| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 17/2/ 2010

 

صاح الديكُ ..... كل إنتخابات وأنتم بخير

وئام ملا سلمان

لماذا يصيح الديك عند الفجر وكيف نتخلص من صياحه الذي يداهمنا مزعزعاً منامنا ومقطعاً خيوط أحلامنا ؟
منذ سنين سمعت من يسأل بمزاح شفيف هذا السؤال وبقيت أحمل هاجسه في داخلي ، رغم أني واثقة من أن الديك يصيح في أوقات اليوم الأخرى ولكن الذي سأل لم ينتبه لذلك ربما، فاعتقدَ أن الفجر فقط هو موعد صياح الديكة.

في الموروث الشعبي العراقي وكذلك معظم شعوب العالم على إختلاف ثقافاتهم ووعيهم تبقى الميثولوجيا فارضة حضورها ولو بتفاوت تختلف مناسيبه بين شعب وآخر ، وفي مدننا يعني لهم صياح الديك الشيء الكثير ،وبمختلف أوقات اليوم . فصياح الساعات المتأخرة من الليل له حكايته ويسمى ( ديك الزعلانه ) وحين يصيح الديك صيحات متتالية يعني ذلك لحظات اليأس وإنقطاع الرجاء لإمرأة بقيت تترقب طرقات باب بيت أهلها حالمة في قدوم زوج أو وسيط خير يستردها إلى بيتها بعد أن غادرته نتيجة حيف أو ظلم حل بها على يد زوجها أو أهله الذين تسكن معهم ، لقد كنت أسمع أمي وهي تصغي لصياح الديك في ليالي الصيف حيث نفترش السطوح ونسامر القمر والنجوم محدقين بأصغر نجمة ترصدها العين من بنات نعش ، كانت أمي تقول : ( صاح ديج الزعلانه ) ومنذ ذلك اليوم وأنا أذكر هذه العبارة التي تحمل في ثنايها وجع أنثوي وإنساني عميق .

أما صوت الديك عند الفجر فله وقع خاص على النفس فهو إعلان عن بداية يوم جديد يستهله المؤمنون (الحقيقيون) بدعواتهم وصلواتهم وتأدية الطاعات والفروض، أما سيد درويش فيرى في صوت الديك ديمومة العمل والعطاء والكسب الحلال ( يالله بناعلى باب الله يا صنايعيه) ليكسروا صنم الفقر بكدحهم عسى أن ترى جيوبهم بعضاً من الملاليم ، ولكن رياض أحمد الفنان العراقي الذي ما زال صوته يسحرنا بجماله وصفاء أمواجه ، فيترجم صياح الديك أسفا ولوعة لإنقضاء ليلة من العمر ولا أعلم ان كان قد دار بحسبانه عقود الإغتراب والضياع التي أكلت العمر كله لتولد أجيال لم ترَ الديك ولم تسمع صياحه إلا في حديقة الحيوانات ، ولعمر الخيام والديك علاقة صورتها رباعياته الخالدة ( أتسمع الديك أطال الصياح.. وقد بدا في الأفق نور الصباح .. ما صاح الا نادباً ليلة ...ولت من العمر السريع الرواح ـ ترجمة أحمد رامي ـ ) وهي ذات الصورة الشعرية التي غناها رياض أحمد .وفي أوربا للديك حضوره المتميز حيث يعتلي بعض أبراج الكنائس بدلا من الصليب وفي السويد وحدها حوالي 600 كنيسة يزين الديك أبراجها مظهرا بحركته إتجاه الريح ، وعند الديانة المسيحية يحمل صوت الديك دليل كشف الخيانة التي تنبأ بها السيد المسيح (ع) من قبل يهوذا الاسخريوطي وإنكار بطرس وقسمه .

وعودة أخرى للديك مع الأدب الشعبي العراقي حيث حكاية زوجة الأب التي تمثل عنصر الشر (كالعادة) وأن يكون الديك هو الفاضح المجلجل بصياحه كما في حكايةاليتيمة الجميلة التي جاء نصيبها فخبأتها زوجة الأب في تنور البيت وجاءت بإبنتها القبيحة الخلقة والخُلق ، وما كان من الديك إلا أن ينتصر للبنت الطيبة وينتفض صائحا (الحلوة بالتنور والمو حلوة بره) وذهبن الخاطبات ورفعن الغطاء عن التنور وأخرجن البنت الطيبة منه وما كان مصير الديك إلا نصل السكين الذي ناش رقبته ليكون قرباناً على مذبح الصدق .

بعد هذه السطور التي شملت مناقب الديك ، وها نحن قد أضحينا قاب قوسين أو أدنى من الإنتخابات لابد لي أن أسال عن عدد الديكة التي نحتاجها في العراق خلال هذه الفترة الحرجة لفضح من يقف وراء الدسائس والمكائد والفساد بكافة صنوفه والسرقات والقتل وفعل السوء من الذين يريدون له أن يسود ويستشري بكل شبر من أرضه؟ وكم ديكاً ينبغي له أن يكون جاهزا ًملعلعاً بصوته لكشف المرشحين بكل مشاربهم وما يضمرون من خبايا ونوايا مقنّعة ، والقوائم التي حملت ما حملت في ثنايا برامجها الدعائية من الوعود المقرقعة وما سيأكل الشعب من الأطباق الشهية المنوعة وكم ديكاً سنراه مذبوحاً ليكون وجبة لذيذة على مائدة البرلمان القادم؟!!.



 

free web counter

 

أرشيف المقالات