعة المتجولين الساعين الى الرزق الحلال ووقع أقدام طلاب المدارس المتطلعين الى الأمتلاء بالعلم والمعرفة القادمة من وراء سياج البيت ويتنادى الجيران بعضهم مع بعض أما للأطمئنان عن صحة مريض أو في طلب حاجة أو في دردشة خافتة حول خبر بثته أحدى أذاعات المعارضة أو التحذير من غرباء مشكوك بأمرهم وطأت أقدامهم أزقة المحلة أو الحديث عن مداهمة أحد البيوت بعد تطويقه ليلا من قبل مفارز الأمن وما تسببوا من رعب وتهويل لأفرد العائلة.هذه الصورة الحقيقية التي تعكس العلاقات الحميمية بين العراقيين لا تقبل التزوير وتفتقر أليها بلاد الغربة الباردة الثلجية في علاقاتها ومشاعرها ..وقد برهنتي عن وفائك وأخلاصك حتى بعد موتك في أن تكوني الى جانب والدي رفيق دربك وكانت علافتكم تتجذر وتترسخ كلما تشتد المحن وبذلك ضربتي مثلا ليس بالأمومة فحسب بل بالعلاقة الزوجية وقدسيتها وأضفتي درسا جديدا تتعلم منها الأمهات والزوجات. أمي يا أجمل وأول كلمة أنطقها ويا أصدق أنسان لا زالت صورتك تتربص بذاكرتي ورائحتك تملأ حواسي وصوتك المميز يناديني الى الأخذ بوصاياك وأنا على العهد باقية بالسير على مبادئك وقيمك وأشعر بالفخر ولأعتزاز والمباهاة بالأنتساب أليك وسأظل أحمل قبرك بين ضلوعي وأقبل التراب الذي مشيتي عليه ودينك وفاء علي سداده لأنك وطن والوطن رسالة مليئة بالحب لا تنتهي فصولها فكلما أنتهى فصل بدأ فصل جديد لذلك يبقى خالد في نفوس عاشقيه وراية تحملها الأجيال المتعاقبة بشرف فأن سقطت سقطوا فمن الأم تبدأ الأسرة ومن الأسرة يبدأ الوطن .تحية أكبار وأعتزاز الى كل الأمهات ومن حقهن علينا أن نمجد ذكراهم وننحني أجلالا لدورهن في صنع الحياة ومن حقهن على الوطن أن لا يبخل عليهن وأن بكرمهن في عيدهن هذا .


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات