| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 17/7/ 2011

 

أسد بابل يجلس وحيداً... والأمل مازال سراباً

د. مجيد القيسي

استضافت جمعية الصداقة العربية الألمانية في برلين ونادي بغداد الشاعر العراقي المبدع عبد الكريم كاصد في امسية شعرية. وبعد مراسيم الترحيب المتبادل بين الشاعر ومضيفيه قرأ عبد الكريم كاصد اشعاراً مختارة وقصيرة عبر فيها عن معاناته ومعاناة شعبه الجريح الذي فقد السعادة منذ زمن طويل حتى غدت آماله سراباً. لقد استخدم الشاعر "أسد بابل" رمزاً للغربة والحزن الذي يعاني منه الكثير من أبناء الرافدين الذين اختاروا المنفى مجبرين.

على بعد أمتار يجلس أسد بابل
لا مساطب تحيط به ولا أطفال...لا جنائن ولا أبراج...
وحين يمر الناس به لا يلتفتون ...يهز رأسه أسفاً مردداً جملة واحدة ...جملة لا يسمعها أحدٌ
وإن سمعها لا يعيرها انتباها...
أنا أسد بابل

وفي قصيدة "الراهب" يصف عبد الكريم كاصد محاولة أراد القيام بها لكنها بدت مستحيلة وكادت تقوده الى الهلاك والعزلة.

أردت أن أقف على البحر مثلما أقف على اليابسة
سائراً فوق حيتانه وطواطمه وقتلاه
لكنني غرقت وها أنا أقبع في زاوية البحر...

وفي جابب آخر من قصيدة"مكان" التي تبدوا وكأنها مقطعاً قصصياً يصف لنا الشاعر هول المكان و الناس والأشياء و النوافذ ووحشة المكان.

أشجار لا تسكنها لا تسكنها الطير...
والكشك المهجور هناك... ونافذة على يمين الساحة يأتيها الناس فراداً.. فراداً
وتكتظ سريعاً حين تطل الشمس
يأتي رجل من جهة السوق يداه تمران على يد الساحة
نافذة تغلق ...نافذة تفتح
رجل يجلس خلف النافذة ويصغي لحفيف الأشجار

ويبدو أن الشاعر الحزين لم يفارق" شبح ذلك الوحش" الذي ما زال يطارده. فنراه يتساءل بحرقة وألم مستغرباً مجيئه, بل نراه يحفظ أيضا سني المطاردة. فهو يرمز هنا إلى أكثر من معنى وجميع تلك المعاني لا تنوء عن الأذى بغض النظر من أين جاء.

ذلك الوحش من أن جاء وماذا يريد
ثلاثين عاماً يطاردني وأطارده
يحدق بي إذا ما أهاجره ....
جائعاً ذلك الوحش... من أين جاء

فما أصعب السعادة حين تكون "سمكة" مجهولة الحجم" ثم تصبح "قضية" وتحتاج إلى نظر وتفسير. ربما لأن الأسماك كبيرها يأكل صغيرها. أو ربما أن للشاعر قصداً آخر ضمنه في "أقوال" لاختيار المكان المناسب في المجتمع لتلافي بعض الشر.

قال الحكيم: السعادة أن تدخل بحر الناس وتصير سمكةً
قال الآخر: صغيرة أم كبيرة
قال الحكيم: تلك هي المسألة

أن الملوك تتمتعون بمناظر خلابة في حياتهم ولهم أذواق متميزة عن العامة. والأسطورة تقول لنا أن ملكاً ظهر أمام شعبه عارياً فضحك الشعب عليه لكنه استغرب ذلك وتخيل له أنه يرتدي أزهى وأجمل الألوان. لكن عبد الكريم كاصد يرى الصورة معكوسةً. " دائماً يحدث العكس".

"حين رأى الملك الشعب عارياً
قال ما أجمل الشعب في ألوانه الزاهية.
"

فمها كانت الصورة معكوسة فهي تدل على سؤ العلاقة والفهم بين الرئيس والمرؤوس.

إن سؤ العلاقة في المجتمع أيضاً مسألة أشغلت علماء الاجتماع. ولها أسبابها الكثيرة. وكذلك قضية الشعر" وتعلق الناس به. إن عبد الكريم كاصد على حق حين يشير إلى ما يكدر حياته. فقد كتب الشريف الرضي عن ذلك كثيراً

وكم صاحب كالرمح زاغت كعوبه أبى بعد طول الغمز أن يتقوّما

وكما ذكر الجواهري الكبير في قصيدة "أجب أيها القلب". والحقيقة إن هناك الكثيرين من الشعراء والفنانين العرب والأجانب الذين تكدرت حياتهم من الشعر والأصدقاء.

"شيئان كدرا حياتي أصدقائي والشعر"

ومن القصائد الجميلة التي أنشدها الشاعر في هذه الأمسية هي قصيدة" سراباد" والتي كان يصف بها رحلة طويلة و شاقة لمدينة لا وجود لها الأ في السراب. لقد كان البحث عن تلك المدينة مضيعة للوقت والجهد و خيبة أمل كبيرة انعكست حتى على وجه الشاعري عند القراءة.

سألنا في الطريق وقد قربنا من سراباد القديمة
هل نقضي الليل في هذا العراء
وأقبلت السماء نجمة أو نجمتان .
ظلالنا انتشرت وأقبلت السماء
...

ثم يمضي الشاعر متسائلاً ومستغرباً

هل جئنا لنبنى منزلاً ونقول قد عدنا
ومن الدليل إلى المدينة..
ماذا لو ندخل فلم نعثر على قبورنا وموتانا
سنرقص في السلاسل...
من هناك وراء تلك السلة السوداء
ليت أنا ما قربنا سراباد

لقد ترجمت الأشعار من قبل الفنانة المسرحية السيدة مريم عباس التي أبدعت في القراءة والترجمة.

بعد ذلك أبدى الشاعر استعداده للإجابة على أسئلة الحاضرين الذين أبدوا اهتماماً ورغبة في محاورة الشاعر ليس عن شعره فقط, بل عن العراق والبصرة مسقط رأس الشاعر وعن المربد وأخباره.

البصرة فقدت جمالها قال الشاعر وعمّ الخراب في أكثر أجزائها
أما المربد كسوق لم يبق له أثر. أما المهرجانات التي تقام اليوم تحت هذا الاسم فهي مهرجانات ثقافية ويفترض أن تكون دائمة الاستمرارية لأنها من الأمور الثقافية وتتطلب الاستقلالية ويقيمها إتحاد الأدباء العراقيين لكن السلطات كانت تحاول ولا تزال أن تجعله منبراً لها.

سمعت قصائد الشاعر باللغتين فوجدته حزينا من خلالها يبحث عن علاج لوطن لايزال ينزف دماً, لكنه لم يجد بين تلك الأشعار شفاء لذلك المجتمع الذي ألفه ولا لذلك الوطن الذي عاش وترعرع فيه. لقد حاول في قصائده شعراً وقراءة التعبير بصدق عن المحنة التي يعيش فيها وتعيش فيه مستخدما كثيرا من الرموز البدوية والحضرية للكشف عما يدور في أعماقه أو حوله من تناقض وإحباط فلم يجد علاجا شافيا حتى بدت له الحياة في العراق وكأنها خراب في خراب. وحين سألته "فهل تلك نهاية الحياة أم هناك بصيص من أمل ؟ لكن المغني الحزين ابتسم وكأنه اعتذر وأشار إلى"أسد بابل" الجريح. لكن سؤال احد الحضور الألمان جعله يفتح نافذة صغيرة من الإيضاح

"انتقلت من بلد إلى بلد وهذا يتطلب بطبيعة الحال مستلزمات العيش لزوجتي ولعائلتي وقد أثر هذا على وضعي وحياتي. وتلك هي حال كثير من العراقيين في المنفى. فاليأس والإحباط وتعاقب الحكومات جعل هؤلاء الناس يتركون أحبتهم , يتركون موتاهم. فنحن نعيش حالة من الأمل هي أقرب إلى السراب. لقد كنا نكتب في جريدة ساخرة (ربما يقصد المجرشة) عن هؤلاء الذين يحكموننا. إنه شيء لا يصدق عن السرقة والفساد.

أما عن وضع الثقافة فقال اعتقد أن الثقافة العراقية بالمعنى العام قريبة من الخراب أما بالمعنى الخاص أرى الثقافة العراقية شعرا وأدبا في هذا المجال لا تزال حيّة. فهناك شعراء في المنفى وهناك كتاب وأجيال مبدعة. وعلينا أن لا ننسى أن الثقافة العراقية رغم خصوصيتها مرتبطة بالعالم.



برلين/ 14 تموز 2011




 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات