| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الخميس 16/4/ 2009



الحاجة (خالة ام عدنان) وذكريات الحزب...

محمد حسب الله

على مر التاريخ وعبر محطات الزمن القاسي التي عبرت على العراقيين مخلفة وراءها الناس البسطاء الذين ظلوا يتسكعون على ارصفتها يعانون ابشع صور الأستغلال الطبقي والقهر الأجتماعي والقمع الفكري والحرمان بكل اشكاله . لبسهم الفقر وسلب منهم قوتهم وعشش المرض في اجسادهم سرق منهم صحتهم حاصرهم الجهل وقيد عقولهم .والفكر الرجعي الغوغائي صادر افكارهم وتغلغل الى ابعد اعماق لاوعيهم الذي كان وما زال سبب تخلفنا.ألا انهم بقوا صامدين على بؤسهم وشقائهم يترقبون قطار الأمل ليعبروا به الى دنيا الخير والمحبه والسلام.

فكان الحزب الشيوعي العراقي هو الأمل والفجر الجديد الذي انبثق من بين صفوفهم في ظروف بالغة الصعوبة واشد رجعية . مستمدا افكاره من واقعهم المؤلم مخاطبا وعيهم المدرك لما يحيط بهم من قيود محررا عقولهم من افيون القدر المقدر الذي لا يجوز الاعتراض عليه وألا تتهم بالكفر والألحاد !! بأفكاره الصادقة وقيمه ومبادئه العالية التي ترمي الى بناء مجتمع متماسك موحد على اسس ديمقراطية تكفل الحرية للجميع على اسس العدالة والمساواة بين الناس بغض النظر عن المعتقد والجنس . مجتمع انساني خالي من الأستغلال والقيود تنطلق فيه الطاقات والقدرات الخلاقة القادرة على الأبداع والتفكير المنطقي السليم القادر على استيعاب نظريات التطور ودراسة المجتمع وحركة صيرورته على اسس علمية لتحجيم الأفكار الظلامية المتخلفة التي تكفر الاخرين وتصادر حرياتهم وتقيد افكارهم بفتاوى لا يقرها دين سماوي ولا قوانين وضعية .هذه المثل السامية والأخلاقية العالية التي امتاز بها الشيوعيين جعلت من الناس البسطاء تتقبلهم وتتقبل افكارهم لأنهم وجدوا فيها الخلاص الحقيقي من الواقع المزري الذي يلفهم .

واثبت التاريخ في حركته صحة توقعات النظرية الماركسية . وما الأزمة الحالية التي يمر بها الأقتصاد الرأسمالي التي ذهب ضحيتها الألاف من العمال الذين سرحوا من اعمالهم الأ دليل قاطع على صحة توقعاتهم . هؤلاء الناس البسطاء سطروا بتضحياتهم في معارك الحزب النضالية ضد انظمة القهر والأستبداد اروع صور البطولة ودوّنوا سفرا خالدا بدمائهم الزكية يؤرخ لفترة عصيبة من تاريخ العراق الحديث ومصدرا مهما للأدب الأنساني .

ومن بين هؤلاء البسطاء الحاجة (خالة ام عدنان) التي تعتبر نموذجا للمرأة العراقية المنحدرة من الريف التي تجسد طيبة اهله وعفويتهم وحبهم للخير ودرجة التصاقهم بالأرض التي تعد الأم الكبيرة ومصدر العطاء والخير ورغبتهم في التخلص من القيود الأقطاعية التي صارت تقيد وتعرقل تطورهم .فكانت خالة ام عدنان بعد ان اعتنقت مبادئ الحزب وتشربت بأفكاره وهي في ريعان شبابها وصقل الحزب قيمها الأنسانية الفطرية التي ترجمتها الى واقع عمل عندما بدأت تنشط بين القرويين مستغلة مناسبات افراحهم واحزانهم وعباداتهم تنشر بينهم ما تعلمته من الحزب بأسلوب بسيط قريب من اذهانهم مستغلة واقع البؤس الذي يعيشونه وسطوة الأقطاعي المستحوذ على اراضيهم وقوة عملهم وتشيد ببطولات الشيوعيين وتضحياتهم من اجل مصالحهم .وصار استشهاد احد الشيوعيين او اعتقاله تاريخا مطبوعا في ذاكرة الناس رتبوا عليه ذكرياتهم واحداثهم .ومن الطريف مما كانت ترويه لنا خالة ام عدنان - والتي هي خالتي - وافتخر بها وخالة لكل الشيوعيين لأنها عاصرت فترة طويلة من تاريخ الحزب .وهي زوجة الشيوعي الخالد الراحل هادي صالح متروك الذي قضى اكثر من نصف عمره متنقلا بين سجون الأنظمة الأستبدادية الدكتاتورية التي ضيّعت العراق والعراقيين ، فعندما نسألها عن حادثه معينه تقول وقعت هذه الحادثة بعد ما اعتقلوا خالكم ابو عدنان بنقرة السلمان بكذا من الأشهر او السنين ...

وكم عانت الخالة ام عدنان وكل زوجات الشيوعيين فكن يتحملن اعباء مضاعفة منها ما هو مادي والأثقل منه المعنوي . توزع نفسها بين تربية الأولاد وتوفير مستلزمات العائلة وما تتطلبه امور الحياة .والبحث عن الزوج عبر السجون والمعتقلات ودوائر الأمن وغالبا ما تكون عرضه للأبتزاز والأستغلال وتحّمل اهانات ونظرات الساقطين من ازلام السلطة وعصابات الأمن . غير ان الشيوعيات عُرفن بصلابتهن واستعدادهن للتضحية من اجل شرفهن وسمعة الحزب ومنهن من استشهدت تحت التعذيب ودفنت اسرار الحزب معها . وكانت الخالة ام عدنان تشارك في المظاهرات التي ينظمها الحزب وخلالها كانت تخفي لافتات الحزب تحت عباءتها السوداء من العيون التي تترصد المظاهرة لتعلنها بالوقت المناسب عندما يصل الحشد الجماهيري ذروته فتثير دهشة واعجاب رفاقها والمتعاطفين مع المظاهرة وحيرة ونقمة عصابات الأمن .

وكانت تتميز بفراسة وقدرة على معرفة افراد الأمن ، تقول : "ان وجوهم مكفهرة ما بيها نور محمد !" وكانت حريصة على توفير جو من الراحة والهدوء عندما يعقد اجتماع حزبي في بيتها وتشد من ازر الرفاق وتلهب حماستهم .وكانت توفر لهم الخبز من تنورها الطيني وتمدهم بالحليب من معزة لا تفارقها تسرح بها وتراقب الطرق وتوهم من كان يراقب البيت .وكانت هي وعائلتها كثيرة التنقل وتغيير السكن وفق مستلزمات العمل الحزبي وكم كان هذا يكلفها وعائلتها من مشقة وتعب لكن كان لسان حالها يقول كله يهون من اجل الحزب! واهم ما يشغلها مطبعة الحزب التي كانت تخفيها بين الأمتعة عند التنقل . ساهمت ام عدنان في الحركة النسوية من خلال رابطة المرأة العراقية وعاصرت العديد من كوادرها ونالت اعجابهن على بسالتها وشجاعتها واخلاصها اللامتناهي لمبادئ الحزب ..

هذه الشيوعية المثالية الخالدة لا زالت تتذكر بشوق تاريخ الحزب واحداثه وتشعر بشهقة عندما تتذكر احداثه ومن ابرزها عندما احتل الحرس القومي بيتها بعد انقلاب 1963 الاسود ، ومنعوا افراد العائلة من الخروج او الذهاب الى المدارس وكانوا يراقبون من يفد اليهم لأعتقاله فكانت تختلس الوقت وتطلب من احد اولادها الصغار ان يصعد الى سطح الدار بحجة اللعب ليعطي اشارة لمن يقترب من دارهم .
تقول هذه الذكريات حفرت في ذاكرتي لا يمحوها الزمن مهما تقادم بالرغم من تجاوزها الثمانين عاما من العمر

أدعو لها بالعمر المديد وتمام الصحة لتبقى مفخرة للأجيال القادمة .
وقد انجبت البنين والبنات الذين ربتهم على نفس المبادئ التي امنت بها ولا زالت تؤدي طقوسها العبادية وتؤمن ان الخلود الحقيقي بالعمل الطيب ومجبة الناس وهذا يفسر ديمومة واستمرار الحزب الشيوعي الذي يعيش في ضمائر الناس وعقولهم بينما الذين عادوه تساقطوا كما تتساقط الأثمار المتعفنة من الشجر...


 

free web counter

 

أرشيف المقالات