| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 17/3/ 2008

 

قناة الجزيرة ......واحترام الرأي الآخر

قحطان المعموري‏

اعتادت القنوات الفضائيه ـ العربيه منها تحديدا على اطلاق التوصيفات والشعارات الخاصه بها بغية جذب المشاهد العربي الى شاشتها وإيصال خطابها الاعلامي وتوجهها الأيديولوجي اليه، فهذه القناة تصف نفسها بقناة الحقيقه وتلك بقناة المعرفه والأخرى بقناة الديمقراطبه ...وهكذا .إلا ان هذه التوصيفات لا تنطبق بالضروره على الموصوف واعني القنوات لأنها ببساطه شعارات لا تخرج عن تلك التي إعتاد المواطن العربي على سماعها واجترارها من قبل الانظمه الديكتاتوريه ومؤسساتها منذ عقود عديده خلت ولم تجد لها صدى حقيقيا على ارض الواقع،او انها تشبه الى حد بعيد اسماء الافراد التي لا تنطبق على شخصياتهم في واقع الحال ، فهذا اسمه صادق وهو الكذاب الأشر وذاك اسمه شجاع وهو الجبان المجرب .
قناة الجزيرة، تلك القناة المثيرة للجدل شعبيا ورسميا رفعت ومنذ تأسيسها عام 96 شعارها المعروف ـ الرأي والرأي الآخر ـ مستغلة الفراغ الأعلامي الكبير في المجتمع العربي انذاك وتوق المشاهد العربي الى اعلام يختلف كليا عما هو مألوف وسائد في الاعلام الحكومي السائد الهادف الى تلميع الانظمه الديكتاتوريه العربيه وتمجيد قادتها. ولابد من الأعتراف بأن الجزيره قد نجحت بداية والى حد كبير في كسب المشاهد العربي واصبح لها مساحه واسعه في الاوساط الشعبيه بل حتى الحكوميه التي اخذت تحاول التقرب اليها بهذه الطريقه او تلك لكسبها الى جانبها وتلميع صورتها امام المشاهد العربي، وقد اعتمدت القناة في نجاحاتها تلك على امكانيات ماديه كبيره مدعومه من قبل دوله غنيه وعلى امكانيات وخبرة العاملين فيها والتي اكتسبوها من عملهم السابق في اكثر من قناة واذاعه اجنبيه وفي المقدمه اذاعة بي بي سي البريطانيه وعلى تناولها الاحداث الدوليه من الداخل عن طريق مراسليها المنتشرين في شتى ارجاء المعمورة او من خلال فتح الملفات السياسيه والاجتماعيه والاقتصاديه الساخنه وتعرضها الى مواضيع مهمه ذات مساس مباشر بالمشاهد العربي والانظمه السياسيه على حد سواء مثل الديمقراطيه وحقوق الانسان والفساد الحكومي والتعذيب واضطهاد المرأة ومناقشة كل ذلك بشكل جرئ مما عرضها الى تقاطعات كثيره مع عدد من الحكومات العربيه والاجنبيه حيث اغلقت مكاتبها في اكثر من بلد عربي وتعرض عدد من مراسليها الى الملاحقه او الاعتقال وبتهم مختلفه . إن السؤال المهم المطروح هنا في هذا السياق هو هل التزمت قناة الجزيره بشعارها الأخاذ الرأي والرأي الآخر؟ وهل استطاعت القناة ان تنأى بنفسها عن الاتجاهات السياسيه السائده في المجتمع العربي وانعكاساتها على الوسط الاعلامي العربي؟
إن الأجابه على هذا السؤال تتطلب مراجعه شامله وموضوعيه لبرامج الجزيره وسياستها الاعلاميه بشكل عام وهو موضوع لا يتسنى لمقاله القيام به لكنني سأتناول برنامجا مهما من برامجها طبع القناة بطابعه وهو ـ لو اريد له ذلك ـ تعبير حقيقي لشعار القناة الرأي والرأي الآخر، واعني به برنامج الاتجاه المعاكس لمقدمه المثير للجدل ايضا فيصل القاسم وبحـلقته المعروضه يوم الرابع من اذار حيث استضاف فيه الاستاذ طلعت رميح ممثلا الرأي الاول ـ وهو رأي الجزيرة ـ والدكتورة وفاء سلطان ممثلة للرأي الآخر. وكما عودنا البرنامج ومنذ سنين عديده فقد كان استفزازيا وعاصفا ومثيرا بفضل اسلوب مقدم البرنامج التحريضي البائس الذي يفتقد ابسط مبادئ الحوار المتمدن. إلا ان الغريب في الأمر هو اعتذار الجزيرة فيما بعد عما ورد في البرنامج وعدم اعادته ورفعه من موقع الجزيرة الالكتروني. وبغض النظر عن اختلافنا او اتفاقنا مع الدكتوره وفاء سلطان في هذا الجانب او ذاك فان هذا الاعتذار غير المسبوق يمثل في حقيقة الامر تراجعا كبيرا في موضوع احترام الرأي الاخر الذي دأبت الجزيرة على التشدق به ليل نهار ولسنين عديده، اضافه الى انه مصادره لرأي الباحثه التي اعتقدت ـ وهي واهمه ـ بأنها ستشارك في حوار حضاري متمدن ومن على شاشة قناة عربيه كبرى تتخذ من احترام الرأي الآخر شعارا لها وهي ناسيه اومتناسيه من ان شعاراتنا نحن العرب في عالم والواقع المعاش في عالم اخر.
إن رأي الباحثه ليس بجديد لا على المشاهدين العرب ـ المتابعين منهم للشأن الثقافي خصوصا ـ ولا على قناة الجزيرة والتي هي بداهة على بينه مما يدور في الوسط الثقافي كما ان الدكتوره وفاء سلطان ليست نكرة ثقافيه ممن تمتلئ بهم مواقع الانترنيت بل هي باحثه وطبيبه نفسيه ومثقفه عربيه ومتابعه نشيطه ومساهمه في الحوارات الثقافيه العربيه بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف مع خطابها الثقافي والفلسفي . وحيث ان ترتيبات اعداد البرنامج وحسب العديد ممن ساهموا فيه سابقا يتم في عنايه فائقه ابتداءا من طرفي الحوار مرورا بالمتصلين وانتهاءا بنتيجة التصويت المعروفه نتيجتها سلفا ، وعليه فأن احد الاحتمالات القائمه هو ان دعوة الباحثه الى البرنامج لم يكن محض صدفه بل ربما يكون محاوله لاحراجها ووضعها في زاويه ضيقه من خلال ممثل الرأي الأول ومقدم البرنامج ايضا بأسئلته الاستفزازيه وغير المؤدبه احيانا، الا ان الباحثه كانت على درايه وفهم لما يدور في اروقة البرنامج وهي التي كانت تواجه محاوريها من مسافه بعيده جدا لكنها كانت ثابته في ارائها جريئه في طرحها فانه وهي كما يقول المثل الشعبي ـ اتغدت بيهم قبل ان يتعشوا بيهه ـ

صحيح ان الباحثه قد تجاوزت الخطوط الحمراء فيما هو ديني واثارت اراء استفزازيه لما هو سائد في الوسط الديني الشعبي ، ولكن اليس الهدف من دعوتها هو لعرض ارائها المعروفه للجميع والتي تمثل الرأي الآخر حسب تصنيف البرنامج ومن ثم تفنيد هذه الآراء ـ كما هو مخطط سلفا ـ من قبل الرأي الأول ومقدم البرنامج على حد سواء ؟ ام ان القناة والقائمين على البرنامج كانوا يتوقعون ان تعلن الباحثه ـ المرتده ـ توبتها من على شاشة الجزيره لينالوا من ورائها خير الجزاء والاحسان، لكن يبدو بأن السحر قد انقلب على الساحر كما يقال حيث ظهرت الباحثه قويه متماسكه واثقه من نفسها وافشلت ما اعد لها .

ربما يتحجج البعض من مؤيدي الرأي الأول بأن اعتذار الجزيره كان واجبا لأن الباحثه قد مست قدسية التعاليم الدينيه، لكن لما لا يسري هذا الاعتذار على ما عرضته الجزيره سابقا من حفلات الذبح الأسلامويه في العراق على يد الارهابيين ؟ الا تمثل هذه الافعال اساءه بالغه للدين الاسلامي والمسلمين؟ لما لا تعتذر الجزيره عما يدلي به البعض من فتاوى بائسه ومن على شاشتها تحديدا لتكفير وهدر دم هذا الطرف او ذاك؟ لما لا تعتذر الجزيره عن الاساءات التي اطلقت على مرجعيه كبيره لطائفه كبيره واعني بها السيد السيستاني ومن على نفس البرنامج المذكور،ام ان السيستاني ليس مسلما بالصيغه التي تراها الجزيره وليس عربيا بأى حال من الاحوال؟ لما لا تعتذر الجزيره من العراقيين حين ابدلت اللازمه الموسيقيه لنشرات اخبارها اليوميه يوم مقتل شيخ الارهابيين وكبير الذباحين بموسيقى جنائزيه توحي بالحزن بقيت ملازمه لصورته الكالحه يوما كاملا وربما اكثر ام ان دم العراقيين اطفالا ونساءا وشيوخا ممن هدرها الزرقاوي وعصاباته رخيصا ام انهم مسلمين من الدرجه الثانيه لانهم لا يتناغمون مع شيوخ الجزيره وفتاواهم ؟

ما اعتقده وهو احتمال وارد من ان هناك صراعا خفيا يدور في اروقة الجزيره ، ويحك هذا الصراع التوجهات الفكريه والايديولوجيه للعاملين فيها ،فالمعروف ان الاتجاهين القومي والاسلاموي المؤطر بطائفيه واضحه والمدعوم من اوساط دينيه محليه ودوليه هما اللذان يسيطران على ادارة القناة وقد برزت هذه السيطره من خلال تسلم وضاح خنفر ذو الامتدادات الاخوانيه رغم خبرته المتواضعه في الاعلام ، كما تبرز هذه السيطره جليا من خلال تعامل القناة مع مختلف القضايا العربيه والاقليميه والدوليه والتوجه الاخباري العام لها. فموقف الجزيره من العمليه السياسيه الجاريه في العراق ومنذ سقوط النظام الديكتاتوري كان ولايزال سلبيا ومنطلقا من مواقف مسبقه والسبب هو ان لاعبي هذه العمليه الاساسيين هم من طائفه معينه وقوميه اخرى غير عربيه وصلوا عن طريق انتخابات ـ رغم تحفظنا على الاداء ـ ، كما يبرز موقفها الداعم للمعارضه اللبنانيه على حساب الموالاة لعلاقة الاخيره مع السعوديه،اضافة الى دعم حماس والجهاد الاسلامي وابرازهم اعلاميا على حساب السلطه الفلسطينيه ولنفس السبب السابق ،والتلميع المستمر لجماعة الاخوان المسلمين في مصر والاردن وغيرها من البلدان العربيه. ويبدو ان هناك اتجاها علمانيا بدأ ينمو في القناة لاسيما وان هناك العديد من العاملين ممن تخرجوا من جامعات اوربيه وعملوا في قنوات واذاعات اجنبيه ولا يمكن استثناء فيصل القاسم نفسه من هذا الاتجاه حيث يبرز ذلك جليا في مقالاته المنشوره في الصحافه والمواقع الالكترونيه. وربما كانت استضافة الباحثه وفاء سلطان اولى بوادر هذا الاتجاه وهي بمثابة بروفه اولى وجس نبض لرد فعل القناة ومشايخها ازاء ذلك. إلا انه وللأسف الشديد تم وأده في الحال لقوة الاتجاهين الرئسيين في القناة ،واصبح فيصل القاسم الخاسر الرئيسي في الموضوع فهو وكما يقول المثل كاليتيمه التي ولدت بنتا فهو من جهه ينتمي الى الطائفه الدرزيه التي تضمر لها مرجعيات الجزيره العداء اسوة بالطوائف الأخرى ومن جهه اخرى ـ وحسب رأيهم ـ يحاول تسويق الخطاب الذي يلامس المقدسات الاسلاميه من خلال برنامجه ذائع الصيت وهو ما لا تغفره له تلك المشايخ فكان لابد من تنبيهه واجباره على الاعتذار .

إن اعتذار الجزيره قد كشف وبشكل واضح مدى معاداة الجماعه المهيمنه على القناة لاي رأي لا يتناغم مع ارائهم وتوجهاتهم الفكريه وهو رضوخ فعلي لوثيقة تنظيم عمل الفضائيات التي اتفق عليها وزراء الاعلام في الحكومات العربيه بعد ان ضاقت هذه الحكومات ذرعا بما يطرح في الفضائيات ضمن هامش الحريه الضيق من ملفات ساخنه تحرجهم امام شعوبهم المغلوبه على امرها. انه ببساطه المسمار الاخير في نعش شعار الرأي والرأي الآخر الذي ترفعه الجزيره بحق او خير حق والذي آن الاوان لاستبداله بشعارـ الرأي الواحد اولا واخيرا ـ .


 

Counters

 

أرشيف المقالات