| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 16/1/ 2010



لماذا لم تُنَفَذ ْ وصيّة المفكر الراحل
هادي العلوي...بالحرق بعد الموت...

أحمد السيد علي
 

كان قد كتب المفكر الراحل هادي العلوي رسالة الى الاديب الراحل الاستاذ عبد الغني الخليلي قبل وفاته بفترة قصيرة
(1) ، يذكر فيها...( وهل أتاك أني على شفا رحلة نهائية والى العالم الأخر؟ نعم أنا الأن أعيش العمر الأضافي. فقد داهمتني نوبة ربو قاتلة فتوقف النفس نهائيا واستطاعت المناضلة أم حسن إيصالي مع حارس المبنى الفلاح الشهم الى المستشفى في غضون عشر دقائق وكان القلب قد توقف لحظة إدخالي المستشفى فأعادوه بالصدمات الكهربائية. ثم صارعوا الموت ست ساعات. فاستعادت السرعة وظيفتها. مضى على ذلك شهر ونصف وأنا الآن في وضع طبيعي لكنني مهدد بمعاودة النوبة ولذلك فرض على الاطباء أن أبقى قريبا من المستشفى).
ثم يسترسل بتفاصيل ليس موضوع البحث الى أن يصل للمقطع الذي هو مدار الوصية...

( لقد ذقت طعم الموت ست ساعات فلم أجده مرا
كان جشيعا وأنا مستعد له مرة أخرى.
ما يهمني هو مصير الجسد.
فأنا لا أريد له أن يتلاشى في التراب بل أن يتحول الى طاقة. ولذلك أوصيت أن يحرق ولا يدفن.
وقد كتبت الوصية وأودعت نسخة منها لدى... فخري كريم... ونسخة لدى... سعيد سيف...
وفيما يخص الاعتراف الديني فأن نصوص القرآن والحديث ليس فيها دليل قاطع على وجوب الدفن وحرمة الحرق بل الدفن سُنّة لا فرض .

أما الحرق فيُحَرَمْ للأحياء بنص قطعي لأنه تعذيب.

ولذلك يُحَرٍمْ الفقهاء إحراق مرافق العدو في الحرب إذا كان فيها مدنيون كما يحرمون إلقاء السم في مياه الاعداء لأنه من قبيل الابادة الجماعية.

الروزخونية يخلقون دينهم الخاص بهم ولا يسألون عن الدليل.
ومن هنا حقدهم عليّ لاني نفذت الى أسرارهم وأبطلت سحرهم.
أبدان المحبين تتحول الى طاقة لأنها ليست من جنس التراب :

ترى المحبين صرعى في ديارهم
كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا

سأرحل وفي قلبي عشق الفرات وفقراء الفرات).

لا أعرف ما هي حيثيات الوصية، وهل أوصى أن يُحْرَقْ جسدهُ في سوريا أم في دولة أخرى؟. وهل يسمح القانون السوري بحرق الموتى؟ . وهل إتصل الاستاذ فخري كريم والاستاذ سعيد سيف بالجهات السورية، ولم تجري الموافقة على الطلب من السلطات الرسمية، أم لم يتصلا أصلا ؟.
إذن لا بد أن نجد الجواب عند الاستاذين...فخري كريم و سعيد سيف،
وبالنهاية وارى الثرى في مقبرة الغرباء في السيدة زينب قرب مثوى شاعرنا الكبير محمد مهدي الجواهري، ومثوى الاستاذ الجليل مصطفى جمال الدين.

هناك كثير من دول العالم تستخدم حرق الجثث، منها تعاليم الديانة كالهندوس، ومنها حسب وصية الفرد في الغرب والولايات المتحدة وبعض الدول الأفريقة مثل جنوب أفريقيا.
و دول أخرى وخاصة عند حدوث الأوبئة الفتاكة، وفي هضبة التبت يرمون الجثث للطيور الجارحة كالنسور والصقور.
الهندوس يمثلون 83% من سكان الهند، ويعتقد الهندوس ان النفس لاتفنى بفناء البدن بل تنتقل الى أبدان أخرى.

أما في السويد مثلا، فالكثير يوصي بحرق جسده بعد الوفاة، ولم تنل هذه الموافقة الاّ بعد إحتدام الجدل الذي حصل مع الكنيسة اللوثرية السويدية قبل أكثر من مئة عام.

وقد إبتكرت الباحثة البايولوجية سوزان فاي
(2) طريقة جديدة لتجميد الجثث ومن ثم غمرها في النايتروجين السائل ومن ثم تحويلها الى مسحوق قبل الدفن وقد أثارت اهتمام في 35 دولة من أجل الحفاظ على البيئة، والطريقة كالأتي:

يجري غمر البدن في النيتروجين السائل حتى يتجمد في كنه وسحقه الى تراب ، يجفف بعد ذلك ، وينقّى من أي أجزاء معدنية مثل حشو الاسنان من البلاتين أو أي معدن، ثم يوضع التراب في نعش قابل للتحلل مصنوع من نشا الذرة ، ويدفن في قبر ضحل بعكس المتبع بدفن الجثث على عمق ستة أقدام.

هناك كثير من دول العالم ، يوصي الفرد بالتبرع بأعضاء جسده كالقلب والكلية وغيرها بعد الوفاة للإستفادة منها في زرع الاعضاء البشرية.

وفي الحقيقة أنا أتفق مع رؤية المفكر الراحل هادي العلوي في حرق الجثة وتحويلها الى طاقة...

بدلا من أن تتفسخ وتأكلها الديدان وكذلك تأخذ مساحة صغيرة في الدفن لاتتجاوز نصف متر والدفن سُنّة لا فرض،

وفي القرآن، إنّ الدفن جاء بعد القتال الذي جرى بين قابيل وهابيل ، وقتل قابيل لأخيه هابيل بالحجر ومن ثم شاهد الغراب كيف يدفن الغراب الذي قتله تحت الارض بمنقاره( وقد جاء في العهد القديم اسم قايين وهابيل)
(1) .

وما ذهب اليه المفكر الراحل هادي العلوي في الإعتراف أو المسوّغ الديني بحرمة الحرق للأحياء وليس للأموات في الدين الاسلامي.
وعلى العكس ما يفعله الاسلام السياسي، وخاصة الوهابيون بتفجير الجسد وهو حي ، ويدخل في باب التعذيب وحرق الجسد وهو حي ولو لبرهة.

إنّ التبرع بإعضاء الجسد بعد الوفاة للأخرين هي بمثابة وقفة إنسانية خالصة أزاء المرضى الذين بحاجة لهذه الاعضاء، كذلك للاجيال القادمة.
وقد سمعت وشاهدت وأنا في كلية العلوم في سبعينيات القرن المنصرم لهيكل عظمي... معروض داخل دولاب مزجَّج في قسم البايولوجي، ذكروا الطلبة إنه لأُستاذ كبير معروف لمادة البايولوجي، تَبرع بجسده بعد الوفاة لغرض الدراسة والبحث العلمي.
وأيّ كان هذا الخبر صحيح ام لا، فالفكرة هي الاهم لغرض منجز البحث العلمي الذي يتسارع بشكل مذهل وخاصة في الهندسة الجينية والخلايا الجذعية.


(1) سلاما ياغريب، عبد الغني الخليلي ـ الجزء الثاني ـ دار المدى ـ الطبعة الاولى سنة 2001 وهي ذات السنة التي توفى فيها الاستاذ الاديب عبد الغني الخليلي
ص :102 ـ103 ـ104
(2) صحيفة إيلاف ستيفن نوردستام لوكالة رويتر 26ـ09ـ2005
(3) ورد قابيل وهابيل في رواية أولاد حارتنا للروائي الكبير الراحل نجيب محفوظ بإسم قدري وهمام، وآدم بإسم أدهم.


 

free web counter

 

أرشيف المقالات