| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء  17 / 6 / 2014

 

افتتاحية المدى

داعش وأخواتها ليست مركباً "لثورة" أو استعادة حقوقٍ مهضومة..!

فخري كريم 

(١)
لا جدال في ان داءً أو وباءً داهماً أصاب ما سُمي بالعملية السياسية،وأن اصل الداء خللٌ بنيويٌ قوامه الأسس التي بنيت عليها،فتقيحت مخارجها حتى صار متعذراً معالجة الداء دون جراحة، واستئصال مواضع التقيح.

وصحيحٌ أن من بين المظاهر الجانبية لهذا الداء السياسي المُعدي،انفراط عقد التوافق بين الفرقاء، وتشبث مَرضيٍ بالسلطة، بعيداً عن أي اعتبار للمبادئ الدستورية والقيم الديمقراطية المتعارف عليها، ومما ترتب على انتشار الداء ،انسلاخات في العملية السياسية وتدهور عام في الحياة السياسية والأمن الوطني ،والاقتصاد، والحياة الاجتماعية.

وكل ما يترتب من استنتاجٍ على ذلك قابل للتفاعل باعتباره وجهة نظر، وموقفاً يتحمل الجدل بكل مستوياته، باستثناء اعتماد السلاح ،لغة للمحاججة واسترجاع الحقوق. ورفض مثل هذا الخيار، لا يقلل من شأن الأساليب والوسائل السياسية، ما دامت متاحة في أضيق مساحاتها، حتى إذا ما عمد " الآخر " الى التضييق على هذه المساحة ،والاخلال بقواعد وشروط العمل الديمقراطي، والتجاوز على حرماتٍ يجري التمويه عليها بوسائل لا ديمقراطية. إن المواجهة "المخلة" في ظل تلاعبٍ وعبثٍ بالسلطة وحدودها الدستورية، تشوه الحياة السياسية، وتعصف بها، لكنها لا تجرد المعاني والمفاهيم من مضامينها، أو تُخل بالتضاريس السياسية، وتقلبها رأساً على عقب.

لم يبق في قاموس السياسة من مفرداتٍ ومفاهيم واصطلاحات استنكارية للطائفية والتمييز الطائفي، من إقصاءٍ أو تهميشٍ أو تعدياتٍ، لم ترد ضد من يستخدمها من موقع السلطة. وقد تصدت لهذا الاستخدام قوىً وأطراف مؤثرة في العملية السياسية من " الشيعة " قبل السنة والكرد، وكاد جهدهم المشترك أن ينجح في ايقاف التدهور، ونزع فتيل الأزمات واستفحالها، في لقاءات اربيل الأولى والثانية والنجف، لولا تدخل مشحون بالزجر ،في اللحظات الأخيرة.
ومن حق مهضوم الحقوق، فرداً كان أو مكوناً، شعباً كان أو قومية مبتلاة بالاكراه الشوفيني، أن يرتقي بأساليبه في اطار ما تسمح به القواعد الديمقراطية، وإن كانت هذه الديمقراطية منقوصة، أو مكسورة الجناح. وقد جرى التعاطف مع تجليات المكون السني، في اغلب ما اختار من اساليب احتجاجٍ أو وسائل الرفض للتهميش والعزل، كلما كان ذلك، مبرءاً من تدخل عناصر دخيلة تُبطِن خلاف ما تظهر.

إن ما يقال عن تعرض المكون السني لإجحافٍ في الحقوق، وتعريضٍ أو تجاوز، كان مشتركاً مع العراقيين باختلاف مشاربهم، وانتماءاتهم الفرعية. فالمظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها بغداد ومدن الجنوب والفرات الاوسط، وقوبلت بحشودٍ امنية، ترفع بدل الدستور الهراوات، وتضرب المتظاهرين بالرصاص المطاطي، لم يكن طابعها " سنياً " بل عراقياً بامتياز!

وغياب الخدمات والكهرباء وسبل العيش الكريم وانعدام الامن، هي مشتركات في الهم العراقي.

وصَفُّ المعارضة ضد التمييز والتهميش والانفراد، يضم القوى الشيعية والكردية، قبل السنية، وبرنامج المعارضة " وطنيٌ " يستهدف وضع البلاد على طريق الديمقراطية والاصلاح السياسي ونبذ الطائفية. وهو مسعىً لم ينقطع، وسيتواصل، ويتصاعد، ويعتمد كل ما يوفره الدستور من فيوضٍ في الحقوق، عبر البرلمان القادم والاصطفافات البرلمانية، لفرض التغيير..

(٢)
وفي كل الاحوال والظروف والملابسات، فإن داعش، ومشتقات تنظيم القاعدة، وحاويات نظام البعث الاستبدادي، والتنظيمات المسلحة، الجهادية أو العشائرية التي تأتمر، أو تنقاد، أو تقبل بمشاريع هذه التنظيمات، لا تجسد خياراً وطنياً، ولا تعكس هماً مذهبياً، أو تنافح في سبيل تأمين حقوقها، بل ان التورط في مسالكها، محفوفٌ بالشبهات، مهما كانت معاناة الطائفة أو المكون.

والتجارب القريبة للنهج الذي سارت عليه هذه التنظيمات الإرهابية، لم يكن سوى تعبير باصرخ الاشكال عن منحىً تكفيري، ظلامي، لا يجمعه بالإسلام او مذاهبه أو بالوطنية وقيمها جامع.

قد يرى البعض ممن اجترعوا المرارة، في زحف جحافل هؤلاء الإرهابيين، في الايام والاسابيع الاولى "خلاصاً" من جورٍ جاثمٍ، لكنه خلاصٌ كاذب، وواهم، سرعان ما يتكشف عن وحشية سافرة تأتي على ابسط حقوق ومظاهر الحياة.. وقد يرى سكنة الموصل والمدن المستباحة الاخرى، مظاهر تهدئة، تظهر منها رفع الحواجز، واطلاق السجناء، دون أن يطغى على هذه المظاهر، منع المحلات عن بيع الملابس النسائية، أو غلق محال المشروبات، أو ما يراه الداعشيون مظاهر تتنافى مع انغلاق عقولهم وأفق تفكيرهم الضيّق. لكن "سبحة" الممنوعات والتحريم سرعان ما ستسفر عن " إبداعات " داعشية " لا مرد لها ..

(٣)
لا أحد يستطيع الانابة عن عقول وإرادات الآخرين، ولكن أن تكون داعش والقاعدة واخواتهما في الارهاب والفتن، مشروع " ثورة " فهذا ضرب من غياب الوعي والحكمة والعقل!

الاصوات التي بدأت تخرج الى العلن لتسوّق عفونة التنظيمات الارهابية، باعتبارها "ثورة ابناء العشائر" انما تُعرّض بقيم العشائر وابنائها، وتسيء الظن بسويتها وسعيها لرفع الحيف عنها.

إن التلويح بالرايات المذهبية، وهي ترفرف خلف رايات داعش والقاعدة، لا يجسد خياراً وطنياً، ولا يعبر عن احتجاجٍ على ضياع حقوق، ولا يشكل دواء لداء مستشرٍ في وطننا الذبيح، انما هو انحدارٌ في قاعٍ لا قرار له..

 

المدى
العدد (3104) 17/6/2014


 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات