| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                    الأحد 18/9/ 2012

 

العراق ومفترق الطرق

زينب الجوراني - البصرة

لا يخفى على احد ما يعانيه المواطن العراقي من مشاكل وهموم سياسية واقتصادية واجتماعية فاقمها انتشار الفساد الاداري والمالي وتفشي المحسوبية والمنسوبية وتردي الخدمات وصعوبة الحصول على فرص عمل بحيث استطالت هذه التأثيرات لتشمل مساحة وحيزا واسعا في حياتنا اليومية . أتذكر مقولة ظهرت في ستينيات القرن العشرين وشاع استخدامها لدى الصينيين اثر انتشار الفساد إلى الحد الذي أصبح فيه وباءا فتاكا كاد ان يعصف بالدولة الصينية وبرز هذا القول وبقوة لدى الشارع الصيني نتيجة يأسه من الاصلاح آنذاك وهو " أمام الناس خيار ركوب الباص " أي التورط النشط في الفساد وقبوله كواقع حال تعيشه البلاد , أي السير مع الباص واتخاذ موقف المتفرج الذي لاشأن له بما يحدث داخل الباص , أما الوقوف أمام الباص والمتمثل بمواجهة الفساد ومنعه من التفشي فلم يكن خيارا قابلا للتطبيق في تلك المرحلة , وأخشى ان تنطبق هذه المقولة على واقعنا العراقي الحالي , والأمر المحبط هو اعتراف الحكومة بعجزها عن مكافحة الفساد وتبادل الاتهامات وإلقائها على أطراف أخرى كهيئة النزاهة والادعاء بعجز الهيئة عن اتخاذ القرارات الحازمة ومعاقبة المفسدين وردعهم .

ولكني كمواطنة عراقية أتساءل هل أن لجنة النزاهة هي السبب الرئيسي في تعطيل الإجراءات القانونية الصادرة بحق المفسدين والمتلاعبين ؟ وهل شهد العراق منذ عام 2003 وحتى الآن تحسنا ملموسا في البنى التحتية , تقديم الخدمات , إطلاق التعيينات للقضاء على البطالة , شبكة الحماية الاجتماعية , والرواتب التقاعدية .... الخ ؟. وكما هو معروف فأن الدول الأكثر فسادا تنفق أموالا اقل نسبيا على الاعمار والصيانة والخدمات لذا تنخفض الانفاقات على اعمار البنى التحتية التي تمتلكها ونحن اليوم ننفق الكثير من الأموال على الاعمار و ترميم البنى التحتية والخدمات (على الورق) والنتيجة هي عينها , بلد مثقل بالأنقاض والنفايات والدمار, كما يحبذ حكام تلك البلاد مشاريع الاستثمارات الرأسمالية الحكومية أكثر من أي نوع آخر من النفقات الحكومية وهم غالبا ما يدعمون مشاريع (الفيل الأبيض) أي المشاريع ذات القيمة الضئيلة في دفع عجلة الاقتصاد نحو التطور الذي لم نشهد له أثرا حتى الآن فحتى ابسط الأحتياجات يتم استيرادها من دول الجوار واقتصادنا معتمد كليا على النفط فأين التطور ؟ .

وعلى صعيد الصراعات والتصفيات والتسقيط السياسي , والولاءات الحزبية الضيقة فالساحة العراقية هي مسرحها والعراقيين هم الخاسر الأكبر والشعب مغلوب على أمره , وخير دليل على ذلك قضية استقالة رئيس هيئة النزاهة وكالة القاضي رحيم العكيلي وما حملته هذه القضية من ملابسات , إذ كانت البداية عبارة عن حدث اعتيادي يتناول استقالة اعتيادية وسرعان ما انكشف المستور وأزيلت الأقنعة واتضحت معالم هذه القضية وما ورائها من دوافع سياسية بحتة , ومؤامرات ودسائس وصفقات تجري ماوراء الكواليس والشعب العراقي ( يا غافلين لكم الله ), حيث ان السلطات التنفيذية لم تدرك بعد بأن الهيئة يجب أن تظل محافظة على استقلاليتها ويفترض ان ترتبط بمجلس النواب وليست مملوكة لأحد ولاتدين بالولاء سوى للعراق , ورئيسها ماهو إلا موظف - مدني –محايد سياسيا , مستقرا في وظيفته , يتلقى أجرا مقابل عمله وتتم ترقيته بناءا على جدارته واستحقاقه وعقوبته على أساس التقصير الملموس في أداء مهامه وليس بدوافع انتقامية أو حزبية كما حدث , ولا يحق له تكوين ملكية أو مصلحة تتعارض مع أدائه المنصف لواجباته .

وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن هيئة النزاهة أو رئيسها ولكن أليست خسارة للعراق ان يتم اقصاء رجل احتل المرتبة الرابعة عالميا في النزاهة حسب تقرير لمنظمة الشفافية العالمية ؟ في الوقت الذي يغرق فيه العراق بالصفقات الفاسدة والمشبوهة والفضائح المتوالية للمسؤولين والتواطؤات والاستخفاف بعقل الشعب , فهل هذا جزاء النزاهة والأمانة والإخلاص في العراق ؟

ولا ننكر بأننا دولة خرجت منذ فترة من نظام شمولي يدين بالولاء للحزب الواحد وحكم الفرد المتسلط وبأننا نواجه تحديات تأسيس نظام خدمة مدني محترف , ولكن ألم تكن فترة الثمان سنوات كافية للاستفادة من الأخطاء السابقة واستخلاص العبر ؟ ومتى تعي الحكومة تفعيل مفاهيم الرقابة , الشفافية , والمساءلة كخطوة أولى في طريق الإصلاح ؟ وان يتم العمل بها ولا تقتصر على كونها مجرد شعارات ترفع في الأزمات السياسية , والاقتصادية , أو ان تبقى نوايا طيبة تدفن في صدور أصحابها ( كما يحدث اليوم ) .

ولعل أكثر روادع الفساد وضوحا يتمثل بوجود نظام رقابي موثوق , محايد , مستقل, يسعى لإفراز المسؤولين الفاسدين . كما إن بروز صحافة مستقلة حرة أمر ضروري لتنوير الشعب وتوعيته بأهميته كونه صاحب الكلمة الأولى و الأخيرة وخلق رأي عام حازم إزاء الظواهر السلبية وتبعاتها المستقبلية .

ان رفع راية – مكافحة الفساد – لأستخدامها كقناع للقمع أو التصفيات السياسية تعد ظاهرة معرقلة ومقلقة للإصلاح , ففي مجتمع تتحصن فيه قوى الفساد والكسب الشخصي يمكن أن يطبق القانون ضد المعارضين في حين تبقى القيادة محصنة ضد النقد والمساءلة ويعتبر تبني الاعتماد على شعبية وشخصية قائد واحد ستراتيجية خاطئة على المدى البعيد وهي تجربة دفع ثمنها الشعب العراقي .

على السياسيين أن يتذكروا أنهم إذا استمروا على هذا المنوال وتناسي مصالح الوطن والشعب فأن الشكل المباشر للعقوبة سيقع في صناديق الاقتراع , وان الشعب هو صاحب القرار آنذاك وستكون الخسارة النتيجة الحتمية لكل مقامر بمصالح الشعب فهناك حدود لصبر العراقيين .

فهل ستعي النخب الحاكمة المأزق الذي وضعت بلدنا فيه ؟!!
 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات