| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 14/10/ 2011

     

الأنظمة الاستبدادية والحراك السياسي المطلوب

سلمان بارودو

إن رياح التغيير التي هبت على منطقتنا والتي انطلقت شرارتها الأولى من أرض تونس البوعزيزي، لتبلغ أصدائها دول عديدة ... هذا بعد طول انتظار الشباب لحلم تحقيق التغيير الديمقراطي السلمي وبناء مستقبلٍ زاهر لأبناء وبنات أوطانهم ولتتوج نضالات عقود مديدة في صون الكرامة ونيل الحريّة وبالتالي بناء دولة الحق والقانون وفرض سلطة الشعب والمؤسساتية المدنية.
فيبدو جلياً للقاصي والداني، أن الأنظمة الاستبدادية التي تصرّ على إسكات الأصوات المطالبة بالحرية والديمقراطية والمساواة ليس لديها سوى العقل المؤامراتي والحل الأمني لأزماتها البنيوية رافضة في الوقت ذاته الحلول السياسية الضرورية الناجعة لوقف دوامة العنف وإراقة الدماء، بالمقابل فإن الشعوب بكافة قواها السياسية وفعالياتها المجتمعية تناضل وتطالب بإنهاء تلك الأنظمة التي باتت تفقد شرعيتها الدستورية والشعبية والإتيان بأنظمة عصرية تعددية ديمقراطية قادرة على استيعاب استحقاقات ومتطلبات المرحلة الراهنة والمستقبل الواعد .
وبسبب اشتداد الأزمة وتغول الأنظمة في ممارساتها العنجهية وتصلب أركانها والخصومة السياسية مع المعارضة وإقصائها وعدم تلبية المطالب الشعبية المحقة، فهي تواجه صعوبة في وقف العنف ومد جسور المصالحة والحوار مع خصومها والقيام بالإصلاحات الحقيقية مع ضمان حفظ ماء الوجه، كونها تخشى أن تؤدي هذه الإصلاحات والتنازلات إلى مزيد من الضغط الشعبي وإلى رفع وتيرة وسقف المطالب، وهذا هو مأزق الأنظمة التي لا تريد الانصياع لمطالب شعوبها وتراوغ وتماطل في تأخير أو منع إدخال بلدانها إلى مرحلة الحداثة السياسية والتحول الديمقراطي الحقيقي المنشود.
إن التغيير الديمقراطي السلمي بات أمراً عاجلاً وملحاً ، ويتطلب ذلك رفع القبضة الحديدية والتخلي عن استخدام العنف ومنطق القوة وإلغاء الحل الأمني، وتحرير الإعلام والفن والثقافة من التبعية والوصاية والاستفراد وخدمة سياسات الحزب الواحد، وكذلك قبول منطق السياسة الذي هو منطق التفاوض والاعتراف بالآخر وبرأيه وبشرعية احتجاجه، وأيضاً الصدق والصراحة في التعامل، والحوار البناء والشفاف في القضايا التي يتم تناولها وطرحها من قبل الجميع، وإلغاء كل ما يعيق تقدم الدول والشعوب بحيث تخرج من مآزقها وتزيح العقبات التي تعترض طريق ازدهارها وتطورها الديمقراطي، في وقتٍ لم يعد الرجوع إلى الوراء أمراً مقبولاً أو ممكناً .
وقد أفرز الحراك المجتمعي الحالي في هذه البلدان قوى وأطر شعبية وسياسية محلية ووطنية تتبوأ الصدارة، وشكلت فيما بينها روابط وشبكة علاقات تتلاءم مع واقعها وخصوصياتها، وكأنها منظمات موحدة متماسكة لها أفعالها الملموسة ، وتهدف إلى عزل الأنظمة القائمة وإرغامها على فتح المجال أمام كافة القوى والفعاليات لتمارس دورها الكامل في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية لتحقيق نقلة نوعية نحو الديمقراطية ومن ثم المساهمة في تنمية القدرات المحلية اللازمة وبناء البنية التحتية الضرورية.
بيد أن تحقيق ما تصبوا إليها الشعوب تخضع لظروف كل بلد، تستدعي وجود برامج وأجندات واضحة أيضاً تسمح بتعبئة القوى وحل كافة الإشكالات الموجودة على أرض الواقع وتهيئة الطريق نحو الانتقال السلمي الديمقراطي في تداول السلطة .
في سوريا، لا يمكن تحقيق ذلك من دون إشراك جميع الفعاليات المجتمعية والقوى السياسية المعارضة على مختلف ألوانها وتشكيلاتها في النقاش الوطني العام، وصولاً إلى عقد مؤتمر وطني شامل تضع وتحدد أسس وآليات بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، دولة لجميع الموطنين دون استثناء.
من هنا لا بد أن يكون النصر والنجاح من نصيب الشعوب المنتفضة، لأنها وبمنطق التاريخ تطالب بالمساواة والعدالة الاجتماعية وترسيخ قيم الحق والحريات الأساسية للمواطنين على اختلاف انتماءاتهم، وهي تواقة دائماً وأبداً للديمقراطية ولحياة مدنية حرة، وأساس هذه الديمقراطية هو سيادة الشعب ومن ثم سيادة الدولة ورفع شأن قرارها الوطني المستقل المعبر عن إرادته.


جريدة الوحدة العدد / 218 /


 

free web counter

 

أرشيف المقالات