| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 16/1/ 2013



افتتاحية المدى

إعادة الاعتبار للهوية الوطنية درءاً للتآمر: الدعوة إلى الحوار دون تمهيد تدويرٌ للأزمة ومضيعةٌ للوقت

فخري كريم 

6

أثمر نصح المرجعية الدينية العليا في النجف الذي حمله موفدا دولة القانون وحزب الدعوة، بشأن سبل تفكيك الأزمة التي تواجهها البلاد، عن حراك واسع بين قادة التحالف الوطني والكتل الأخرى. وقد اعتبرت سائر الأوساط السياسية وممثلو الطائفتين المعنيّتين بالأزمة، السنية قبل الشيعية إلى جانب الكرد، أن الموقف الذي تضمّنه النصح على كل محاور الخلاف، يشكل خارطة طريقٍ ايجابية للخروج من عنق الزجاجة الذي حشرت دولة القانون البلاد فيه.
لكن ردود الفعل التي عكستها تصريحات العديد من قادة التحالف ودولة القانون، لا تُظهِر استيعابهم لطبيعة النصح الذي تناول جوهر الأزمة وليس حواشيها، وأكد على ضرورة تصفية جذورها ومسبباتها وليس التوقف عند أعراضها الجانبية، وشدد على أولوية رفع المظلومية عن ضحايا هذه الأزمة عبر اتخاذ الإجراءات الفورية، التي لا تتقاطع مع الدستور، من جانب السلطة التنفيذية تلبيةً للمطالب المشروعة لهم، وهي إجراءات من شأن اتخاذها تخفيف الاحتقان، وتطييب الخواطر، وتبديد الشكوك والهواجس المتراكمة بفعل انعدام الثقة وطول المعاناة والإحساس بالتمييز والتعسف والضيم الكظيم.

لقد بدت مواقف وتصريحات هؤلاء القادة، كما لو أن المرجعية اهتمت وطالبت برفع المظلومية عن المكوّن السني فحسب باعتبار ذلك أسّ المشاكل، وتفكيك الأزمة رهن بمعالجتها حصراً.! وفي جانب آخر من ردود الأفعال، جرى تناول مظاهر متفرقة أخرى وكأن ما يواجه البلاد من تحديات وأزمات ما هو إلا سلسلة من المطالب الكردية والسنية وأوساط من الشيعة المستهدفين بتدابير رئيس دولة القانون، وهذه نظرة قاصرة من شأن الأخذ بها أو اعتمادها في حل الأزمة أن يواصل تغذيتها ومدها بالمزيد من عناصر الإدامة والتوسع وإشعال فتائل أخرى لأزمات قادمة.
إن الأزمة المتفاقمة نتيجة تراكم نيران الأزمات المتتالية ترتبط بـ"أزمة حكم" والنهج التسلطي لإدارة الحكومة بما تجسدها من سياسات الانفراد والإقصاء والتمييز والحؤول دون إقامة "دولة المؤسسات" والحريات وحقوق الإنسان، وتشويه ما هو قائمٌ منها، وتمييع الحدود بين السلطات الثلاث التي يتوجب في الدولة الديمقراطية حتى الناشئة منها الفصل فيما بينها، وقضم استقلالية السلطة القضائية، وانتزاع صلاحيات البرلمان وإقصاؤه عن حق التشريع، بل وعرقلة أي قرارٍ سياديٍ له بالاعتماد على نقض المحكمة الاتحادية، استناداً إلى المواد الدستورية المعروفة بـ"حمّالة أوجه".!
وإذا لم تنطلق المبادرات الداعية إلى الحوار من هذه المسلَّمات، التي يجري التأكيد عليها وتناولها يومياً من جميع الأطراف، فأن أفضلها سيبوء بالفشل ويؤدي في نهاية المطاف إلى مدخلٍ مفتوحٍ على أزمة أكثر خطورة وأوسع نطاقاً. وقد عزّز هذا الاستنتاج كل المحاولات السابقة التي دعا رئيس الجمهورية جلال طالباني إليها بإخلاص ومرونة وصبر حكيم، وهو ما لا يستطيع غيره الاضطلاع به في مثل هذا الظرف المتلبد العصيب، وما يحيط به من نوايا غادرة ومطامع لم تعد كامنة، وهي محاولات واصلها حتى اللحظة الأخيرة قبل وعكته، متشبثاً ببقايا الأمل والتفاؤل الهش.
فلابد في مثل هذه الحالة الانطلاق من شرطين متلازمين لأي حوار جاد مثمر، أولهما الإقرار بطبيعة الأزمة باعتبارها أزمة حكم، وتوصيف مظاهرها دون مخاتلة أو التفاف. وثانيهما تأمين الحد الأدنى من أجواء الثقة المفقودة اكثر من أي وقت مضى، وذلك بتنفيذ جميع ما تم التوقيع عليه من الاتفاقيات المختلفة التي وقعت بحضور كل قادة الكتل، التحالف الوطني " الشيعي" باطرافه المكونة، وائتلاف العراقية " السني " بكل قادة مجاميعه، والتحالف الكردستاني بحضور الرئيسين طالباني وبارزاني وقيادات اخرى.
ان طائفة القضايا العقدية التي جرى الاتفاق عليها بعد اجتماعاتٍ وجدلٍ مضن، وبحضور مقررين معتمدين مخولين من كتلهم، تشكل، لو انها نُفِذتْ، ضمانة للحد من اغتصاب السلطة واستباحة الدولة واعاقة تطور العملية السياسية، ولاستكمال بناء مؤسسات الدولة المدنية الديمقراطية. ولربما مكنت من استحداث آلياتٍ قادرة على تطويق أي أزمة ناشئة وايجاد الحلول التوفيقية لها. وما تم التوقيع عليه، بحضور السفير الاميركي قابل للتنفيذ اذا سَلِمت النوايا، وليس في ايٍ منها اعجازٌ واستحالة. لكن التلكؤ اكثر مما جرى حتى الان في وضعها قيد التنفيذ سيشكل دليلاً اخر على المناورة وتبديد الوقت وغياب حسن النوايا مما يسد منافذ الامل والتفاؤل في طريق الخروج من المآزق التي تفضي إليها الازمة الراهنة.
ان مجرد الدعوة للقاء والحوار دون مقدماتٍ سياسية فحواها إجراءات تستهدف تنقية الاجواء وترميم الثقة من الصدوع العميقة التي اصابتها وباعدت بين الفرقاء المتشاركين " شكلياً " في الحكومة، عبر تفكيك عناصر الازمة وتحديد مظاهرها واعلان الموقف منها، هي محاولة أخرى في الطريق المسدود. كما ان المطالبة بالحوار على اساس جدول عملٍ يتضمن كل القضايا التي سبق الاتفاق عليها واثقالها بتفاصيل من مطالب مقابلة الهدف من اثارتها التحلل من التزام تطبيق التعهدات، وترحيل الفشل نحو الآخرين، انما هي مناورةٌ مكشوفةٌ سلفاً اعتماداً على ما صار موثَّقاً كرصيد " تجربةٍ وخطأ " تعلمته الكتل المتحاورة مع دولة القانون ورئيسه، واستعصاءات التعامل معه والثقة به.
إذن، على دعاة الحوار ان يكشفوا عن نواياهم، كمقدمة لمبادراتهم :
- مدى قناعتهم بطبيعة الازمة باعتبارها أزمة حكم؛
- استعدادهم لفرض تنفيذ الاتفاقات الموقع على ما كان موضع إجماع من بنودها؛
- الخروج بإرادة موحدة لإلزام رئيس الحكومة بتلبية ما هو مشروع من مطالب المتظاهرين التي لا تتعارض مع الدستور، ولا تخل بالتوازنات الوطنية، ولا تخفف من محاصرة البعثيين والإرهابيين والتكفيريين؛
- عرض ترشيحات الدرجات الخاصة والوكلاء "واو واو" على مجلس النواب للبت في قبولهم أو رفضهم؛
- حلّ التشكيلات العسكرية "قوات دجلة ونينوى" وإعادتها الى مواقعها الأصلية، واناطة مسؤولياتها بالقوات المسلحة المحلية في كل محافظة؛
- إعادة ربط القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب والتشكيلات المرتبطة بمكتب القائد العام، حسب عائديتها، بوزارة الداخلية أو وزارة الدفاع أو بالأمن الوطني؛

وكل ما هو خلاف ذلك سيكون لعباً في ساحةٍ مُخرّبَة، يصب في صالح لاعب مشتَبه به بالغش وبتناول عقاقير ممنوعة..!


المدى
العدد (2701)  16/1/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات