| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 18/2/ 2009



تأمين الديمقراطية ومفهوم التعددية

عدنان الصالحي *

تعرف الديمقراطية على إنها حكم الشعب لنفسه والاشتراك بإدارة أموره السياسية والإدارية، وقد يتم ذلك من خلال المشاركة الفعالة بصنع السلطة الحاكمة عن طريق الانتخابات المباشرة او غير المباشرة الرئاسية أو البرلمانية عبر الاعتماد على رأي الاكثرية.

وهي هدف الشعوب الأسمى للتحرر من قيود السلطات القمعية والدكتاتورية، ونتاج مهم في الفكر الإنساني الذي عايش تجارب مريرة نتجت من حصر السلطات واحتكارها بيد شخص أو حزب أو فئة متخذة من أيدلوجية او اسم الحكومة الوطنية أو الوطن شعارا لقمع من عارضها في الفكر والرأي.

ومما لاشك فيه إن الديمقراطية المباشرة هي الأسلوب الأمثل لتجسيد السلطة الشرعية التي تستمد شرعيتها من التعددية والتداول السلمي، وبما أن افراد الشعب مهما كان عدده يستحيل جمعه في مكان واحد ليناقش ويتدارس ويقرر سياسته، لذا انصرفت الأمم عن الديمقراطية المباشرة، واستعيض عنها بنظريات حكم عديدة كالمجالس النيابية، والتكتلات الحزبية، والاستفتاءات.

الكثير من التحولات السياسية نحو الديمقراطية التي جرت خلال العقود الماضية في عديد من الدول لم يكن النجاح حليفها بسرعة كبيرة بل إن البعض منها فشل وعادت الدكتاتورية الى الظهور في الحكم وبعضها كان من الفوضى اقرب إليه من الديمقراطية، فيما نمت بعض منها نموا طبيعيا لتصل الى شاطئ الاستقرار السياسي.

وبعيدا عن ما تقدم فان فكرة الديمقراطية وهدفها الرئيس هي إشراك الجميع باتخاذ القرار وقيادة البلد بعيدا عن التمييز العرقي والطائفي عبر اعتماد رأي الأكثرية وكلا حسب استحقاقه النسبي والدستوري للوصول الى الهدف الأسمى وهو خدمة أبناء البلد وسيادة دولتهم وبنائها بناءا عصريا قائما وفق الدستور لتحقيق الحرية والرفاهية والتنمية والاستقرار، وهذا ما تقره القوانين الدولية والأعراف السائدة، وقبل هذا كله فان قوانين السماء كانت سباقة في ترسيخ مفهوم حرية الرأي والتعبير وعدم استعباد البشر لبعضهم البعض.

إلا إن من أهم المعوقات التي تعترض طريق التطبيق لهذا المبدأ هو مساحة الحرية غير المنضبطة في بعض الأحيان والتي تسبب صخباً مرافقاً للعمل السياسي حيث إن البعض يجد فيها فرصة لإشاعة الفوضى ليحاول إن يجني منها بعض المكاسب الخاصة به سواء كان فردا أو حزبا أو تكتلاً سياسياً.

المصاديق للحالة المثالية للديمقراطية لا تبدو متوفرة حتى في الدول المتقدمة دستوريا كون النزعة والمصالح الشخصية حالة طبيعية في كينونة الإنسان، إلا إن ما موجود من ممارسة للديمقراطية في دولنا عموما يختلف نوعا ما عن باقي الدول المتقدمة حيث تقدم المصالح الشخصية والحزبية على المصلحة العليا للدولة والبلد في البلدان الحديثة العهد بالديمقراطية.

وفي بلد مثل العراق فالتغيير السياسي في ابريل عام 2003  كان من المفترض أن يأتي بتغيير جذري في كل مفاهيم الحكم والسياسة، لكون من تسلموا زمام الأمور في هذا الوقت كانوا قد عانوا الأمرين من سياسات القمع والتهميش والتسقيط والإبعاد، إلا إن الأمور أخذت منحا مشابها في اغلب المفاصل السياسية لتظهر مرحلة جديدة من حرب التسقيط والتشهير، بدلا من المعارضة الفكرية البناءة و الحوار الهادئ، ومما عقد الأمور دخول عامل جديد في المعادلة وهو عامل الإرهاب الذي هيأت له بيئة مناسبة فظهر الناتج الاخر حيث الاحتقان الطائفي والعنصري.

وكل ذلك نتاج اختلاف كان من المفترض أن يكون طبيعيا في ظل التحول الديمقراطي والتعددي، لكن اغلب الأحزاب السياسية والكتل المشاركة وغير المشاركة خرجت من حالة الانضباط السياسي ودخلت ساحة المهاترات والتشنجات لتتحول القضية من اختلاف في الآليات واتفاق في الهدف الى خلاف وتنازع في المضمون.

لذا فكانت النتيجة الطبيعية لهذا الخلاف المتشعب في اغلب الميادين أن يتحول الى اتهامات متبادلة بالارتباط مرة بدول خارجية ومرة بقوات احتلال ومرة بمؤامرات داخلية، ليتخندق الجميع في جبهات متقابلة ومتعددة، وكرس ذلك بالنتيجة الاقتتال لفترة من الزمن على ضوء الطائفة وبعدها أخذت تشعبا اخطر لتصل الى حد الاقتتال بين الطائفة الواحدة.

هذا كله لم يكن ليحدث لو ان الاختلاف كان على كيفية خدمة ومصلحة البلد ووضعه بمرتبة الهدف الأولى، ولكن الحقيقة غير ذلك فمصلحة الأحزاب والأشخاص كانت السمة الغالبة على طبيعة الاختلافات وبقيت حالة الاتفاق مرهونة بالتوافقات الضيقة والتي أدخلت العملية الديمقراطية في كهف دكتاتورية الأحزاب بدل الأفراد.

و الآن وبعد حالة الهدوء النسبي بين الفرقاء العراقيين هل سيستفيد الأغلب من أخطاء الماضي وتحويل خلافه مع الباقيين الى نقطة قوة ترصد الخلل الموجود داخل كيانه وحزبه؟.

وهل سينطلق الجميع من مبدأ ان المعارضة هي النقد والمتابعة من اجل الحصول على أفضل أداء حكومي لا التشهير والتسقيط ؟.

وبالمقابل هل ستعطي الحكومة الحالية والقادمة الأذن الصاغية لمن ينتقدها بالوسائل الحضارية وتعمل على الإجابة المقنعة والتصحيح بدل التشكيك بالمقابل والنفي لكل ما يورد تجاهها؟

إن ما سقناه على بساطته يضع مفهوم حقيقي لمبدأ بسيط من مبادئ تقبل الآخر وإعطاء فكرة مختصرة للديمقراطية على إنها مبدأ (الاختلاف من اجل الاتفاق)، وان لا مصلحة حقيقة بتغييب أي جهة أو طرف بل إن الفوز الحقيقي للديمقراطية عندما يتحدث الجميع بحقوقهم ويكون سمو الوطن هدفهم في ذلك، وعندها سنفتخر بأننا اتفقنا برغم اختلاف أرائنا.

فيما تبقى الاختلافات في داخل الدول الديمقراطية ولاسيما التي تملك رصيدا متعددا من القوى والأحزاب السياسية، قوة إضافية ورصيد كبير للدولة عموما وللحكومة خصوصا فيما لو بقيت ضمن الأطر القانونية والمعارضة الدستورية التي أتاحت مراقبة الدولة ونقدها بالشكل البناء غير الفوضوي والتسقيطي، وضمان جيد لعدم الانفراد بالسلطة والحكم، لكن في حال ابتعادها عن هذا الهدف، ستدخل حالة التشويه والتشهير وحتى التآمر لتسبب أزمات سياسية قد تؤدي بالبلاد الى ما لا تحمد عقباه.

خصوصا ان الفوضى المنفلتة قد تؤدي في النهاية الى نهاية عصر الحرية وعودة الديكتاتورية وسيطرة حزب واحد او حاكم مطلق عبر انقلاب عسكري بذريعة إنهاء هذه الفوضى وتحقيق الأمن والانضباط.

ومن هذا المنطلق فلابد من بناء متوازي للحكومة الديمقراطية ومراعاة واحترام للمعارضة الدستورية التي قد تكون من داخل البرلمان أو خارجه ولكنها تسير ضمن ركب العملية السياسية نقدا وتوجيها ومتابعةً، ويجب إن لا يضيق الفكر بان كل من عارض الحكومة هو مؤسس لإسقاطها او التآمر عليها، بل إن البناء الصحيح يجب أن يرصد من جميع الجوانب والنظر للحكومة من خارجها مهمة كبيرة ومسؤولية حساسة تقع على عاتق المعارضة وقد تتناوب الأدوار فحكومة اليوم قد تكون معارضة الغد وبالعكس.

وهذا المفهوم يجب ان يتسع ليشمل جميع المواقع الإدارية وحتى الاجتماعية، فهو ليس حكرا على الحياة السياسية بل إن المتابعة والمراقبة يجب أن تشمل جميع أجزاء البلد ويجب أن يكون الجميع ضمن منظومة المراقبة الأخلاقية أولا والنظامية ثانيا، وهنا تتجسد المقولة (صديقك من صَدقك وليس من صدّقك)، أي من كان في الحديث صادقا معك حتى كانت الحقيقة قاسية في مضمونها، فإظهارها لك خير من إبطانها عنك ، وعندما نتقبل الحقيقة بصورتها الواقعية ونؤسس لقبول النقد البناء بسعة صدر ورفضنا اساليب تمركز السلطات واحاديتها فعندها سنكون قد أمنا على ديمقراطيتنا حتى ولو اختلفنا في الآليات.


*
مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com





 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات