| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 17/1/ 2010



العراق والديمقراطية

محمد حسن صبيح

ان مجرد نظرة سريعة لطبيعة المكونات السياسية المؤثرة في نظام الحكم الجديد في العراق بشقيه الاقليمي والاتحادي ، والذي تحقق بفعل انتخابي تتأكد لنا ملامح واضحة تكشف لنا عن لون تلك المكونات وطبيعتها . ان مجمل تلك الاحزاب والكيانات ان لم تكن كلها، تفتقد الى رؤيا واضحة لطبيعة العمل الديمقراطي واصوله وقوانينه ، ليس لانها حديثة العهد بمثل تلك التجربة وليس لان العراق لا يمتلك ارثا ديمقراطيا حقيقيا يمكنها الاعتماد عليه، وليس لان الديمقراطية الحقيقية بشكلها الغربي تحديدا غير مألوفة بالمنطقة عموما، لكن الامر يتعلق في جوهر تلك الاحزاب وبرامجها السياسية ومنطلقاتها الفكرية غير المؤمنة بالعمل الديمقراطي والاقتصاد الحر ولا حتى بالتداول السلمي للسلطة. هذا الامر معروف للجميع ، انها احزاب شمولية مهما تظاهرت بالديمقراطية فلأن ذلك يخدمها في القبض على زمام الحكم وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية شخصية لمنتسبيها ثم نشر نفوذها وتأثيراتها على الناخب وهي مستعدة للذهاب لهذا الشوط الى ابعد مدياته ولنا في تجربة الجعفري وتعطيله للعملية السياسية مثلا في ذلك ، والاطراف الحكومية الحالية وسعيها لتحقيق النجاحات الانتخابية ولو على حساب تعطيل النمو والاستمرار بالعملية السياسية والبناء وايجاد الحلول للمشاكل المزمنة! وماهيمنة الحزبين الكرديين وتوافقاتهما على السيطرة وتحقيق المكاسب الحزبية والعائلية وحتى الشخصية الا مثالا اخر على انها احزاب تنتصر لايديولجيتها على حساب الهموم الوطنية ومستقبل الشعب بشكل عام . ان مفهوم السلطة والحكم في العالم الثالث والعراق بشكل خاص ، انما يعني الاستئثار وتحقيق المكاسب المادية والهيمنة على مصائر البلد واهله وليس مسؤولية وظيفية وتكليفا قانونيا وعملا مدفوع الاجر ولزمن محدد يضمنه العقد والقانون السائدين .

لم يكن هناك معرفة كاملة وتقدير حقيقي وواقعي لحجم التخلف في العراق وعلى الاصعدة كافة ، لقد سحقت تلك الظروف الفئات الهامة والتي يعتمد عليها في أي عملية نمو وتطور ، من اساتذة وشعراء وفنانون ، جامعيون واطباء ومهندسون وكوادر مهنية علمية اخرى. لقد هاجرت معظم تلك العقول والامكانيات الى بلدان اخرى او انكفأت على نفسها وشلت امكانياتها بالعطاء ، كما برزت فئات من اللصوص والغشاشين والمرتشين وتجار المخدرات والفاشلين والوصوليين والنفعيين وبرزت تلك الفئات في اولويات السلم الاقتصادي والاجتماعي! وبهذا فقد المجتمع دالته وأضاع طريقه.

كما كان للمفاجأت السياسية، المواجهات الطائفية ، مقاومة الوجود الاجنبي عسكريا، التدخل غير المسبوق لدول الجوار وتأثيراته المدمرة كذلك ، كل ذلك اضافة الى ضعف الاستعداد على المستوى السياسي والمعرفي بطبيعة الوضع وافرازاته جعل الامور تسير بطريقة كأنها مخطط لها ، وهو بالفعل كذلك لكن هذا التخطيط قد جاء من الخصم المعادي للتغيير حتى بدا مؤثرا في سير العملية السياسية وكادت القوى الاجتماعية والسياسية المعنية بالتغيير ان تفقد مواقعها في مرحلة معينة.

لم يكن بمقدور البنية التحتية للاقتصاد العراقي ناهيك عن وضعه الثقافي والاجتماعي من الاستجابة الايجابية المطلوبة لهذا لتغيير الكبير. او الانسجام مع معالمه ومظاهره وافرازاته التي يستحيل تجاوزها. لقد اصاب هذا التغيير عمق المفاهيم والمسلمات السائدة على الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لقد بالغ الاعلام والسياسيون في تصور عمق الوعي العام للمواطن العراقي واحساسه بالانتماء والمواطنة كما جرى التهويل في الامكانيات الاقتصادية للبلد وما يمكن ان ينتظره المواطنون من مستقبل وردي زاهر جعل الكثير يحلق في الوهم ويبني احلاما لا تمت للواقع كثيرا مما اشعر المواطن بالخيبة المضاعفة والتراجع والانطواء حالما تجلت الامور فعادت بنتائج مخيبة للامال ، فلم يتحقق اي من هذه الوعود .

كان من الاصح والاجدر مواجهة الناس بالحقائق واطلاعهم على حجم الخراب الموروث وحجم الجهد الذي ينتظرهم في بناء البلد والذي لا يخلو من التضحيات والتنازلات التي قد تدوم زمنا ليس بالقصير .

من اجل كل ذلك، ما كان بالانتخابات ان تقع وفي ذلك الظرف المبكر جدا . كنا بحاجة الى مرحلة انتقالية طويلة نسبيا يتم خلالها تحقيق المستلزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للعملية الديمقراطية ولو بنجاحات محدودة تضمن انتقالا ديمقراطيا بأقل الخسائر والاضرار .

لا احد ينكر ان التغيير كان مدويا افقد الكثيرين القدرة على استيعابه وتلمس خيوطه . ان العملية التي تجري حاليا انما هي اختزال للديمقراطية ومفاهيمها فالانتخابات ليست سوى مظهرا من مظاهر الديمقراطية وهي ليست هدفا بذاتها بل وسيلة يعتمد عليها في ارساء الدعائم للمجتمع الديمقراطي الذي يبنى على اساس الكفاءة ، المنافسة الحرة في خدمة الناس ، واحترام حقوق الانسان ومعتقداته ودياناته اضافة الى حقوقه الاخرى في الانتماء السياسي ، في التعليم والعمل ، السكن، التنقل والسفر ، التظاهر والاحتجاج السلمي وغيرها من الاركان الاساسية لأي نظام ديمقراطي حر .


لندن 2010






 

free web counter

 

أرشيف المقالات