| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 17/11/ 2009



مديرية أمن بعقوبة... والهروب الى كردستان العراق
(1)

أحمد السيد علي

كانت المجموعة الاولى (1) قد طوِّقت في احدى شوارع سليمانية الخارجية من قبل جلاوزة أمن بعقوبة وهم في طريقهم الى كردستان العراق، فقد أُجبروا على الانبطاح فوق الاسفلت ،وايدهم كُبٍّلَتْ الى الخلف،وجرى إعتقالهم وأخذهم الى منظومة استخبارات الشمال في كركوك... ومن ثم الى استخبارات الكاظمية...وبعدها الى أمن بعقوبة.

كل هذا بسبب شبكة من العملاء الذين يعملون لحساب الامن...حدث ذلك في صيف 1981لم يكن في خلدهم ان رفيقهم القديم... سعد عبد عيسى (2)...و{ والوفي} ومعه شبكة (3) يعملون لصالح أمن السلطة المبادة.

كانت المجموعة الثانية (4) متأهبة للصعود الى جبال كردستان الشماء.

أبلغني سعدعبد عيسى بأن الشهيد... وليد محمد حمد... قد وصل الى كردستان ومعه مجموعة من الرفاق من البصرة الى كردستان...والحقيقة ان هذه المجموعة تمّ إعتقالهم وتصفيتهم من قبل النظام المباد.

لم يكن في خلدي ان سعد عبد عيسى يعمل لصالح أمن النظام منذ أمد بعيد دون ان نكشفه.

إتفقنا ان نلتقي في كراج الخالص في صباح الغد ونذهب الى كركوك،

فاتني ان أذكر ان سعد أخبرني بوصول المجموعة الاولى الى مواقع الانصار وهو يعلم بإعتقالهم...

كانت المجموعة الثانية أسماءها بالطبع عند جلاوزة السلطة، وكانوا يتربصوا بنا وهم جالسون في المقاهي المحيطة بالكراج،وفي ذالك الصباح الموعود...

تفاجئ سعد بإصطحابي لأحد الاشخاص (5) الذي لا يعرفه، ولا يستطيع تبليغ عناصر الامن بإسمه وهو معنا، هذا لم يكن في حساباته والامن ايضا، فثار هائجا كالثور وعاتبني.

وقال:ـ كيف تأتي به ولم نبلغ الرفاق بذلك...فأجبته انه لا يريد ان يلتحق بكردستان وإنما يريد الهرب من الحرب والعسكرية، وافق على مضض لكي لا تنكشف خطته الدنيئة.

ركبنا سيارة الاجرة التي تنقلنا الى كركوك... وفي الطريق داهمنا رجال الامن بسيارات ثلاث وطوقوا سيارت الاجرة بأسلحة متنوعة، وطلبوا بطاقاتنا الشخصية... بالاسم ، ولم يطلبوا بطاقات الشخصية من ركاب الحافلة الأُخَرْ، بإستثناء الرجل الذي جاء معي، ولعدم ورود اسمه ضمن الاسماء التي أعطاها سعد لهم فلم يستطيعوا إعتقاله ولم يستطيعوا سؤال سعد بإسمه أمامنا.

وكان هذا الرجل شاهد على اعتقالنا قبل ان يختلق سعد قصة مفبركة في بعقوبة على اعتقالنا، فقد وصل الرجل الى كركوك وعاد الى بغداد عن طريق تكريت وأَعلم ذوي القربى منا بالحادث وبتفاصيله.

في الطريق الى مديرية أمن بعقوبة سألني ضابط الامن ونحن معه في سيارة الامن عن الجهة التي نرمي السفر إليها، وكنا معصوبي العيون، ورؤسنا مطأطأة نحو قاع السيارة، فضغط سعد على فخذي وانا اجيب الضابط بأننا متوجهون الى المصيف.

كان أحد افراد المجموعة الثانية إتفق مع سعد ان يلتقي معه في اليوم الثاني من توجهنا الى كردستان العراق، ولم يَعْلَمْ صاحبنا بإننا أعتقلنا، وفي اليوم الثاني جاء اليه سعد في فندق أحمد آوى الواقع في مصيف أحمد آوى،والذي يبعد بمسافة ليست بالطويلة عن أطراف مدينة السليمانية. وفي وقت خروجهم داهمتهم قوى من أمن بعقوبة يقودها مجرم الامن عبد الصمد وجرى اعتقاله ايضا.

أمن بعقوبة.....
أدخلت في زنزانة، فارغة الاّ من النمل وجسدي المدمى ،ومصباح في السقف لا ينطفئ لا في الليل ولا في النهار، وكنت مقيد اليدين الى الخلف ومعصوب العينين، وبعد وجبة دسمة من التعذيب، توّرَم كل شئ بجسدي، واكتشفت ان ما ذكرناه لسعد هو في جعبتهم،

فقط رجل في بغداد سعد لا يعرفه وأرادوا انتزاع اعتراف عنه فأنكرت... مما زاد في وجبة اشباع غرائزهم السادية على جسدي المسكين.

كان هناك زنزانة ملاصقة لزنزانتي وتفصل بينهما باب حديدية، وأدخلوا فيها صاحبي الذي اعتقل معي، وهو ليس بأحسن حال مني،

وبعد زمن غير محسوب ، رفعت رأسي وبحذر تام، لانني لا أعرف اذا انا جالس امام الجلاوزة ام معي بعض من النزلاء الضحايا، وأبعدت جزء من العصبة، بالمكحلان بعد ان حولت يدي المقيدة من الخلف الى الامام، وتفحصت الزنزانة الصغيرة التي ستصبح مأوى لعدة شهور، وفيها شباك صغير يترقب منه السجانُ أنفاسَ ضحاياه.

همست لصاحبي من خلال الباب الحديدية التي تفصل بيننا واسترجعنا الحادث والتحقيق...

فبدا جليا تورط سعد بكل المشهد...

فكرنا بخطة للهروب او تبليغ احد المعارف بأننا هنا في مديرية امن بعقوبة... من خلال بلعنا للمسامير وموس الحلاقة وزجاج مصباح النيون... فبلع صاحبي وجرح بموس الحلاقة في البلعوم وذهب للمستشفى ولم يتسنى له الهروب او الابلاغ باسمه لأحد منتسبي المستشفى،
واما أنا فبلعت المسامير والموس وزجاج النيون فلم أصاب بشئ وكل هذه الاشياء وجدناها في زوايا الزنزانة والحمام الذي نصعد اليه يوميا،

وكنا نفتح {الكلبجة} بالمسمار ليتسنى لنا النوم ونقفلها حان مجئ السجان وسماع صرير المفاتيح،

كانوا يخرجونا الى الحمام مرتين ويقع في الطابق العلوي من المديرية التي كانت في الاصل مستشفى للحميّات في بعقوبة، الاولى في ساعات الفجر ،ويقودنا الحرّاس كالعميان وغطاء البطانية فوق رؤوسنا، والثانية عند الساعة الخامسة مساء، وفي الزنزانة هناك سطل للتبول.

وفي إحدى الليالي سمعت لغط وصياح رجال الامن، وكانوا فرحين، فتلصصت السمع من تحت باب الزنزانة وعرفت عندها ان السادات...أغتيل في مصر.

بعدها بأيام لا أذكر عددها، أتوا بصاحبنا الثالث الذي مسك في السليمانية عند ملاقاته لسعد عبد عيسى، ورموه بجانبي وكان متورمُ ايضاَ،

وكانوا عندما يأخذونا الى حفلة التحقيق والتعذيب يرشوا علينا العطور{السبريه}،لان جلاوزتهم الضباط لا يحتملوا رائحتنا...

وكنا في صراع يومي أزاء القمل الاصفر الذي ينتشر في خارطة الجسد الكثة ، وكنا نسهر طول الليل وننام في الصباح، ونسترجع ذكرياتنا ونتسابق بالشعر وعواصم العالم، وبعد أشهر جاء السجانون وجمعونا الثلاثة في زنزانة واحدة، وجلبوا المجموعة الاولى في الزنزانة الثانية، وفي الليل تبادلنا الحديث وربطنا الحادثان واكتشفنا خيوط الشبكة التي تعمل لحساب الامن من خلال تسلسل الاحداث والتحقيق .

بمرور الايام اقتربنا من السجانين صلاح ومزهر والملا ، وقاموا أحيانا بتسهيلات فتح الباب التي بيننا، وكنا نقضيها بالقراءات الشعرية وتبادل المعرفة.

وكان أثناء ذهابنا للحمام نجد على أرض السلم بعض من اعقاب السكائر وكنا نخفيها تحت البطانية التي تغطينا، فنجمع انواع بقايا السكائر الرخيصة والغالية الثمن، ولابد ان نجد عود ثقاب او بقايا علبة كبريت، وبعد عدة ايام يصبح العدد غير قليل ... فنحتفي ببقايا السكائر بعد الساعة الثالثة فجرا، يكون الحرس قد استرخوا من التعب والنعاس، فندخنها ونحبس انفاسنا دون زفيرها، فنتعرق وتصفر البشرة وتنمّل ، وننتشي بهذا الحفل الصامت.

في ليلة رأس السنة 1981-1982 جمعنا حبات التمر وعملنا مطاردة شعرية وتقريبا حفظنا كل عواصم العالم، والفائز يحصل على حبات التمر من خلال الحيز الذي يفصل الباب والحائط، وقد هَنّأنا السجانين فأستغربوا التهنئة في عيد رأس السنة وأعتبرونا مجانين.

كان الفطور عبارة عن علبة لبن صغيرة وقطعة خبز{صمونة}، أو قطعتين جبن مثلثات، وكنا نستثمر غلاف علبة اللبن المصنوع من المنيوم في الكتابة على الحائط... كذلك الاستفادة من قاعدة {الباكيت} لجبن المثلاثات من خلال جمعه لصنع اوراق اللعب البوكر...

وجمعنا كذلك عجين الصمون وصنعنا قطع الشطرنج وسَخّمنا جزء منه بقاعدة القدر المحروق الذي يجلب به طعام الغداء ليكون أسود، وكان يجلب لنا الغداء أحيانا ونسميه {بالجت} وهو بالطبع ليس سبانخ بالمعنى الحقيقي، والسبب هو يعوضنا عن عنصر الحديد، وبذلك نجحنا بعمل رقعة شطرنج على أرض الزنزانة من خلال رسمها بغلاف علبة اللبن، وبعدها قمنا بدورات شطرنجية طوال الليل، فكان بين الحين والاخر يدخل السجانون ويتفحصوا الزنزانة ، واتذكر جاء السجان صلاح وقرأ بيت من الشعر على الحائط :

سلام من صبا بردا أرق      ودمع لا يكفكف يا دمشق

فصرخ دمشقُ، كذلك كتب أحدنا البقاء للأصلع ...وكان السجان أصلع وأميّا، و كتبنا مقاطع من قصائد السياب، فنلنا قسطا من الضربات والصفعات، وأجبرنا على مسحها.

وسيأتي ذكر المجموعة الثالثة (6) التي اعتقلت بناء على عدم تحمل أحدنا التعذيب، وذكر اسمهم على اساس دعوتهم الى كردستان او الخارج ولم يستجيبوا للدعوة فأعتبروا متسترين .


(1)
المجموعة الاولى هم...الشاعر ابراهيم الخياط... الناطق بإسم إتحاد الادباء حاليا... عبد العظيم صادق كرادي... من أبطال تنظيم الداخل ونصير في كردستان...مقيم في الدنمارك... ضامر خليل موسى... مقيم في الدنمارك... الشهيد رعد عزالدين الخالدي...مزار السعدية.
(2)
المجموعة الثانية هم ...كريم ناصر ثابت... في ارض الوطن...عبدالله الهويدراوي...مقيم في السويد... وكاتب هذه السطور...مقيم في السويد أيضا.
(3)
المجموعة الثالثة...حسين هادي...طالب عبود... الاثنان في أرض السواد... عبدالكريم خزعل كرادي... نال قسطا كبير من التعذيب...مقيم في الدنمارك... كريم كربلائي...مقيم في السويد، وجرى اطلاق سراح فتاة من معهد الادارة والاقتصاد بعد اعتقالها ليوم أو أكثر وإطلاق سراح الفقيد أخو الصديق كريم كربلائي بعدة فترة من الزمن.
(4) الشخص الذي لم يعتقل ولم يعرفه سعد ويبلغ به الامن يوم الاعتقال... هو مثيل خيراله حسن...مقيم في الاردن.
(5) سعد عبد عيسى ، كان رفيقا سابقا له اقرباءمن الام {خال أو أكثر} يعملون في المخبارات العراقية في الخالص، افتعل قصة اعتقال له وظهر بعد ثلاثة ايام وادعى{ انه كان معتقل وجرى تعذيبه}، سجن في تسعينيات القرن الفائت لأسباب اقتصادية، حاول بعد سقوط النظام المجئ الى مقر الحزب الشيوعي والعمل معهم فتصدوا له بعض الرفاق، بعدها حاول فتح مقر للقيادة المركزية فلم يفلح، بعد سنوات الحرب الطائفية والتهجير والاختطاف في بعقوبة وسيطرة القتلة على بعقوبة، ظهر الان وهو يملك ثروة كبيرة ويسكن إحدى القرى الملاصقة لبعقوبة.
(6) هناك شبكة كانت متورطة وتعمل لصالح الامن، وكان مجرد ذكر اي اسم بالتحقيق يجري اعتقاله سيما اذا كان شيوعي سابق، ولكن هذه الشبكة كانت مساهمة في ايجاد مايسمى بعرف الامن وكر في الكاظمية، ومنهم من يستلم جريدة طريق الشعب، ومنهم من كان في توصيل بعض الرفاق ويسكن معهم،اتحفظ الان لذكر أسماءهم...لسبب وجداني خالص.

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات