| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 14 / 1 / 2014

 

افتتاحية المدى

هل يستطيع البيت الأبيض فهم ما يجري في العراق؟..
الدعوة المشبوهة لاعتماد القوات الأميركية لدحر القاعدة وداعش

فخري كريم 

يظل الناس مشدودين الى قناعة راسخة، كرستها الأفلام الأميركية وقصص السوبرمان في أذهانهم عن القدرات الخارقة للولايات المتحدة، في كشف كل ما يدور في العالم، حتى في اصغر البلدان مساحة على الخارطة، وان الأداة الأميركية "كليّة القدرة" بما تمتلكه دولتها العظمى، من أجهزة مخابراتية وسلاحٍ ليزري جوّاب مع الاقمار الاصطناعية حول العالم، ومعسكرات مدججة بأحدث الأسلحة والأجهزة الإلكترونية الذكية تطوق كل القارات، ولا تفوتها شاردة ولا واردة مما يَردُ في خواطر الحكام بل والأفراد المساكين، خصوصاً في الدول التي لم تتعرف بعد على حدود ذكائها الطبيعي ولا استخدامها في التفريق بين حصاد الحقل وحسابات البيدر!

وكان هذا الاعتقاد سائداً أيضاً حول جبروت الاتحاد السوفياتي، وجيشه الاحمر، والكي جي بي، حيث يستحيل ان تخترق "نملة الكترونية" حدوده وسواتره الحديدية المحصنة بالتكنولوجيا، والمواطنين الملثمين بالعقيدة التي لا يأتيها الباطل او الفساد، تحت اي ظرفٍ وحال.

وكانت مفاجأة للبعض، كشفت المستور، وأظهرت الولايات المتحدة بلا حول ولا حيلة حين احتلت قواتها العراق، وجندت للسيطرة على إدارة الاوضاع فيه كل ما لديها وحلفائها، من قوة نيران وآخر ابتكارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واسراب الخلايا النائمة للسي آي أي، والبنتاغون والخارجية، والاف بي آي، في المنطقة كلها.
ويفوت البعض حتى هذه اللحظة، ان الاخطاء الفادحة التي ارتكبتها الادارة المدنية للاحتلال، بالاضافة للقوات نفسها، هي التي اسست لما نحن فيه من فوضى، وتداعيات، وفساد، وانفلات امني، وحكمٍ متجردٍ من الالتزام بما تعنيه الديمقراطية وترسي قواعده من تكريس للارادة الحرة، وفصل للسلطات، وضمانات تحول دون انحرافات تعيد البلاد الى حكم الفرد الطاغية، ليعبث بمصائرها، ويجرها الى متاهات الصراع الطائفي المدمّر، وتغليف النزوع نحو اغتصاب السلطة وثروتها، بمصالح مذهبية لا اساس لها في الواقع.

لم تستطع القوات الاميركية بكل "جبروتها" وقوة نيرانها، وهي تبسط سيطرتها على العراق، وتُمكّن ادارتها المدنية من فرض ارادتها وما تتخذه من قرارات متناقضة تتنافى مع ما كان يتطلع له العراقيون، ان تحوّل "الفوضى الخلّاقة" التي ارادتها بعملياتها العسكرية الى نظام ديمقراطي، بل فشلت في لجم "الفوضى" في حياة البلاد حيث سادت كل نواحيه، وأخفقت في اتاحة فرصة مواتية للعراقيين لبناء دولة مدنية ديمقراطية، باعتماد مرحلة انتقالية، تتوفر فيها اجواء "خلاقة" عابرة لفوضى الصراع الطائفي والمذهبي على السلطة. ذلك لانها لم تكن ترغب فعلياً في ان ينتهي "الاحتلال" الى مثل هذه النتيجة، والى حلٍ يجسد ارادة العراقيين، وتشوّفاتهم الوطنية الديمقراطية.

لقد بدأت العمليات العسكرية، وقبلها السياسية التي امتدت لسنوات، على ارضية فهم مسبق يعتبر العراق ساحة صراع بين الطوائف والمذاهب والمكونات، وبشكل خاص بين الشيعة والسنة على السلطة. وهي لا تزال اسيرة هذا المفهوم المشبوه، وعلى اساسه تدير الادارة الاميركية، واجهزتها المختلفة ووسائل الاعلام الاميركية، الملف العراقي، بكل تعقيداته وتشابكاته.

فليس غريباً ان تحلل الصحافة الاميركية اليوم، قائلة ان نهج المالكي وسياساته المغامرة، هي تعبير عن مصالح الشيعة، وانعكاس لتطلعاتهم في الانفراد بالحكم وتهميش المكون السني ومحاصرته بتدابير تمييزية، ووضعه في خانة المتهم بالمسؤولية عن الارهاب، مع سبق الاصرار! ولا ينبغي عزل هذه المقاربة عما تعتقده اوساط متنفذة في الادارة الاميركية ودوائرها المخابراتية.

وهي بهذا المفهوم، سواء ارادت ام توهمت، تغذي النزاع الطائفي، وتجعل نيرانه الخامدة تحت الرماد، جاهزة للاشتعال في كل لحظة وامام كل منعطف.

وفي مواجهة الاخطار الداهمة، التي هي في واقع الحال اكبر مما يجري تسويقه بابتذال في وسائل الاعلام وتصريحات القيادات الرسمية، تصر هذه الاوساط على اغفال الاسباب التي اعادت القاعدة الى الواجهة السياسية، وأدت الى تقوية عدوانيتها وامتداد اذرعها الاجرامية، في بغداد واينما تخطط في سائر انحاء البلاد، وتجاهل الحلول السياسية والاقتصادية والمجتمعية، الكفيلة بتقويض مخططاتها التكفيرية، وراحت تؤكد على الحل العسكري والامني، واضعة البلاد والعراقيين امام خيار وحيد احمق، يرهق كاهلهما ويتسبب بالمزيد من التشظي والتضحيات، ويوسع من دائرة الشقاق والانقسام السياسي والمجتمعي.

ومن هذا المفهوم "العسكري والامني" يجري التجييش والدعوة للتسليح بكل اصناف قوة النيران. ولا يتردد البعض في التلميح الى ضرورة الاستعانة بالقوات الاميركية في المعركة ضد القاعدة وداعش، ويتحسر على السماح للقوات الاميركية بالانسحاب المبكر من العراق! ولا اعتراض على التسلح، او الاستعانة بالخبرات الاميركية وغيرها، من معلومات استخبارية ولوجستية، ولكن ذلك كله يظل اعجز من ان يحقق نصراً، بدون الوسائل السياسية وما تقتضيه من اصلاحات ومصالحات مجتمعية، وحجر على التدابير الحمقاء التي تعمق الازمة وتوسع دوائرها.

ويفوت المصابين بالعمى السياسي، ان كل الجبروت العسكري للدولة العظمى، الولايات المتحدة الاميركية، يعجز حتى الان عن حماية محيطها الوطني، ومصالحها المنتشرة في اصقاع العالم، اذ تفشل في هزيمة طالبان، الذراع الافغاني الحليف للقاعدة، وداعش والتنظيمات التكفيرية في سورية، وهي في كل ساحات المواجهة، تبحث عن حلول وتسويات سياسية، تساعدها على سحب قواتها العسكرية، وتجنب التورط في تدخلات عسكرية جديدة، كما حصل مع ازمة سورية.

فكيف لها ان تساعد في دعم قواتنا لالحاق الهزيمة بداعش، وهي لم تستطع حماية قواتها في مواقع المواجهة الاخرى؟

ان عٌدّة النصر والحسم، هي في متناولنا، واعتماد التعبئة الوطنية الشاملة، هي امكانية متاحة اكثر من اي وقت مضى، اذا سلمت نوايا من بيدهم السلطة والقرار، قبل غيرها. وتحويل هذه "الامكانية" الى واقع، أمر متاحٌ بكل المعايير، ونتائجه ستنعكس ايجابياً على الوضع السياسي العام، ولا تلحق ضرراً او عزلة الا بمن يرى في استمرار الحرائق وتوسع الازمة، وتعميق الانقسام والتشرذم، وسيلته لتحقيق مطامع لا يجمعها جامع مع المصالح الوطنية العليا للبلاد.

وعلى الولايات المتحدة، ان تدرك وتستدرك، ولو بعد خراب البصرة، ان الازمة الطاحنة في البلاد، والصراع الدائر فيها، لا يجسد مصالح الشيعة في مواجهة السنة، بل هي صراع مشبوه على السلطة، ومحاولة ابقائها اداة حماية للفساد ونهب وتبديد ثروات البلاد. والاطراف المتصارعة، وإن بدرجات متفاوتة، شريكة في ما يجري ويسود الحياة السياسية المتهرئة.

وعلينا ان ننتبه الى ما يُراد لنا من غشاوة على وعينا لحقيقة ما يجري في الفلوجة والرمادي وعموم الغربية ومواقع مشتعلة اخرى.

ان ما يجري هناك، لا يقتصر على داعش، بل هذا التنظيم التكفيري بات واجهة لكل القوى المستفيدة من الفتنة التي انفلتت من عقالها، ويشارك فيها على خطوط التماس، البعثيون وقيادات بارزة في الحيش السابق، في نينوى بوجه خاص، وتنظيم حارث الضاري، وخليط من العشائر والقوى المتصارعة على النفوذ والسلطة، تدعمها قوى من وراء الحدود المفتوحة، وتغذيها السياسات المغامرة للسلطة الفردية الطاغية، ومحاولتها لاظهار ما تقوم به، كما لو انه ردع لفتنة طائفية، هي من يؤججها كلما أرادت ذر الرماد في العيون.


المدى
العدد (2980) 14/1/2014

 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات