| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 17/2/ 2013



افتتاحية المدى

منطق "الغرباء" في تحديد خياراتنا لنزع فتيل الأزمات

فخري كريم 

يتشابه الوضع العراقي تكوينياً مع بلدان الجوار في مختلف الاتجاهات الجغرافية. فالمشترك التكويني يجمعنا مع الجارتين المسلمتين، تركيا وإيران، والعربيّتين سوريا والسعودية، وبلدان أخرى عربية مثل الكويت والبحرين. والفارق يضيق أحياناً ويتسع أحياناً أخرى من حيث التناسب بين المكونين المذهبيين الرئيسيين، الشيعة والسنة، والتنوع بوجود شركاء آخرين، من أديان ومذاهب وقوميات ومعتقدات.
لكن الاختلاف الجوهري بين عراق ما بعد صدام وجميع البلدان الأخرى، تعكسه طبيعة النظام الديمقراطي الذي صوّت له الشعب العراقي، في إطار الاستفتاء الشعبي على الدستور الذي حدّد طبيعة النظام وأسسه والآليات التداولية التي تتحكم في تجسيد الإرادة الديمقراطية، والتوافق الوطني المرحلي لتمثيل مكوناته.

وبغض النظر عن تعثّر تطبيق الديمقراطية وتقييد آلياته وحرف مساراته، فأن الإطار الديمقراطي يظل الحد الفاصل بين تجربتنا والنظم السائدة في البلدان الأخرى، مع التنوعات التي تميز بعضها عن الآخر، في الطابع الملكي أو الجمهوري، الوراثي او المشيخي او الأميري لنظام الحكم.
ان طبيعة وآليات النظام الديمقراطي تفرض على الدولة ومؤسساتها واجهزتها التعامل مع مواطنيها بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية او المذهبية او الفكرية او السياسية والجنسية، على قدم المساواة والالتزام المطلق بتأمين فرص متساوية للجميع باعتماد معايير الكفاءة والشروط المتساوية والعدالة والمساواة أمام القانون،
والانطلاق في ذلك كله من الدستور والقوانين المستندة إليه.
وقد أرسى العراق "الجديد" بعد ٢٠٠٣، دستورياً هذا الخيار الديمقراطي. وانطلاقاً منه صاغ مفهوم التوافق والمشاركة الوطنية التكوينية، وتعبيره السياسي العملي الذي سُمّي بـ"المحاصصة الطائفية". وباعتماد هذا المفهوم التوافقي، انطلقت العملية السياسية الديمقراطية وتشكلت الحياة السياسية الحكومية بتدرجاتها، لتشمل ولو شكلياً السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية. ان التجاذبات والاختلافات وسوء التطبيق والانحرافات في عكس الدستور والآليات الديمقراطية وتداول السلطة، ومظاهر التمييز والاقصاء والتضييق على هذا المكون او ذاك، لا تُغير من طبيعة النظام الذي صوت له الشعب والدستور الذي حدد طبيعته ومضامينه وآلياته الديمقراطية، بل قد تلحق به، بسبب الطبقة الحاكمة واخلاقياتها المنافية للقيم والمبادئ الديمقراطية، تشوهات عصبية وتعرض كيانه إلى خللٍ بنيوي وتضعضع إمكانية تكامله.
ان النهج الطائفي - المذهبي، كان منذ بدء العملية السياسية، خرقاً فاضحاً للنظام الديمقراطي، لكن التلاقي بين المكونات وقبولها التشارك في الحكم ولو على مضض، أضفى على هذا الخرق نوعاً من التبرير السياسي المفهومي، واعتباره شكلاً انتقالياً للحكم، في ظل اجواء الفوضى وضعف الوعي الديمقراطي، لا يسمح للأكثرية السكانية العددية من بسط ارادتها الكلية على الحكم، ولا تبيح للأقلية العددية السكانية من عرقلة الحكم خصوصاً اذا كانت الاكثرية والأقلية استقطابين مذهبيين.
وفي مواجهة النظام الديمقراطي "المنقوص" في العراق، هناك في الجوار وعلى تخوم الجوار، انظمة حكم تتنوع أشكالها وطبيعتها في إطار الاستبداد الشمولي الجمهوري او الملكي، والثيوقراطي وما قبل المجتمع الحداثي. ووفقاً لمفهوم وفلسفة كل نظام يجري التعامل مع ارادة الاكثرية والأقلية، بل مع احترام ارادة الشعب او الغاء ارادته ومصادرة حرياته.
ان الاقلية المذهبية المتحكمة في سوريا تقابلها أقلية تنفي إرادة أكثرية في البحرين، وأكثرية في المملكة العربية السعودية تطمس دور أقلية مذهبية فيها، واكثرية في الجمهورية الإسلامية تطمس هي الأخرى بطريقتها ملامح مكونات وطنية في نسيجها الاجتماعي والسياسي. ومثل هذا التعدد في طبيعة الأنظمة، وتبعاً لذلك في تباين التعامل مع إرادة الشعب ومكوناته، لا يجوز أن يكون بأي حالٍ من الأحوال، أطروحة للتباهي أو أنموذجاً للمحاكاة في نظام ديمقراطي، كما هي الحال في العراق.
إن الحقوق والحريات وتوصيف المواطنة والعدالة الاجتماعية والمساواة وتوزيع الثروات وتكافؤ الفرص، كلها معايير ديمقراطية ثبت مبادئها الدستور صراحةً وبلا تورية ومخاتلات.
وفي هذا السياق الديمقراطي تندرج الحلول والاستجابات لأي مطلب او حراكٍ شعبي، جرى التعبير عنه بغض النظر عن تجسيده لإرادة اي مكونٍ مذهبي او ديني او فكري أو سياسي او خلافه.
والدستور صريحٌ وواضحٌ في تشخيص سبل التعاطي مع الحراك الشعبي، سواء اتخذ وسيلة مباشرة مثل التظاهر والاحتجاج، او وسائل ديمقراطية سلمية اخرى، ولا مكان في كل الأحوال لتغليب منطق القوة المفرطة أو المخففة مع هذه، فاستخدامها في الظروف الاعتيادية جريمة سياسية وجنائية تلاحق عليها الحكومة والمنفذون لها على حدٍ سواء، ولا مجال لتبريرها بالدفاع عن النفس او الخروج من المأزق أو التصدي لتآمر مُتَخَيّل.
ان الاسلوب الايراني في التعامل مع المعارضة، وهي ليست في طبيعتها مذهبية بل سياسية، او التعامل مع المعارضة المذهبية في البحرين او السعودية، لا يمكن في كل الاحوال، ان يكون بديلاً عن الخيارات الديمقراطية التي نص عليها الدستور العراقي.
والدستور رغم نواقصه والهنات التي شابت صياغاته، شكَّلَ القاعدة المكينة للحفاظ على العراق الديمقراطي ونسيجه الاجتماعي الموحد، وهو في طور التكوين والتكامل.
ومع ان الحكم الحالي مر بتجارب عديدة فاشلة في تطبيق الدستور وآلياته الديمقراطية، فان الازمة الحالية والتوترات المرافقة لها، وما تنطوي عليها من تحديات وخيارات، تشكل المحك لاختبار خيارنا الديمقراطي، واستعدادنا للعيش المشترك في عراقٍ ديمقراطيٍ تداولي اتحادي، دون ان تؤدي هذه المعايشة الى الغاء اي هوية فرعية او التحكم فيها او التضييق عليها او التجاوز عليها.
على ان نقبل بوعي وقناعة، بحقيقة ان هذا العراق لا مكان فيه لمواطنٍ من الدرجة الثانية، حتى إذا كان متمثلاً في فردٍ واحد.
وهذا القبول أو الوصول إليه، يقتضي ان نرفض صيغ الوصاية علينا، او الأخذ بالنصح المنحرف الذي يبيح تحكم أكثريتنا بمصائر الآخرين، أياً كان مصدرها، سياسياً او مذهبياً، فكون البحرين بأكثريتها الشيعية مقصيّة عن الحكم والحقوق لا يمنح أياً كان منا أن نتخلى عن خيارنا الديمقراطي.



المدى
العدد (2727)  17/2/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات