| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 15/8/ 2010

 

بمناسبة ذكرى رحيله العشرين
 

غائب طعمه فرمان أديب عاش ومات فقيرا في الغربة وهو من اغنى بلدان العالم!!
 

د. زهير ياسين شليبه


صورة قديمة تجمع الأديب الراحل غائب طعمه فرمان والدكتور زهير ياسين شليبه (إلى اليسار)

عندما رحل عنا غائب ط. فرمان العائد دوما والحاضر في قلوبنا، تلقت الأوساط الأدبية ببالغ من الأسى والحزن ذلك النبأ قبل عشرين عاما إلا أن العالم كان يغلي كالمرجل بأحداث الخليج بسبب احتلال صدام للكويت، فغادرنا كعادته هادئا دون أن تسلط الأضواء عليه.
لقد عاش هذا الأديب اكثر سنين عمره الأربع والستين في الغربة ومعاناتها وآلامه الصحية.
ينتمي غ. ط. فرمان إلى جيل الخمسينات، الذي لعب دورا كبيرا في الحياة الأدبية والصحفية في العراق، فقد برز منه أدباء معروفون مثل عبدالملك نوري وفؤاد التكرلي وعبدالوهاب البياتي وبدر شاكر السياب وحسين مردان ولميعه عباس عماره وبلند الحيدري وغيرهم.
وينحدر غائب من عائلة فقيرة كانت تسكن في أحياء بغداد الشعبيه القديمة، وكان والده أحد سائقي السيارات الأوائل في بغداد، وكان يحدثه في طفولته عن انطباعاته ورحلاته، مما ادى إلى تعلقه بالماضي والذكريات فصوّرها فيما بعد في روايته "المخاض".

سافر غائب إلى القاهرة عام 1947 لغرض الدراسة في كلية الآداب رغم فقر والده، الذي كان يرسل له خمسة دنانير بين فترة وأخرى.
واستفاد الكاتب من حياته في مصر، فتعرف على نجيب محفوظ وحضر جلساته في مقهى الأوبرا، وسلامه موسى وطه حسين ونشر بعض قصصه القصيرة ومقالاته الأولى في المجلات المصرية مثل "الرسالة" و"الثقافة" و"الثقافة الوطنية" وغيرها.
وتعكس قصص غائب ومقالاته الأولى مفاهيمه وأفكاره عن مختلف قضايا الحياة الإجتماعية والأدبية متجنبا القضايا السياسية المباشرة.

وعند عودته إلى بلده العراق بعد ثلاثة أعوام وبضعة شهور من إقامته في مصر، عمل غائب في صحيفة "الأهالي" لسان حال الحزب الوطني الديمقراطي برئاسة الديمقراطي الليبرالي العراقي المعروف كامل الجادرجي.

واكتسب غائب من عمله في هذه الصحيفه خبرة كبيرة تجسدت فيما بعد في نتاجاته الروائية، وبخاصة في رواية "خمسة أصوات".
صوّر غائب في هذه الرواية حياة المثقفين العراقيين في الخمسينات من خلال خمسة أبطال من امزجة مختلفة واهتمامات ادبية واجتماعية متنوعة. ولدى قراءة هذه الرواية يطلع القاريء على الحياة الأدبية العراقية ومفاهيمها في الخمسينات.

وبعد انهيار التجربه الديمقراطيه في العراق عام 1954 أُضطر غائب إلى مغادرة العراق متجها نحو لبنان وسوريا حيث شارك في مؤتمر الأدباء العرب، الذي عُقد في مدينة بلودان وأنتخب عضوا في لجنة "الأدب الجديد"، التي أصدرت بيانها حول ضرورة التوفيق بين اللغة العربية الفصحى والعامية في النتاج الأدبي.

ثم توجه غائب إلى القاهره مرة ثانية ومكث فيها فترة قصيرة، أصدر فيها كتابه "الحكم الأسود في العراق" عام 1957 المكرّس لممارسات النظام الملكي العراقي. وشارك غائب مع الناقد المصري محمود أمين العالم في كتابة مقدمة طويلة لمجموعة قصص قصيره صدرت عام 1956 بعنوان "قصص واقعيه من العالم العربي". تضمنت هذه المقدمة أهم أفكار غائب ومفاهيمه عن الواقعية الجديدة في الأدب، التي لاتختلف في حقيقة الأمر عن الواقعية لاشتراكية. وقد ذكر لي غائب فيما بعد في حواراتي الشخصية معه بأنه هو الذي اعد هذه المقدمة.

وأسقطت عن غائب الجنسية عندما كان متجها إل بوخارست للمشاركة في مهرجان الشبيبه، فأضطر إلى السفر إلى جمهورية الصين الشعبيه، حيث أخذ يعمل منذ ذلك الحين في وكالة أنباء الصين الجديده.
وبعد ثورة 14 تموز 1958، التي أطاحت بالنظام الملكي، عاد غائب إلى العراق وعمل في الصحافة لفترة قصيرة، إلا أنه غادره بعد سنتين أو أكثر بقليل إلى الاتحاد السوفييتي حيث أقام فيه ثلاثين عاما حتى رحيله الأبدي.

وأُسقطت الجنسية عنه مرة أخرى بعد انقلاب 8 شباط 1963 العسكري، الذي أطاح بحكومة الزعيم عبدالكريم قاسم. ومن الجدير بالذكر أنه لم يكن سياسيا نشطا ولم يقم بأعمال تنظيمية مغامرة أو صدامية عنيفة ولم تكن صحته لتساعده عل ذلك فقد عانى من مرض خبيث، إلا أنه كان قريبا جدا من أوساط الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي بالذات الذي رعاه واهتم بأدبه.

في الاتحاد السوفييتي يعمل غائب في مجال الابداع والترجمة، فانتقل من الأساليب الواقعية البسيطة والبدائية، التي انعكست في مجموعتيه "حصيد الرحى" 1954 و"مولود آخر"، 1959 إلى الطرق الفنية الناضجة المتجسدة في روايته الأولى ورائعة الأدب العراقي "النخله والجيران" 1966، التي عدّها النقاد أول عراقية فنية ناضجة تتوفر فيها مقومات الرواية الحديثة مثل الحوار والحوار الداخلي أو المناجاة والوصف الخارجي والداخلي للشخصيات والاهتمام بالبطل الروائي الخاص، الذي يجب أن يعبر عن ملامح العصر، إضافة إلى الزمان والمكان وتغييراتهما وتقاطعاتهما الزمكانية.

ونُقلت رواية "النخلة والجيران" إلى المسرح من قبل فرقة المسرح الفني الحديث، ذات التوجهات الديمقراطية، وحصلت على شهرة واسعة ليس في أوساط المثقفين فحسب، بل مختلف فئات المجتمع.

وقد لعب الحزب الشيوعي ومؤسساته الثقافية دورا كبيرا في زيادة الوعي لدى الناس بأدب غائب وكل المؤلفين الديمقراطيين. هذا وقد اهتم غائب برواياته الثماني بموضوعات مثل الغربة والحنين الى الوطن والعودة الى الجذور والتراث أو ما يسمى بالناستولجيا وحرية المرأة، إلا أن كل ذلك كان يحدث بطريقة غيرمباشرة وتقريرية كما تعودنا عليه في قصصه القصيرة الأولى.

وعلى الرغم من أن غائبا عاش فترة طويلة في الاتحاد السوفييتي وروسيا إلا أنه لم يتناول في أدبه موضوعات الحياة السوفييتيه، التي كان يعرفها بشكل جيد بسبب عمله هناك وزواجه من امرأة روسيه. ويبدو لنا أن سبب ذلك يكمن في عدم رغبته في اثارة مثل هذه القضايا الحساسة والخطيرة التي كان يمكن ان تجلب له الكثير من المتاعب على مختلف الأصعدة.

هذا وقد نُقلت روايته "خمسة أصوات" إلى السينما، وتصلح كل رواياته الأخرى للأعمال السينمائية والمسرحية كونها تؤرخ لحقبات من تاريخ العراق وتتناول مختلف شرائح مجتمعه.
وقد ترجم غائب الى العربية مجموعة كبيرة من القصص والروايات الروسية والسوفييتية لكتاب روسيا الكبار مثل تولستوي ودوستوييفسكي وبوشكين، وكان يستعين بالانجليزية اضافة الى الروسية التي لم يتقنها في ترجمته لهذه الأعمال.
وقد أعانته معرفته الجيدة للغة الأنجليزية في الاطلاع على أعمال فوكنر وجويس وميلر وهمنغواي وطبعا الروس ايضا.

ومما يجدر ذكره أن غائبا ذهب الى العراق في زيارة قصيرة وبقي فيه فترة قصيرة عام 1974 وهي المرة الأخيرة التي التقى فيها بذويه، إلا أن أخته زارته قبل أحداث الخليج. وكان سعيدا بوجودها الى جانبه وقد عبّر لنا في حديث هاتفي اجريناه معه من الدنمرك عن فرحته بزيارتها له، لكنه تمرض بعد رحيلها مباشرة وتوفي في المستشفى كما قال اصدقاؤه العراقيون المقربون له وزوجته التي اتصلت بها هاتفيا من الدنمرك حالما سمعت بالخبر المؤلم.

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات