| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 15 / 12 / 2013

 

افتتاحية المدى

قَطَر ملاذٌ للمظلومين!

فخري كريم 

عصر العولمة غريب الأطوار بكل تناقضاته، فكل ما تريده فيه ومنه يسيرٌ، وفي متناول اليد، أينما كنت في العالم.

وبفضل التكنولوجيا العابرة للهويات، النانوية منها والمحمولة فوق البوارج الحربية العملاقة، تغيرت أقدار الناس وأدوارهم، ولم تعد الدول تقاس بمساحتها، ولا الحكام بعدد نفوس من يحكمون. ومع ان العولمة في جانب منها مستبدة، محكومة بالقدرة على حشد الجيوش وقوة النيران، فان خصوصية الناس والدول باتت بلا خصوصية، او منْتَهَكة الخصوصية. ولذلك، تستطيع العولمة بما لها من قدرات على الابتكار والتصنيع والتمويه ان تعيد تخليق الناس والدول والحكام، وان تضفي على ملامحهم ما تقتضيه الأدوار، وما يترتب عليها من خطاب ومكانة وحضور.

وليس مهماً في منطق أسياد العولمة وأقطابها ان تمنح دوراً متطاولاً، مركزياً، مفتوناً بذاته، لمن تشاء دون اعتبارٍ لأية توصيفات يتطلبها مثل هذا الدور، في وضع لا يكون للاستقطاب العولمي شأن في تقريره.

والعالم العربي يعيش مثل هذه الحالة النموذجية، ويُحار البعض من أصحاب الشأن فيه، حتى من تتوفر فيه وفي دولته كل مواصفات الأدوار الكبيرة، من التداعيات التي بات عليها ما صار يُعرف بالنظام العربي الرسمي، وما يرتبط به من سياساتٍ وستراتيجيات، تتجاوز الإقليم وما يجاوره الى تحديد السياسة الكونية إزاء مصائر الدول المنخرطة في هذا النظام الذي فقد منذ فترة طويلة، معنى وجوده وقوة تأثيره، خصوصاً بعد ان غيّرت العولمة المستبدة قواعد لعبة الأمم، ومصائر الشعوب، وتحولت في ظلها المعاني والمصطلحات لتتواءم مع مقتضيات الحالة الملموسة للعبة واللاعبين الأساسيين.

قد يكون موضع افتخار للعرب وحكامهم، ان تقوم لهم "دولة" على مساحة لا تتجاوز المقدار الكافي لإقلاع طائرة حربية حديثة دون ان تضطر لاختراق أجواء جيرانها، ويكون ايضاً موضع ترحيب الشعوب العربية ان يتولى مثل هذا الكيان تَمَثُّل أهدافها وتطلعاتها، وان يكرّس ثرواته وما تحت تصرفه، خدمة لتطورها والاقتراب من أمانيها المؤجلة.

وفي لحظة شديدة الالتباس بدت مشيخة قطر، كما لو أنها مطمح عربي شعبي، وهي تطلق قناة "الجزيرة" التي أصبحت حسب شيخها السابق هي الدولة العظمى، ولا حاجة للبحث عن مرادفتها على الخارطة العالمية، اذ قطر هي "الجزيرة"، وهي ملء البصر في كل أنحاء العالم، وهويتها الذود عن الحريات المستلبة في العالم العربي، المنتهكة حرمات شعوبه من قبل حكام " مستبدين ". والتفاصيل المتبقية عما اصبحت عليه " الجزيرة" القناة والجزيرة المشيخة معروفة للقاصي والداني، بعد ان امتدت أدوارهما الى كل زاوية في المنطقة العربية وعلى الصعيد الاقليمي، خاصة وهما يتحركان في المساحة الممتدة بين "انتفاضة تونس" والثورات في مصر وليبيا واليمن وسوريا، وليساهما في اجتياح رياح مسمومة تستقدم خريفاً مفاجئاً، ينعى ذلك الذي قيل انه " الربيع العربي " !

في إطلالة محسوبة، ظهر وزير خارجية قطر الجديد السيد خالد بن محمد العطية، ليقدم صورة المشيخة بعد التغييرات الدراماتيكية غير المسبوقة في العالم العربي. بل وفي العالم الثالث، لتطيح بالشيخ حمد وابن عمه رئيس الوزراء، وطاقمه الوزاري وفريقه الحاكم، ويتسلم المشيخة ولده. ومع ان احداً لا يعرف حتى الآن سر التغيير، او الانقلاب السلمي، وليس متاحاً الكشف عن أية تأثيرات خارجية كانت وراء ذلك، فان اوساطاً غير قليلة، تمنت ان يتمخض التغيير عن تحولٍ جذري في سياسة قطر، ويحد من أدوارها التي استفزت العديد من الدول والقوى، ومنها مصر، على سبيل المثال، ولا حاجة للإشارة الى العراق الذي عانى ويعاني الأمرّين من تدخلاتها المكشوفة، او من وراء الستار، كما لا ضرورة للاشارة الى المملكة العربية السعودية او الامارات العربية، او الدول الخليجية الاخرى.

ولكن إطلالة وزير خارجية قطر الجديد حملت ما يُشبه القول المأثور "تمخض الجبل فولد فأراً " ! وليته كان كذلك فالسيد الوزير لم يبدر منه ما يوحي بان مشيخته هي في حالة دراسة لنهجها وسياساتها، وهي متوجهة لإعادة النظر فيما يشكل عبئاً عليها واستفزازاً لاشقائها، بل بالعكس فقد بدا شديد الثقة بما تقوم به دولته، مؤكداً على استمرارية سياستها وأدوارها.

يقول السيد خالد بن محمد العطية: " ان قطر ملاذٌ للمظلومين ..!" ، وهو يؤمن بـ " لعب دور بناء في المجتمع الدولي " ، ويرى السيد وزير خارجية قطر، انه اذ يؤكد القيم المذكورة، ينطلق من إحساس بالتواضع والثقة!

لا يكتفي السيد خالد بذلك اذ يمكن القبول بتواضعه، لكنه يقرر من موقعه " المقرر" وبتواضع شديد، وهو يتحدث عن سورية وما يجري فيها، وما يراد لها من حل في اطار " جنيف ٢" ، " ان كل من تلطخت أيديهم بالدم يجب ان يذهبوا الى لاهاي " !، قاصدا بذلك تحديده لاطار الحل باستمرار مسلسل القتل اليومي للشعب السوري، على أيدي الطرفين، النظام الحاكم والتنظيمات التكفيرية الممولة من قطر وغيرها.

بقدر تعلق الإمر بنا ، نحن في العراق، فان ما نعرفه عن المشيخة أنها حقاً ملاذٌ لطابور من العراقيين ممن ينبغي ان يذهبوا الى لاهاي من القيادات الصدامية، فليس فيهم من هو غير ظالم..! مثلما هي بؤرة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وللقيادات التكفيرية من سائر البلدان العربية.

أما دورها "البنّاء" فيمكن التعرف على تفاصيله مما تقوم به المشيخة من تمويل النشاطات الإرهابية، ودعمها لكل ما يجعل منها عراباً للإرهاب والتخريب في البلدان العربية. فهل هذا الدور هو ما يريد ان يواصله الشيخ تميم وفريقه السياسي..؟


المدى
العدد (2962) 15/12/2013


 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات