| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 17/5/ 2009



سجن الأحداث مرة اخرى

ماجدة الجبوري

في الصباح الباكر انطلقت بنا سيارة "الكيا" من الكرادة والكاظمية ثم الجعيفر... لم استطع اخفاء شعوري بالخوف ساعتها, انه السجن الذي اخذ من سنين الصبا والشباب الكثير، لكن الامور الان مختلفة كما يفترض، سابقا دكتاتورية متوحشة تطحن العمر وايامه لاتفرق بين الصغير والكبير" العند والماعنده" والآن مرحلة تغيير الى عالم اكثر حرية في التعبير فيه دستور ينظم حياة الجميع.

عند بوابة السجن ترجلنا, نحن مجموعة من سكرتارية رابطة المرأة العراقية، الدكتورة طاهرة داخل, نقية اسكندر, ماجدة الجبوري, اضافة الى الدكتور جبار خماط ممثل منظمة مهنيون، ومخرج مسرحي، نحمل لافتة تحمل افكارنا وبرنامجنا الاتي والذي يستمر لمدة شهر،هو تنفيذ مشروع مهارة حل المشكلات والذي يشمل عددا من الفعاليات والانشطة الثقافية.

بينما تقديم مسرحية داخل سجن الاحداث ابطالها هم، ليجسدوا مشاكلهم، والاسباب التي ادت الى دخولهم هذا المكان الذي هو سجن تفصلهم قضبان حديدية عن الحياة الاخرى كما يعيشها الناس.

اللقاء الاول...
بعد لقاءنا بمدير المدرسة الاستاذ (مراد ماجد صادق) الذي لم يخف مخاوفه من خلال الاسئلة التي طرحها علينا حينها، وتحذيره لنا من نشر صور او امور تخصهم!! المهم قسمنا البرنامج كالاتي في اليوم الاول نلتقي بخمسين نزيلا من مختلف القضايا.

وفي ورشة خصصت لهم لتعليمهم الرسم والخياطة تحدثنا عن منظمة رابطة المرأة العراقية منذ تأسيسها واهتمامها بالاسرة بشكل عام . وعن تجربتنا في السجن حيث تعرضنا انا وزميلتي نقية اسكندر في زمن النظام البائد، كنا حينها صغيرتين عمرا وتجربة ولكننا لم نؤذ او نسرق او نقتل احدا، بل كنا نحمل آراءا وافكارا سياسية لم تعجب السلطة القمعية حينها . حدثناهم عن عمرهم الجميل ؛ المفروض ان تستمتعوا بالحياة وفضاءها الجميل، ان تبنوا مستقبلكم بالدراسة والعلم وتخدموا بلدكم ، ثم وزعنا عليهم دفاتر واقلام، ومرطبات، كنا قد جلبناها معنا.

اختيار الممثلين...
قلنا لهم اليوم نريد ان نسمع منكم ونتعرف عليكم والاسباب التي ادت الى مجيئكم الى هنا لنجسد ذلك في مسرحية انتم من يمثلها، وهكذا عند لقاءنا في كل اسبوع مع خمسين نزيلا يتم اختيار قسم ممن سيلعبون دورا في المسرحية، ويتدربون عليها داخل السجن، وبعد جهد ورفع الحواجز والخوف منهم تم اختيار كل من: رضا معيوف ليمثل دور القاضي, سجاد خضير الضابط , علي منصور الشرطي, مالك كمال الاب, سجاد شناوي الام، مصطفى محمد الابن, رياض عبد الزهرة السجين, احمد نجم السجان، عند نهاية الورشة همس احدهم ست رح تجون مرة ثانية، اجبته، ثانية وثالثة، سنأتيكم لمدة شهر، فأثار ذلك سرورا في عيونهم، وقلوبهم.

في الاسبوع الثاني كانوا في انتظارنا، وهكذا استمرت الورش الى اخر يوم. كان الاحتفال ،المسرح بسيط هو باحة السجن، والمتفرجون هم نفسهم السجناء، جلسوا على الارض، عيونهم وافكارهم مشدودة نحو المسرح، فكان تمثيلا رائعا وكأنهم احترفوا التمثيل منذ سنوات ... ولعب الدكتور جبار خماط دورا كبيرا في اكتشاف مواهبهم الفنية، وتجسيد ادوار هي في صميم قضيتهم بتشجيعهم على مواجهة المشكلة .

في نهاية المسرحية وقبل ارتكاب الجريمة يصرخ الجمهور بصوت واحد وعالي, لا للعنف, لا للإرهاب, نعم للحياة, نعم للعراق.
اصوات خرجت من حناجر اطفال , مراهقين, شباب, حسابات الارض لديهم بالامتار, وحسابات الاحلام والاماني بأميال من الحب... ومنافذ الرؤية عندهم حديد في حديد ورؤية قلوبهم ليل وحبيبة وقمر، قلت لهم حيث كنت عريفة الحفل :من اجل الليل والحبيبة والقمر، افتحوا صفحة جديدة مملوءة بالنقاء والمحبة للاخرين وعيشوا الحياة وفكروا بالاخرين الذين ينتظرونكم.

خطوة حنون...
اذن فقد خطت الرابطة بثقلها المعروف، وهي اول منظمة عراقية تدخل الى سجن الاصلاح لاجل الاصلاح وهو جزء من اهدافها.. اعتمدت الورش على تثقيف هؤلاء الاحداث واعادة الثقة بأنفسهم وتشجيعهم على مواجهة الخطأ, واعادة النظر فيما اقدموا عليه, وقد يكون من بينهم مظلومون. فمصطفى مثلا.. تحدث عن السبب الذي ادى به الى هذا المكان يقول: في احد الايام ومع شحة الوقود (النفط) كنت اقف في طابور ومعي (جليكانات) ، واذا بصاحب سيارة يرجع الى الوراء ويسحق جلكاناتي مما أثار غضبي عندها صرخت لماذا فعلت هذا بي وكسرت الجلكانات .. اسمعني كلمات خشنة ثم بدت مشادة كلامية، وبعد كل هذا ضربني ضربا مبرحا، وهو يكبرني بكثير مما استدعاني ان احضر اولاد عمي وهو ايضا كان معه جماعة وبدأت معركة بالأيدي واحد اقربائي ضرب احدهم بسكين ادى الى وفاته. وهكذا دخلت السجن وانا منذ اربعة اعوام هنا، سألته احيانا نسمع بعفو للسجناء الم يشملكم، فأجابني بمرارة صحيح ولكن من له علاقة بأحزاب متنفذة او من يدفع نقودا، فقد طلب المحامي من والدي خمسة ملايين دينار مقابل خروجي، ولكن والدي فقير!!!. مصطفى يكتب الشعر ويقرأه بشكل رائع وكل شيء في مصطفى جميل وبريء.

اما رضا معيوف، فيقول: كنت صحفيا واكتب تحقيقات صحفية بالإضافة الى كتابة الشعر. رضا اعطاني دفتر مذكرات كتبها في السجن ومن خلال قراءتي لكتاباته لمست ان له علاقة بإحدى الجهات المتطرفة (جند السماء) سألته اذا خرجت من هنا هل ستمارس نشاطك هذا؟ فأجابني بالتأكيد لا .... والله اعلم!!

في حين رضا (الافغاني) له قصة حزينة وكان ما يزال طفلا ابن الحادية عشر حين دخل ظلمات السجون, بسبب مجيئه مع عائلته (والده ووالدته) لغرض زيارة الامام الحسين (ع) . التي دخلت الى العراق بصورة غير شرعية, والديه سجنا لمدة عشر سنوات وهم الان في سجن احدى المحافظات, ورضا سنتين. ولو تأملنا قصته اولا هو اجنبي ثانيا طفل وضع بين سجناء يحملون اتهامات متنوعة بالاضافة الى فراق والديه عنه. رضا يجيد اللغة الايرانية, العربية, التركية, بالاضافة الى لغته الام, كذلك يمارس الرسم بشكل جيد جدا واهدانا لوحتين .

الاحتفال الكبير...
يوم عرض المسرحية كان يوما بهيجا لهم ولكل الحاضرين، وقد ابدعت الدكتورة طاهرة داخل، تثقيفهم وهي التي تحمل خبرة سنوات في نشاطها في السجون وتقديم بحوث عن هذا الموضوع. ولعب الدكتور جبار خماط دورا كبيرا في توجيههم وبث الحماس فيهم واعطاهم امل : يمكن لهم ان يواصلوا في المستقبل عملهم هذا، وسوف يساعدهم في تحقيقه.

في هذه المسرحية تنشقوا هامش الحرية وسط هامش الحياة وهم يصنعون الضياء وسط عتمة الغرف المنفية. يتعايشون كأحرار والقيود تعيق النور والهواء ... كان اداء رائعا برأي الحضور، فقد حضر العرض المسرحي المدير العام لسجن الاحداث الاستاذ فارس الكناني، الذي قال: اتمنى ان تكون هذه الفعالية فاتحة خير على الطريق الصحيح، وسوف يتم دراستها على مستوى عال والمشروع ناجح جدا، وسوف نعتمده منهجا، ومن الممكن ان يتكرر، واشاد بالمشروع والقائمين عليه.

اما عبد الرضا اللامي عضو اتحاد الادباء، فقال كان يوما ذا ايقاع باهر، وحزين في نفس الوقت، فقد ابكاني هذا العمل وانا فرح جدا به، اذ اشارككم بمشاعري واحيي جهد رابطة المرأة العراقية لازاحة ستار العتمة عن فتية ضلوا الطريق، وهو جهد لم يسبقه احد متمنيا تضافر الجهود لتعميم الفرح في قلوب هؤلاء.

كما حضر حفل الختام، وكالات انباء، وصحف محلية، اضافة للجانب الامريكي .




 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات