| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 17 / 12 / 2013

 


ذكــــــــــــــــــرى عطــــــــــــرة .. وتأريــــــــــــــــخٌ مجيــــــــــــــد

شهيد اضراب سجن بعقوبة عام ( 1953 ) .. الشيخ حسين الساعدي

نجية الشيخ حسين الساعدي
أم بشرى

لمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي , لابد لنا من أستذكار الكوكبة الخالدة من فرسان النضال الوطني العراقي , شهداء الحزب الشيوعي على مدى العقود الثمانية من تأريخه المجيد , أولئك المناضلين الذين ضحوا بحياتهم من أجل الغد المشرق لشعبنا العراقي الكريم , وفاءا لدمائهم الزكية وتخليداً لذكراهم العطرة في نفوس الأجيال السائرة على نهجهم الوطني السليم .

ولد الشهيد الشيخ حسين الشيخ مهدي الساعدي في العام ( 1912 ) في العمارة, وأنتقل بعد سنوات قليلة رفقة والده رجل الدين الشيخ مهدي الساعدي الى مدينة ( خانقين ) التي أمضى فيها طفولته وباكورة شبابه , حيث عمل محاسباً في أحد محلاتها التجارية , وكسب ثقة وأحترام المحيطين به لأمانته ونزاهته وحسن أخلاقه , حتى أطلقوا عليه (حسين الأمين) , ولم يترددوا في قبول نسبه وهو ابن العمارة , فكان زواجه من أحدى بنات عائلة محترمة من مدينة خانقين , قبل أن يعود الى مدينة العمارة مع عائلته في مطلع الاربعينات وسط أجواء القهر والظلم الذي كان يمارسه الاقطاعيون , ذراع السلطة الملكية وأدوات المستعمر البريطاني في عموم أرياف العراق , على الفلاحين الفقراء شغيلة الارض الأجراء اللذين ينتجوا الخيرات ويعيشون على الكفاف , فكان ذلك هو المنعطف الأول في حياته باتجاه الفكر الشيوعي لتحقيق العدالة الأجتماعية والكرامة الأنسانية المهانة من قبل الاقطاعيين والسلطات الداعمة لهم .

لقد رأيت بأم عيني أحدى صور جبروت الاقطاع في ذلك الزمن , فقد حدث أن فاضت مياه النهر وغمرت جزء من أراضي أحد الاقطاعيين , فما كان منه الا أن يأمر سركاله بصف عدد من الفلاحين على أجساد بعضهم البعض للتخفيف من جريان المياه المتدفقة الى أراضي الاقطاعي لحين اكمال بناء السدة الترابية وكأنهم أحجار بناء خالية من الروح الانسانية ! .

وسط هذه الأجواء غادر الشهيد الشيخ حسين الساعدي في العام 1941 الى بيروت للعلاج , لتشكل سفرته هذه المنعطف الحاسم في تأريخه الشخصي والسياسي , حيث التقى هناك بمجموعة من الرفاق الشيوعيين العراقيين واللبنانيين ووجد معهم ضالته الفكرية التي مهدت الطريق لانتمائه للحزب وحصوله على العضوية خلال السنوات الثلاث التي استغرقها علاجه , ليعود في العام ( 1944 ) الى العمارة معافى ومكتنزاُ بالفكر الماركسي التنويري والحماسة الوطنية المتدفقة .

بعد عودته من بيروت , أرتبط الشهيد بمنظمة الحزب في مدينة العمارة , وكان ضمن الهيئة المؤسسة ل ( حزب التحرر الوطني ) و( جمعية أصدقاء الفلاحين ) كوجه أجتماعي بارز , وقد أستثمر علاقته الواسعة بجموع الفلاحين والكسبة والمعلمين والطلبة , من خلال ( محل بيع التبغ ) الذي يديره وسط المدينة , واستطاع كسب العدد الكبير منهم للعمل في صفوف الحزب , بما يتمتع به من هدوء وتفاؤل ونكران ذات جعلته قريباً من قلوب رفاقه وعموم المحيطين به, يبث فيهم روح التفاني ويزيد من مستويات المشاركة في العمل الوطني ويحرضهم ضد ظلم الاقطاع والحكم الجائر , مستغلاً جميع المناسبات الجامعة للناس , ومن بين ما أتذكره عنه كان يردد على أسماعنا في الأعياد هذه الأبيات البليغة :

أنا لا أعرف عيداً غير تحرير بلادي     ونجاتي بنجاة الشعب من كل اضطهادِ
ان عيداً لم أنل منه مــــــــــــــرادي     ليته لا عـاد والاحــــرار في استعبادي

لقد تعرض الشهيد الى الاعتقال في العام ( 1946) , ولم يؤثر ذلك على قناعاته الراسخة بالفكر الذي آمن به ولم يزيده الا اصراراً على مواصلة نضاله بهمة عالية أهًلته لقيادة التنظيم في مدينة العمارة في خريف العام ( 1948 ) , وقد رافق ذلك ظروف صعبة نتيجة الهجمة الشرسة للنظام على الحركة الوطنية عامة والحزب الشيوعي خاصة , وتزامناً مع أنتفاضة فلاحي ( آل ازيرج ), شنت السلطات في العمارة حملة أعتقالات شملت (10) ناشطين كان الشهيد من ضمنهم , فقرر المعتقلون الاضراب عن الطعام , وأنطلقت مظاهرات مؤيدة لهم ومطالبة باطلاق سراحهم شاركت فيها عوائلهم وجموع مساندة من النساء , أضطرت السلطات على اثرها أطلاق سراحهم , وهو أختبار أول لعلاقة الشيوعيين بشعبهم , فقد كان وما يزال الشباب المنضوي تحت رايات الشيوعيين في العمارة وباقي المدن والارياف العراقية يمثل خيرة من يتصف بالاخلاق والتفاني والحرص على ما يؤتمنون عليه والوطنية الصادقة , وليس عبثاً أن يكون رفاق والدي الشهيد في تلك الحقبة من الاسماء المحترمة في مجتمع العمارة ومنهم , الشهيد الرفيق ستار خضير , المناضل الراحل الرفيق عبد علوان , المناضل الراحل الرفيق حسون ملا رجي , والرفيق عباس جبار , والرفيق سامي أحمد عباس , والرفيق ستار زبير والرفيق موسى نور وغيرهم الكثير مما لا تسعفني الذاكرة به الآن وارجو ان يتقبلوا اعتذاري , هذه النماذج من الرفاق المخلصين للحزب والمتفانين من اجل مستقبل أفضل لشعبهم , هم وغيرهم الذين تصدوا لخيانة ( مالك سيف ) التي تسببت في توجيه ضربة مؤلمة لتنظيمات الحزب لكنها فشلت في تحقيق هدفها المرسوم في تصفيته , انني اتذكر الى الآن مبادرة والدي الشهيد بالاتصال بالرفاق حسون ملا رجي ومله زغير , وكان القرار أن ( نستمر ونثبت ونعيد كيان المنظمة من جديد ) , فكان لهم ما ارادوا وعادت المنظمة وخطوط تنظيماتها بثقة عالية واصرارعلى مواصلة النضال .

عند انطلاق أنتفاضة تشرين عام ( 1952 ) , تضامنت معها الجماهير في العديد من المدن العراقية ومنها مدينة العمارة , التي أنطلقت فيها تظاهرات صاخبة استشهد خلالها الرفيق ( حسن صبيح العلاق ) , وقد جرت على أثر ذلك حملة اعتقالات وتفتيش عثرت خلالها السلطات في محل والدي على كراس ( الانجاز ) , وقد حكم عليه في حينها بالسجن ثلاث سنوات وفق المادة ( 86 أ) رغم انكاره عائدية الكراس له , فكان سجن الكوت محطته الاولى ثم نقل الى سجن بغداد وبعدها الى سجن بعقوبة ليودع في ( زنزانة انفرادية ) رغم اعتلال صحته .

لقد تسنى لي زيارة والدي الشهيد مرة واحدة في سجن بعقوبة , ولازلت أتذكر حرصه على رفع معنوياتي وحثي على مواصلة النضال من أجل سعادة شعبي واستقلال وطني , وقد كان يردد على مسامعي ( نشيد السجن ) :

بؤس ُ شعبنا .. باعثٌ بنا .. صدق عزمنا .. في نضالنا .. نحن لا نهاب .. شنقاً ولاعذاب ..

ونتيجة للاجراءات التعسفية التي اتخذها مدير سجن بعقوبة ضد السجناء السياسيين , حيث أمر بأرتدائهم بدلات سجن مختلفة عن سواهم من السجناء وربط أرجلهم بسلاسل حديدية وأمر أن تكون مواجهتهم لذويهم أثناء الزيارات من خلف القضبان , قررت منظمة الحزب في السجن اعلان الاضراب عن الطعام اعتباراً من تأريخ ( 26 -7- 1953 ) , ومع أن المنظمة أستثنت الشهيد من المشاركة في الاضراب لسوء حالته الصحية , الا أنه أبى الا أن يشارك رفاقه الاضراب , رافضاً الامتثال للقرار ومفضلاً الشهادة بشرف وسط رفاقه في الثالث من آب عام 1953 , في الوقت الذي كنت فيه معتقلة في سجن النساء, بعد توزيعي بيان ( رابطة المرأة العراقية ) لنصرة السلام العالمي .

في أحتفالية أقامها الحزب بمناسبة يوم الشهيد الشيوعي , قدم لي الراحل الرفيق زكي خيري باقة ورد بالمناسبة وحرص أن يذكر خلالها بعضاً مما تختزنه ذاكرته عن ظروف استشهاد والدي حيث قال لي , ( لقد كان أبو علي بطلاً, حيث طلبت منه أن يفطر قبل تحقيق مطالب الاضراب خوفاً عليه , فاجابني وماذا سيحدث لي , فقلت قد يتسبب استمرارك باستشهادك , فرد بقناعة وأصرار أموت لتتحقق مطالب رفاقي , هذا هو والدك الشهيد يا أم بشرى ) .

لقد رحل الشهيد الشيخ حسين الساعدي مكللاً بالغار الذي يستحقه , وفياً لمبادئ العدالة التي آمن بها وناضل من أجل تحقيقها لعموم شعبه , وستظل سيرته وذكراه تستحق الاحترام من رفاقه الأمينين على مواصلة الطريق الذي أختاره من أجل الغد الأفضل لشعبنا العراقي الكريم .

المجد والخلود لشهداء الحركة الوطنية العراقية

المجد والخلود لشهداء الحزب الشيوعي العراقي

الذكر الطيب للشهيد الشيخ حسين الساعدي

والخزي والعار للخونة والجلادين واعداء الشعوب



ستوكهولم في 17-12-2013





 

free web counter

 

أرشيف المقالات