| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 17/1/ 2011

     

أحداث تونس درس بليغ لكل العرب والعراقيين

عبد الرزاق الحكيم 

ما جرى وما يزال يجري من أحداث دراماتيكية في تونس ... ليست وليدة الساعة ، بل هي نتيجة تراكمات مستمرة لظروف معقدة وصعبة في حياة التونسيين ... من حيث التهميش للفئات المحرومة والفقيرة ... لخريجي الجامعات والمعاهد ...حيث يتخرج الطالب وهو على أمل التعيين او العمل أو الخدمة في أي مؤسسة حكومية كانت ام قطاع مختلط او خاص ...ولكن لا يجد شيء مفتوح أمامه سوى الشارع والمقهى والبطالة والأفكار المتطرفة لتفجير نفسه وسط السوق او العمارة التي يتواجد فيها الأطفال والنساء والشيوخ وبنات وابناء العراق الأبرياء .
تجد الشوارع والمقاهي في وسط المدينة والأحياء المحيطة فيها تعج بالشباب ، ومن الجنسين ...تجد الجدران (الحيطان) ...(تجوى) مريحة للشباب .. والذين يسمونهم باللهجة التونسية (حيطست) ...بالإضافة الى الفقر المتقع ، وخاصة في ضواحي المدن الكبرى ...مثل تونس العاصمة ، واحد ضواحيها حي التضامن وحي المنيهلة ودرا بين حي القصبة وسط العاصمة .

بالمقابل تشاهد الفلآت الفارهة والعمارات الشاهقة تملئ الأحياء الغنية ، والتي يصعب على التونسي الفقير وحتى ذو الدخل المتوسط الوصول إليها ...لانها مغلقة لذوي الجاه والثراء ...تدخلها السيارات الفارهة الحديثة ، وتجد فيها النوادي التي تبدأ سهرتها الساعة الثانية بعد منتصف الليل .. تجد الفوارق الطبقية واضحة من حيث الملبس والمسكن والخدم والحشم والحمايات والترف في كل شيء .
العمال في المصانع والمعامل ومعظمها تابعة للاستثمار الأجنبي والمساطحة في المرافق السياحية ...تجد أجورهم متدنية ، لاتكفي سد الرمق ...لأن تكاليف المعيشة مرتفعة ...تساوي أو أكثر من تكاليف معيشة الفرنسي أو الهولندي أو أي بلد أوربي اخر ...علما بأن فارق الدخل الشهري كبير جدا .
مظاهر الثراء الفاحش تجدها في المناطق السياحية ، وبالمقابل تجد عمال الخدمات في الفنادق والمنتجعات السياحية ...حالتهم يرثى لها وتستحق عطف كل من يزور هذه المناطق ... وانا منهم .
وبالمقابل تجد ذو القربى وأصحاب رموز السلطة ومنتسبي الحزب الحاكم وكبار الموظفين ، في ثراء فاحش ، يجد تعبيره في الفلل الكبيرة والسيارات الحديثة والمزارع الكبيرة ....

وتجد اجهزة الامن منتشرة في كل مكان وهي تطبق على أنفاس وذوي المهن وغيرهم وعلى منظمات المجتمع المدني والأحزاب والصحف الناس والقوى الوطنية والديمقراطية والليبرالية ، واتحادات نقابات العمال والمعلمين وعمال الخدمات ، ولكل من يتقدم للانتخابات المحلية والبرلمانية من قبل القوى والأحزاب الوطنية ...ولا يمكن لأحد ان يتنافس مع الرئيس ...رئيس الدولة ...رئيس الحزب ...رئيس تونس على الترشيح لرئاسة الجمهورية ، وإلا يكون مصيره عسير ونهايته معروفة اما السجن او التصفية الجسدية او النفي ... في حين كل شيء مفتوح أمام عائلة الرئيس وعائلة زوجته سيدة المجتمع التونسي الاولى والاخيرة ، في استباحة الممتلكات ...وحتى الجبال لم تسلم من السيطرة عليها وامتلاكها وبيعها لمن يدفع اكثر .مواطن تونسي أو أجنبي أو أي كان ...

نتائج سياسة التهميش والقمع والاضطهاد وأكمام الأفواه وانحسار الديموقراطية والحريات العامة والخاصة ، وانتهاك حقوق الإنسان ، والبطالة ونقص الخدمات وخاصة في الإحياء الفقيرة وبالمقابل ثراء فاحش وفارق طبقي شاسع ، بين ما هو قريب للسلطة والعائلة الحاكمة ، وما هو بعيد عنها ومن عامة الناس .... بالتأكيد سوف يوجج المشاعر والمآثر ، ويثور الناس ضد الحاكم الظالم والجائر وحتى لو كان مسلما حنفيا .

هكذا توجت التظاهرات العارمة ، والتي كان فتيلها رجل مهمش خريج جامعة لم يجد له عملا يدر عليه دخلا ليعيش كانسان كريم ... عمل ( جمبر) بسطة صغيرة يبيع فيها السكاير واللبان وحلويات الاطفال ، وقطع الكعك ... الإ ان اجهزة امن النظام لا تريد ولا تسمح بذلك بل تريد ان تذل هذا الانسان وفعلت عملت على تكسير بسطته ورمي سلعه البسيطة في عرض الشارع، تعبيرا عن غطرستها وشراسة قوتها والتي تستمدها من سياسة السلطة القمعية . والنتيجة وتعبيرا عن الإحباط والخلاص من الذل والاهانة حرق هذا الشاب نفسه ليتخلص من اضطهاد السلطة له . وهكذا كانت الفتيلة التي أشعلت هذه التظاهرات العارمة والمستمرة والتي شارك فيها ، كل من له غيره على شعبه ووطنه وكرامة وحقوق الإنسان ... وكل إنسان وطني وحر، شعر انه معني بهذه التظاهرات والمشاركة فيها ، لكي يكون له دور ملموس فيها وتحويلها الى قوة كبيرة مؤثرة في مجريات الأمور ، وبالتالي المساهمة الفاعلة في صناعة المستقبل الذي يريده لنفسه ولشعبه .
هكذا كانت جماهير تونس ، قد خرجت عن بكرة أبيها ... تصيح بصوت عالي واحد ...لا للظلم ...لا للحاكم الجائر ...لا للثراء الفاحش ... لا للرشوة والفساد الإداري والمالي ...لا للفارق الطبقي ... لا للتهميش ... لا للبطالة ... لا للفقر ...لا لهضم الحريات ... لا للمساس برموز الثقافة .
نعم للتغيير ........لتغيير رأس النظام ... بل للسلطة برمتها ... للسلطة التي لا تعرف سوى نفسها ومصالحها الضيقة .

نحن العراقيون ... نحتاج هكذا تضافر ... هكذا تضامن ...هكذا جهد مشترك ... هكذا تكافل اجتماعي ... لهذه القوة القادرة على التغيير الحقيقي لبناء دولة القانون والمساواة والعدالة الاجتماعية ، دولة الحريات ، الدولة الديمقراطية الحقيقية ، دولة احترام الإنسان وحقوقه التي كفلها الدستور ( لا يكفي دستور وقانون عادل ) بل يتطلب تطبيق عادل ، توزيع عادل لموارد الدولة ، ضمان اجتماعي يكفل حق السكن اللائق والعيش الكريم والتأمين الصحي والتعليم المجاني ، لكل عراقي عاطل عن العمل ، ولكل عراقي عاجز عن العمل ولكل أمراه لا معيل لها ولا مورد لها يكفل لها العيش الإنساني الكريم ، ولكل طفل يتيم ...بل لكل العراقيين ...لأنهم أصحاب هذه الأرض المعطاء... صاحبة الكنوز العظيمة من نفط وغاز ومعادن ، والتي تحتضن الرافدين دجلة والفرات بعطائهما الجزيل ...ومزروعاتهما المتنوعة وجبالها وسهولها الشاسعة وأشعة الشمس المانحة للحياة ... هي ارض السواد .

كفى السكوت ، اتجاه انحسار الخدمات ... وانقطاع الكهرباء والماء الصالح للشرب ... كفى للقذارة والوساخة المنتشرة في شوارع واحياء العاصمة والمدن الاخرى ... كفى للبيوت القصديرية ... وكفى لطوفان المجاري عند اقل " مطرة" يحتاجها الفلاح الفقير لكي تروي أرضه ومزروعاته ولكي يشرب منها ماء . وكفى لرداءة الخدمات الصحية ولتهميش قطاعات الشباب والعاطلين عن العمل ، والخريجين ... نقول كفى للفقر والجوع والتسول والجهل ... وكفى لهدر الأموال والفساد الإداري والمالي .... ولا وألف لا للثراء الفاحش من المقاولات الغير منتجة ، والمقاولات الثانوية ، وللمحسوبية والمنسوبية فيها ... وكفى للرواتب العالية للمسئولين من رؤساء و وزراء ونواب ومجالس محافظات ومدراء عامين ، وألوية وأجهزة أمنية .

هل يعقل في العراق من يأخذ رواتب أكثر من راتب رئيس ، ووزير ونائب... أغنى وأقوى دولة في العالم ومن رئيس وزراء اكبر دولة في العالم ...!؟
وبلدنا ينوء 30% من شعبة تحت خط الفقر ... وفيه 5 ملايين يتيم وأكثر من امرأة أرملة لا معيل ولا مورد لها ... وبطالة أكثر من 27% من القادرين على العمل ... عجيب أمور قضية.
مطلوب ألان من كل عراقي شريف وله غيره على وطنه وشعبه ، ومن قوى شعبنا الحية ومن أحزابنا الوطنية ومنظمات المجتمع المدني ، من نقابات واتحادات وجمعيات وروابط ونوادي اجتماعية ، ومنظمات حقوق الانسان .... أن تصيح وبأعلى صوتها ...كفى التهميش وعدم سماع مطالب الشعب ... كفى اللآمبالات ... للنقد البناء ... العمل من اجل تحسين أحوال الناس المعاشية ، وخاصة ذوي الدخل المحدود والمتوسط ... العمل من اجل تخليص الشباب الخريجين والعاطلين عن العمل ، من خلال توفير فرص العمل من عبر المشاريع الاستثمارية والتنمية الاقتصادية للقطاعات الصناعية والزراعية والخدمية والإسكان وإعادة البنى التحتية المدمرة ... العمل من اجل كهرباء مستمر وماء نظيف سوية بالبلدان الغنية ...شوارع نظيفة ومجاري صرف صحي سليم ...وتربية بعيدة عن الطائفية والعرقية والدينية والمذهبية ... تربية وتعليم ، يؤهل الخريج من يركب قطار المعرفة والعلوم والتكنولوجيا الحديثة ويصل الى القمر والمريخ ويغور في اسبار الكون وفي باطن الأرض لكي يخدم شعبه ووطنه ويجعله في مصاف دول العالم المتقدم .

الدرس البليغ الذي على الحكومة والبرلمان تعلمه ... هو سماع أصوات الناس المطالبة بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية والديمقراطية والحريات العامة والخاصة ، والتوزيع العادل للثروات الوطنية التي هي ملك كل الشعب ، وليس لفئة قليلة منه تستغل موقعها في السلطة والدولة .

اليوم في تونس قلبت الطاولة على رؤوس مضطهدي وسارقي قوة الشعب ... وغدا في شمال أفريقيا وبعض دولها ...وستطال بالتأكيد بلدان عربية وشرق أوسطية أخرى ... تحديا للظلم والقهر والجوع والجهل .

والدرس موصول لشعبنا العراقي ومنظماته المدنية وأحزابه الوطنية وقوى الحرية والسلام والديمقراطية ، بالتكاتف والتضامن والوحدة ولم الصف من اجل تعزيز النضال من اجل بناء عراق ديمقراطي حر .... يسود فيه الدستور والقانون والحريات والديمقراطية الحقيقة .

 

لآهاي/هولندا
 

free web counter

 

أرشيف المقالات