| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 17/1/ 2011

     

قسمة ضيزى !

عبد الجبار الجبوري
abduljabar1932@gmail.com

في العهد الملكي يذكر السيد عبد الرزاق الحسني في كتابه تاريخ الوزارات العراقية إن الملك فيصل الأول قدم قائمة لصرف مخصصات له بمبلغ زهيد إثناء سفرة له في لندن ورفضت من قبل وزارة المالية لعدم أحقيته لها.
ومن جهة أخرى نصت المادة السابعة من تعديل القانون الأساسي لسنة 1925 على منح عضو مجلس النواب عدا مخصصات السفر – مخصصات سنوية تعادل (4000) روبية عن مدة الاجتماع العادي فقط و (1000) روبية عن كل شهر يزيد على مدة الاجتماع المذكور. ولم يتطرق القانون أعلاه إلى منح رواتب أو رواتب تقاعدية أو أية مكاسب أخرى لأعضاء مجلس النواب .

وبعد ثورة 14 تموز 1958 كان رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الزعيم عبد الكريم قاسم يتقاضى راتباً شهرياً قدره (400) دينار شهرياً (على ما أتذكر) وكان غذاؤه يأتي من بيت أخيه يومياً في (سفرطاس) إلى مكتبه في وزارة الدفاع يماثل غذاء أية عائلة عراقية متوسطة الدخل لقاء مبلغ (100) دينار شهرياً يدفعه من راتبه والمتبقي من الراتب بالكاد يكفيه لبقية أيام الشهر. هذا ما كتبه سكرتيره الخاص جاسم الجنابي في مذكراته والذي كان محسوباً على الجانب القومي المعادي لعبد الكريم قاسم آنذاك. وكان يسكن في بيت مستأجر وعندما فتك به جلادوه لم يجدوا بحوزته إلا مبلغاً تافهاً.
أما قطعان البعث المتوحشة وعبد السلام عارف بعد شباط 1963 فقد انشغلوا بإبادة الشعب العراقي وتصفية الحركة الوطنية كما كان مخطط لهم والصراعات الداخلية فيما بينهم وبينهم وبين عبد السلام عارف الذي انشغل بدوره بتقليد الآخرين.

وفي فترة حكم الرئيس عبد الرحمن عارف لم يظهر أنه استغل منصبه أو أثرى على حساب الشعب.
وبعد عودة البعثيين للسلطة في تموز 1968 وبعد أن أخذ الحكم يتركز في يد صدام حسين وعائلته فقد عاد الشعب يرزح تحت نير حكم ديكتاتوري أسود أهدر خلاله القائد الضرورة ثروات الشعب (مثلما أهدر أرواح الملايين في حروبه ومقابره الجماعية) في بناء القصور وشراء الذمم في الداخل والخارج دون حسيب أو رقيب أو موازنة أو قوانين وهي فترة تعتبر خارج التاريخ لا يقاس عليها.

وبعد أن قبر صدام وقبرت معه تصرفاته الموغلة في الحقد والجشع وقصر النظر وعدم الاعتراف بأي قانون أو عرف كان الشعب ينتظر تغييراً جذرياً في كل مناحي حياته وعزوفاً جذرياً عن كل ممارسات النظام السابق وأهمها الاقتصادية والالتزام بالقوانين والأعراف السائدة محلياً وعالمياً خاصة وأن من تسلم زمام القيادة السياسة حالياً هم من القوى التي حاربها صدام بضراوة تعادل ضراوة مواقفها وانتقاداتها لنظامه على مجمل تصرفاته وعلى رأسها الاقتصادية وانها أما من القوى الدينية التي تتبنى تعاليم الدين الإسلامي الذي يدعو إلى النزاهة وعدم أكل المال الحرام أو الإثراء غير المشروع وغير المعقول أو هي من القوى التي تؤمن بالليبرالية أو الاشتراكية التي تدعو إلى العدالة الاجتماعية وتضييق الفوارق بين الطبقات.

غير أن الذي يحدث حالياً لا يمكن تفسيره ضمن أي من التوجهات أعلاه ولا حتى ضمن أي عرف من الأعراف العالمية، وإذا كان لبعض الممارسات ما يبررها ابان الحملة الإرهابية الشرسة وخاصة الحمايات، فانه وبعد استقرار الأوضاع على القوى الحاكمة أن ترتفع إلى مستوى ثقة الجماهير بها التي تعتبرها المنقذ من ظلم صدام السياسي والاقتصادي وتبتعد عن الإفراط في الجري وراء المنافع الشخصية. إذ لا يعقل أن تكون الرواتب العليا للرئاسات الثلاثة مئات الإضعاف لرواتب صغار الموظفين أو يعمد إلى ابتكار أبواب جديدة للكسب الشخصي كالمنافع الاجتماعية وغيرها كما لا يعقل أن تمنح رواتب تقاعدية لمن خدم أربعة سنوات أو أقل أضعاف الرواتب التقاعدية للموظفين الذين أفنوا حياتهم في خدمة الدولة أو تخصيص حمايات بأعداد كبيرة قد تصل إلى الثلاثين شخصاً بينما من يمارس الحراسة فعلاً لا يتعدى الخمسة أشخاص في أغلب الحالات في حين من الأصح أن تتولى وزارة الداخلية حراسة المسؤولين بتعيين جهاز خاص من الشرطة تحت اسم (شرطة حماية المسؤولين).

ومن غير المنطقي أن تبلغ رواتب ومخصصات أعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات والمجالس المحلية حدودا لا يمكن تصورها بالنسبة لبقية رواتب باقي موظفي الدولة ، وان تكون هناك فروقا واضحة بين رواتب منتسبي الرئاسات وبين رواتب الموظفين الآخرين هذا عدا المكاسب الأخرى ، الأمر الذي خلق طبقة متميزة من موظفي الدولة تشعر بأنها أعلى مرتبة من الآخرين في الوقت الذي يشعر بقية موظفي الدولة بأنهم أقل مرتبة من هؤلاء الذين أنعمت الظروف عليهم وليس الله جل جلاله .

آملين من الذين حازوا ثقة الشعب أن يحافظوا على هذه الثقة ويستفيدوا من دروس الماضي والحاضر لأن الشعب لا يرحم من يفقد ثقته فيه وقد يندموا حينما لا ينفع الندم.

 

free web counter

 

أرشيف المقالات