| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 17/7/ 2012

 

الذاكرة وصبيحة الرابع عشر من تموز 1958

فاضل فرج خالد/ ستوكهولم

من الامور التي وقعت محض صدفة هي ان طبيب جراحة المجاري البوليةالمقيم في المستشفى الملكي في بغداد كان قدد حدد يوم الاثنين 14/7/1958موعدا لاجراء عملية جراحية لي لاستخراج حصاة مستقرة في حويض كليتي اليمنى , عندما زرته في مقر عمله في نهاية الشهر الخامس من العام المذكور يومها كنت طالبا في السنة الثالثة من دراستي في كلية التربية برفقة طالب يعرفه وهو زميل من كلية الحقوق والذي تعرفت عليه بحكم عضويتي في ذلك العام في اللجنة الاتحادية التي كانت تدير نشاط (اتحاد الطلبة العراقي العام) سريا في كلية التربية والتي كان من نشاطاتها التزاور بين القيادات الاتحادية والوجوه الطلابية البارزة للكليات المختلفة في بغداد .وبعد انتهاء السنة الدراسية 1957-1958 عدت الى المدينة التي تعيش فيها عائلتي (وهي مدينة المدحتية احدى النواحي التابعة لمحافظة بابل) انتظارا للموعد المذكور .

و عصر يوم 13/تموز/ 1958 سافرت وبصحبة اخي الاكبر الى بغداد ونزلنا في (فندق الامين) القريب من ساحة الرصافي حاليا ، تمهيدا للالتحاق بالمستتشفى في اليوم الذي يليه وهو 14/7 لاجراء العملية الجراحية لاستخراج الحصاة الكلوية. وعند صبيحة اليوم االموعود اي 14/7 اسيقظت مبكرا كعادتي وامضيت وقتا في قراءة كتاب لرواية ( شارع السردين المعلب) كنت قد احضرته معي، وبعد حوالي ساعة من الزمن اي بعيد السادسة صباحا ذهبت الى صالة الفندق واذا بي ارى جمهرة من نزلاءه قد تحلقوا حول راديو تلك الصالة وكان ساعتها استمعت معهم الى صوت من شخص ليس بمذيع وهو يقول(بعد الاتكال على الله وبمؤازرة اخوانكم في قواتنا المسلحة الوطنية تم ازالة الطغمة الحاكمة التي نصبها الاستعمار....الخ  .

وبعد ان تمت قراءة البيان المذكور تعالى تصفيق المتجمهرين حول الراديو واخذ كل واحد منهم ينادي بانه قد حصلت ثورة قام بها الجيش وازيلت الملكية وتحول العراق الى جمهورية وبعدها استمعنا الى بيان بتعيين الوزراء وعندما سمعت اسم الاستاذ الدكتور ابراهيم كبة قد تم تعيينه وزيرا للاقتصاد تيقنت ان الحكم اصبح وطنيا لمعرفتي السابقة باسمه الذي كان يتردد بين الاوساط التقدمية كخبير اقتصادي مرموق وذي اتجا ه فكري تقدمي .

وبعد ان تناولنا فطورنا في احد المطاعم القريبة من الفندق في شارع الامين ،شاهدت ان الشارع المذكور بدأ يعج بجماهير المواطنين قادمين من المناطق القريبة للشارع ك (ابي سيفين وقنبر علي وشارع غازي وغيرها من المناطق الاخرى) وكان البعض منهم يحمل صورة جمال عبد الناصر وبعدها تقدمت مظاهرة منظمة تحمل لافتة خط فيها على عجل وبلون احمر عبارة (تحيا الجمهورية) والكل يهتف ويمجد التغيير الثوري الكبير الذي حصل في الوطن ،وهكذا بدت الجموع المتظاهرة يزداد عددها والكل متجه صوب جسر الشهداء للعبور الى صوب الكرخ فاندفعنا انا واخي مع الجماهير الزاحفة في ذلك الاتجاه حتى وصلنا الى فندق (تاج الكرخ) وشاهدنا في شرفة (فندق النجوم) المجاور له قد علقت جثة شخص ابيض البشرة يمازجها لون احمر والجميع يقذفه بالحجارة ولما سألت من سبقني الى المكان عن الشخص هذا، اجاب انها جثة الوصي وولي العهد قد علق هنا بعد ان اخذته الجماهير الغاضبة عنوة من السيارة العسكرية التي خصصت لنقله تمهيدا لدفن الجثمان

وعندها حان موعد ذهابي الى المستشفى طبقا الى ما تم الاتفاق به بين الطبيب الجراح وبيني كما ذكرت آنفا وبصعوبة بالغة استطعنا شق طريق العودة باتجاه المستشفى الملكي مرورا بشارع الرشيد وساحة الميدان وبوابة وزارة الدفاع وكانت الجموع في تلك المواقع التي مررنا بها تهدر مؤيدة للثورة الوليدة .

وبعدها وصلنا الى ردهة (جراحة الكلية والمجاري البولية) حيث ان المستشفى يقع قريبا من وزارة الدفاع وقصدت الطبيب الجراح ولما قابلته طلب مني ان ارقد في الردهة تمهيدا لاجراء العملية الجراحية التي سبق وان اتفق معي على اجرائها، فنظرت الى الطبيب الجراح مبتسما طالبا منه تأجيل العملية الى وقت آخر ليتسنى لي مشاركة الشعب افراحه بانتصار ثورته الفتية ولكنه اجاب : ولكن يجب ان تضع في حساباتك ان التأخير ليس في صالحك ولكن اصوات الجموع وهي تهتف للانتصار الكبير جعلني اغض الطرف عن تحذير الجراح فاعتذرت له وخرجت مودعا له، وفعلا كانت كليتي اليمنى هي ( اضحية الثورة ) حيث بعد عامين اي في تموز 1960 وجد الجراح الدكتور( طلال ناجي شوكت) الذي اجرى العملية ذاتها في مستشفى (فيضي الاهلي) ان الحصاة قد كبرت وازداد حجمها ونتواءاتها الشوكية مما سبب ذلك تلفا كبيرا للكلية وهكذا خسرت كليتي اليمنى لاشارك الشعب فرحته الكبرى وبقيت طيلة حياتي الباقية بكلية واحدة هي اليسرى  .
 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات