| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الخميس 14/4/ 2011                                                                                                 



سيد حنون .. مطية السيد الرئيس وأشياء أخر

عدنان طعمه ألشطري
Adnan_tumma@hotmail.com

" سيد حنون " شخصية علمانية عراقية وشطرية مفكرة في مجال السخرية اللاذعة , وفكاهية ساخرة في شؤون الرصد السياسي والاجتماعي حيث تحولت من واقعها التاريخي والسياسي والاعتناق للفكر الماركسي وخطه السياسي الشيوعي إلى نموذجا للسخرية اللاذعة من النظام الاستبدادي البائد وتجاعيد النظام الاجتماعي وتقاليده القبيلة المتعجرفة والبالية والمنحطة سيما وان الناس قد تناقلت على لسانه الحنوني عشرات الحكايات والنوادر المرحة والطرائف التي تمثل شكل من إشكال المقاومة السلبية للنظام البعثي المنقرض , متناسين جذوره التاريخية ونسبه العلوي وانحداره العائلي إلى ما يطلق عليهم عامة الناس في مدينة الشطرة " بكوام العباس " وهم سدنة احد المراقد الدينية الذي يرجع نسبه إلى الإمام علي " عليه السلام " .

نسوا جذوره التاريخية ونسبه العلوي الشريف , لكنهم لم ينسوا شخصيته "الحنونية " الساخرة المميزة وفلسفته التهكمية الضاحكة وسخريته اللاذعة من الطاغية صدام ونظامه البعثي , ومنها ما يتعلق بحذاقته الحنونية في إطلاق البديهة الساخرة على مواقف نادرة , منها ما عرفت " بمطية السيد الرئيس " التي امتطاها القائد الضرورة وعبرت به الحدود العراقية إلى أراضي الشام السورية , وهذا مختصر الحكاية :
كان " سيد حنون " في ضيافة "عضو فرقة " في النظام السابق الذي دعا " سيد حنون " ومفوض أمن آخر من " التكارته " على مائدة عامرة بخمر عراقي خالص وعرق محلي رديء والذي ما إن دب في الدماغ العضوي لمفوض الأمن التكريتي حتى راح يروي لجلسائه الخمارة والسكارى المنتشين , إن ثمة بعض الحيوانات القديسة تدخل الجنة ولا تمسها نار جهنم مثل ( ناقة صالح – عجل إبراهيم – كبش إسماعيل – بقرة موسى – حوت يونس – حمار العزيز – نملة سليمان – هدهد بلقيس – كلب أصحاب الكهف – وناقة محمد " ص " وغيرها من الحيوانات التي اكتسبت قداستها من اقترانها بأنبياء وقديسي الله في سيرتهم الربانية المعروفة , فكل هذه الحيوانات تصير على هيئة كبش وتدخل الجنة .

وهنا عرض " سيد حنون " مداخلته الشهيرة على مفوض الأمن , قائلا له : أنك نسيت أن تذكر "مطية السيد الرئيس " التي امتطاها قائد الجمع المؤمن وعبرت به إلى سوريا الشامية .. إنها مطية المطايا وحميرة الحمير والخلاصة الذهبية لحيوانات العالم طرا لأنها حملت أمل هذه الأمة وأنقذته من شر مستطير كان يلاحقه .

رجل الأمن التكريتي هذا , وبالرغم من علمه إن " سيد حنون " شخصية تتمتع على قدر كبير من السخرية والفكاهة وعبثيته في التعاطي مع مفردات الحياة اليومية , إلا انه قد نقل هذه السخرية الحنونية اللاذعة إلى مرجعيته الأمنية السافلة , فأصبح " سيد حنون " قيد المساءلة الأمنية في صباح اليوم التالي واشتراط مدير امن الشطرة آنذاك على " حنون " أن يلجم فمه ولا يذكر أي شيء عن مطية السيد الرئيس , والويل والثبور لحنون وال حنون وعشيرة حنون وأصدقاء حنون وجيران حنون أن تناقلت الناس هذه السخرية من السيد الرئيس ومطيته الخالدة .

"سيد حنون " كما اخبر كاتب هذه السطور بان ضابط امن الشطرة لم يقتنع بذخيرتي من التبريرات وان هذه المطية هي مطية مناضلة , ومطية مجاهده قد فتح لها السيد الرئيس أبواب الخلود والرفعة والسمو والعاقبة الحسنى لأنها قد قطعت المسافات الطويلة مع السيد الرئيس وأنقذته من رجال السلطة في ذلك الزمان , لذلك فان هذه المطية المناضلة البطلة لا تكتوي بنار جهنم حالها حال الحيوانات الأخرى التي ارتبطت بمواقف نبيلة مع الأنبياء والأولياء والقديسين .

هذا المأثور الحنوني الخالد في الذاكرة الجمعية الشطرية وغير الشطرية قد نشرته باسم مستعار وهو " ابن سومر " في احدى الصحف المعارضة في سوريا بمقال اسمه " مطية السيد الرئيس " وقرأته إحدى إذاعات المعارضة العراقية التي تتخذ من عمان مقرا لها , وكنت في وقتها أعيش في بيروت وفي المنفى القسري الذي امكث فيه .

وتجدر الإشارة إن " سيد حنون " وفي احد حواراتي معه حدثني بأنه ينظر إلى المطية والحمير كشريك مساعد للحياة الإنسانية وله فوائد جمة مقارنة بالأسد الذي يتصف بالغطرسة والوحشية ويمارس شتى أشكال الإرهاب الحيواني في غابة البهائم , بيد انه يتساءل ويقول : لا ادري لماذا يحتقر الإنسان العربي والعراقي بدائرته الأخص , الحمار الذي يجاهد معه ويساعده في مقاومة الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها .

إضافة إلى إن الحمار يتصف كذلك بالوداعة والألفة وعدم إيذاء الآخر مقارنة بسبع الغابة الذي ينتمي إلى القاعدة الإرهابية الحيوانية , فهو حيوان متوحش ومفترس يفرض غطرسته وسطوته وساديته المريضة بانقضاضه على البهائم التي تشاركه حياة الغابة ,فلماذا يحقر الحمير ذات الطبائع والشمائل الوديعة ويعظم طاغية عتريس كالأسد , معللا ومفسرا ذلك بان الوعي الجمعي لمجتمعنا العراقي قد شكله تاريخ عنفي خاطئ فباتت اتجاهاته تتجه نحو تقديس المتوحش واحترام أصحاب القوة العاتية والنفوذ والمركز السلطوي .

ويعتقد " سيد حنون " إن الحمير تعاني سواء كانت في المدن أو الأرياف سلسلة من المحن القاسية وغدت بالنسبة له عبارة عن بيئات ومدن متوحشة أو غابات مفترسة , فبرغم من استخدام الحمار كوسيلة للحمل والنقل في المناطق الريفية النائية والمناطق الزراعية التي لا تتوفر فيها ابسط مرافق البنى التحتية , إلا إن بعض مراهقي هذه البيئات الريفية يمارسون الجنس مع المطايا والاقتران مع هذه الحيوانات في علاقة جنسية عنيفة وذلك للتنفيس عن المكبوت في النفس البشرية بسبب عدم القدرة على الزواج لرزوحهم تحت خط الفقر علاوة على الكلفة العالية للمهور عند الاقتران مع شريكة العمر والاجتماع معها في عش الزوجية .

هذا المأثور الحنوني وبداهته في السخرية لم يعد اثر حنوني محض , بل استغله الوعي الجمعي الشعبوي والنخبوي بالتداول على الألسنة وتطويع فن النوادر الحنوني هذا لتجسيد رفضه للنظام السابق ,فالمواقف المضحكة النادرة هي وسيلة لرفض جميع أشكال الظلم خصوصا وان النوادر الحنونية قد حققت وظيفة اجتماعية في رفض الخطاب المستبد .

إن موقف "سيد حنون " الساخر من نظام صدام حسين المستبد قد حولته الى علم من إعلام النوادر الساخرة في الشارع الشطري والذي قاري , وغدا أشهر شخصية ساخرة لعبت دورا تاريخيا ساخرا في تأليب الرأي العام ضد النظام السابق والتهافت على نوادره وسخريته من السلطة التي أخذت إشكال حكاواتية مختلفة .

ومن هذه الأشكال التي حدثني بها سيد حنون نفسه , إن في أوج الصراع الشيوعي مع نظام الزيتوني البعثي , اعتقلت الأجهزة الأمنية "سيد حنون " , باعتباره شيوعي عتيد وماركسي من طراز علماني متطرف والزج به في معتقل امن ذي قار ورزوحه تحت مطرقة التعذيب والضرب المبرح والصدمات الكهربائية ليعترف عن ماهية علاقته "برزاق مكطوف " القيادي الشيوعي البارز آنذاك , ولم ينفع مع جلاوزة الأمن وجلادي حنون قسمه بأغلظ الإيمان بأنه لا يعرف شخص بهذا الاسم أي " رزاق مكطوف " .

ستة شهر و " سيد حنون " يجلد يوميا في المعتقل الأمني للاعتراف عن سر علاقته مع " رزاق مكطوف " إلى أن تم اعتقال الأخير واتوا به إلى " سيد حنون " فاستغرب أيما استغراب وقال لهم : هل " أبو سلام" هو " رزاق مكطوف " حيث كان يعرفه " بابو سلام " طيلة السنوات المنصرمة بالرغم من اجتماعه معه سنوات وسنوات في غرف الاجتماع الحزبية المغلقة أو في المقاهي والنوادي الليلية .

غير إن النقلة النوعية الطرائفية الأخرى على صعيد السخرية والنقد اللاذع وابتداع النوادر والفكاهات في حياة النموذج الحنوني المفارق قد تحققت بعد سقوط النظام البائد , حيث جنح " سيد حنون : إلى مواقف سخرية أخرى حسب ما تقتضيه عوامل التحول الاجتماعي والسياسي والتاريخي وما تفرزه من متناقضات اجتماعية وسياسية ودينية ومذهبية والتي تفاعل معها بشخصيته التي تميل إلى الدعابة الساخرة والفكاهة الناقدة والتي من خلالها قد ازدادت شهرة ذيوعا وانتشارا حيث اخبرنا مأثوره الشفاهي الحكواتي انه قد حضر على سبيل الصدفة مجلسا تصدت له عمامة ريزخونية ما انفكت تعيش عالم الخرافات والأساطير وتقتفي اثر الروايات التي ما انزل الله بها من سلطان , ومن هذه الروايات التي ذكرها صاحب العمامة الريزخونية أن المرء الذي يدخل جنة الله الخالدة سيجد حوريه طولها من مدينة الشطرة والى ناحية النصر أي ما يزيد عن 15 كيلوا مترا , وما أن انتهى صاحب هذه العمامة الريزخونية من مجلسها حتى انبرى " سيد حنون " أليه متسائلا ومستفسرا وقائلا له : إذا كانت هذه الحورية بكل هذا الطول فكيف للمرء الذي يدخل الجنة أن يضاجع هذه الحورية , هل يستأجر سيارة تكسي مثلا حتى يحصل على مناله ,أو يشتري عشرات السلالم الحديدية حتى يعانق معشوقته الملائكية.. وهنا أريد أن أوضح للقارئ اللبيب بأني أطلق على الذين تحجرت أفكارهم وراحوا يضربون بتفكيرهم في عالم الخرافة السيئ بأصحاب العمامة الريزخونية لأنهم لا يمثلون عمامة رسول الله الحقة التي يقتفي أصحابها الأثر العلمي الصحيح والتعاطي مع آخر المستجدات المعرفية المعروفة .

وعلى أنغام ووقع إصراره على التصدي في العمل في مرقد "الإمام العباس " الذي يقع في منطقة الحاوي شمالي مدينة الشطرة وتخصيص يوم له أسبوعيا يدير فيه شؤون المرقد أسوة بأبناء عمومته من السادة " كوام العباس " أذعنوا لإصراره ومارس حقه الطبيعي الاعتيادي , لكن هذا اليوم أصبح يوم عاصف بالنوادر والمفارقات والمواقف التي هي على قدر كبير من السخرية والفكاهة المضحكة .

ومن هذه النوادر كما ذكر لي " سيد حنون " بان امرأة قد قصدته وهي تطلب منه أن يبصق عليها " بتفلة " حسب التسمية العامية , لان " تفلة السيد " حسب اعتقادهم هي العلاج السحري الذي يحقق الشفاء للأمراض والعلل الجسمانية والنفسية , فرد عليها " سيد حنون " بان " التفلة " عبارة عن مركب لعابي قذر لا يغني أو يسمن من جوع وعليك مراجعة طبيب أخصائي واستعمال الأدوية الطبية لعلاج مرضك , إلا إن إصرار هذه المرأة على ان تنال " تفلة السيد " الخارقة قد دفع " سيد حنون " إلى الهستيريا فجمع هذه المرأة وابنها الصغير الذي كان بصحبتها " بتفلة سيد " واحدة كما قال لي , لان هذه الطبقات المتخلفة تخلق أدوات دمارها وبؤسها وتخلفها بيدها ولا تريد ان تجنح للمنطق العلمي .

وكذلك فانه اقنع امرأة قد جلبت معها نذرا عبارة عن خروف سمين , بان تبيع الخروف وتشتري ثياب جديدة لها ولبناتها بدلا من الثياب الرثة التي يرتدوها والعباءة المرتقة التي تلبسها وتنتظر نجاح أبناءها بالمثابرة والقراءة والدعاء إلى الله أن يسدد طريقهم .

النوادر الحنونية , هي نوادر تنتشر على السنة الناس كانتشار النار في الهشيم وتعاظمت وظائفها النقدية في الأفق الاجتماعي للواقع الشطري والذي قاري حتى وان كانت تصدر من مصدر عبثي إلا إن لذاعتها وسرعة بداهتها قد مكنته أن يتصدر قائمة الشخصيات الساخرة ليس على مستوى محافظة الناصرية فحسب بل على صعيد القطر .

شاهد " سيد حنون " مرة رجل يعرفه يعيش تحت خط الفقر ويسكن في بيت مصنوع من الطين والصفيح الرديء " التنك " وهو يلطم على صدره ووجهه وخديه في موكب حسيني يحث خطاه الجمعية في الشوارع بمناسبة الذكرى العاشورائية الأليمة , فقصده "سيد حنون " واستفرده جانبا , طارحا عليه سؤال محددا : إمام إسلامي ثائر مثل الإمام الحسين " عليه السلام " هل هو حاليا في الجنة أم في النار ؟ فرد عليه ذلك الرجل : أكيد انه ينعم في جنة الله العليا , فقال له " سيد حنون " فقط ينعم في الجنة وفردوس الرب, أم إن ريحانه رسول الله وابن سيدة نساء العالمين هو سيد شباب أهل الجنة ؟ إذن حري بك " والكلام موجه إلى هذا الرجل " أن تبكي على حالك وحال عائلتك واستلاب حقوقك من الطبقة السياسية الفاسدة وتقتفي اثر الإمام الحسين "عليه السلام " الذي استعاد عظمة العدالة الإلهية وعدالة الرسالة المحمدية الشريفة في الثورة على الظلم والفساد والاستبداد.

المتبصر والمستبصر ورجل المعرفة والترجمة " لطيف شريف السماك " كان كلما يلتقي ب " سيد حنون " يمازحه بهذا البيت الشعري الشهير :

ما زاد حنون في الإسلام خردلة
ولا النصارى لهم شغل بحنون

وتحريضه إياه على البوح وذكر المسكوت عنه اجتماعيا ودفع "سيد حنون " بان تصدر منه شتى أنواع الفكاهة ضد نظام صدام حسين وصياغة نوادر مرحة تعبر عن عقلية الوعي الجمعي الرافضة للاستبداد والقمع آنذاك سيما وان النوادر الحنونية الصغرى والكبرى تعد غذاءا نفسيا وروحيا للمجتمع المضطهد والذي يئن تحت أثقال الحكم الدكتاتوري البغيض .. وهذه النوادر تشكل جزءا من ثقافة المجتمع الشفاهية وتحويل المأساة السيسيولوجية إلى ملهاة ذات طابع إنساني تجسد صور الحياة العراقية " بكوميديا سوداء " تفضح المسكوت عنه والمستور .

" سيد حنون " ذلك الفوضوي الوطني ,لم يكن مجنونا أو مخبولا مصابا بالشيزوفرينيا كما يروج بعض الطفيليين وطحالب الثقافة , بل كان شخصية مثقفة وعميقة وملمة بكل ألوان الثقافات الجمالية والحضارية , وشخصيته الفوضوية هذه كانت نتاج وعيه الناضج الذي حوله إلى ضحية في الصراع الإيديولوجي وانفراد حزب واحد في السلطة وتداعيات هذه الأحادية في الشارع العراقي .. ومازاد الطين بلة كذلك تحول محيطه الاجتماعي إلى مجتمع قبلي ذا ثقافة عشائرية منحطة بعيدا عن القيم السامية والقيم الإيديولوجية التي امن بها , فراح يرسم لوحات سريالية في مناخ عوام الناس وخاصتها بقدر ما يتمتع به من منزلة فكاهية ونقدية وعمق فكري وطابع تفكير استدلالي وطرق حوار يوظف فيه الأداة النقدية اللاذعة وفي مجتمع لم تتشكل هويته الثقافية بعد .

 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات