| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الخميس 14/7/ 2011

 

في تمجيد الطبقة الوسطى... العراقية

د. جعفر العاني *

لا ادري، لِمَ شنت الماركسية حملة واسعة وعدائية ضد الطبقة الوسطى وممثليها؟، متهمتها بنعوت وصفات اراها، في غالبيتها، ظالمة وغير واقعية. وانا اخترت الماركسية (وتبعا لذلك الماركسيين) تحديداً، لموقفها (وموقفهم) العدائي ضد الطبقة الوسطى، لكونها النظرية التى تكاد ان تكون الوحيدة، التى تحدثت بهذه التعسفية ضد الطبقة الوسطى. ولاني اعرف بان مبررات قيام تلك النظرية ونشوءها، كانا يبتغيان العدالة الاجتماعية، ويناديان برفع الظلم والقهر والطغيان، وصولا الى مجتمع مثالي، متحرر من اوهام كثيرة تعيق انطلاقه نحو الامام. هل كان دور الطبقة الوسطى، فعلاً، عائقا في تحقيق وانجاز مثل تلك الآمال والتطلعات الانسانية؟. هل كانت، حقاً، ضد التطور التاريخي؟ لا يمكن لي ان اجيب بالمطلق. لكني، مع هذا، استطيع ان اثبت بان هذا لم يكن يشمل او ينطبق على دور الطبقة الوسطى العراقية وممثليها، هم الذين، لاغيرهم، تبنوا تلك القيم ودافعوا عنها، وحاولوا جهدهم ان يرسخوا قيمها الانسانية والتقدمية في المجتمع، وقدموا تضحيات كثيرة: شخصية ومعنوية، في سبيل ذلك.

لقد حظيت الطبقة الوسطى العراقية على تقدير عالٍ من الجميع، لدورها المشهود والمميز والرائد في بناء بلد، كان يعتبر سابقا بولاياته الثلاث، من افقر مناطق الدولة العثمانية، وابعدها عن التحديث والحضارة. وقد نجح ممثلو هذه الطبقة من الموظفين الاكفاء والمهنيين المحترفين ورجال الثقافة والآداب والفنون والعلماء، في جعل تلك الولايات الجديبة بلداً مزدهراً ومتقدما ومؤثرا في محيطه، خلال عقود قليلة، ينظر لها الآن ولانجازاتها بكونها مأثرة حقيقية، تم اجتراحها بعيدا عن المحسوبية والطائفية والمناطقية وبنظافة يد، مع الحرص العالي على المال العام، والاخلاص في العمل. ثمة علامات مضيئة، احرزت، في الثقافة والاداب والعلوم والفنون، ارتبط ظهورها في المشهد المحلي وحتى الاقليمي باسماء ممثلي الطبقة الوسطى العراقية المبدعة. هل من ثمة حاجة، هنا، لسرد اسماء؟. انها معروفة ومتداولة محلياً واقليميا وعالمياً.

لكن إجراءات تهميش ممثلي الطبقة الوسطى العراقية واقصاءهم عن مواقع اتخاذ القرار، من قبل المغامرين بمشتقبل البلد، نصف المتعلمين، والذين استولوا بطرق ملتوية وغير شرعية على تلك المواقع، دفعت بالبلد، تدريجياً، نحو الانكفاء والذبول والتأخر والفقر. وبلغت احوال البلاد البائسة تلك ذروتها إبان الديكتاتورية، ونظامها التوتاليتاري؛ عندما "غنم" الهامشيون والمتسكعون والآفاقون والاميون مقدرات البلد كافة، مزيحين جميع ممثلي الطبقة الوسطى الى الخلف، مجبرينهم الظهور في الصورة، فقط، بصفة كومبارس وخلفية باهته، امام الحضور المبهر والفاعل "للابطال" الجدد.

وبسقوط الديكتاتورية في 9 نيسان الآغر من عام 2003، بدا وكأن الابواب شُرّعت لتبوأ ممثلي الطبقة الوسطى موقعهم الصحيح، والقيام بدورهم الوطني في انقاذ البلد من الكارثة الانسانية والحضارية التى وجد العراق نفسه فيها. على ان محنة السنين التى تلت التغيير، والتى كانت فاجعة بكل المقاييس، وفيها لعب الارهاب التكفيري وعداء البلدان المجاورة باجمعها لفكرة التغيير، وفزعهم من رياح الديمقراطية التى هبت على المنطقة، الدور الرئيس في تجميد الحال. وترافق ذلك مع تأجيج الطائفية، وما رافقها من تهجير قسري، وفقدان الامن وبزوغ المليشيات والعصابات المنظمة وانتشار الرشوة والفساد الاداري، والاهم الاقصاء المتعمد لجميع ممثلي الطبقة الوسطى، عن اي مركز للقرار، والنيل من دورهم وتسفيه قدراتهم المهنية والحط من افكارهم ومشاريعهم، ما ادى كل ذلك، الى ما ادى، من وضع مأساوي خيم بظلاله على جميع مناطق العراق.

تتحمل، بالطبع، الاحزاب الاسلامية (الطائفية) والقومية المتنفذة والحاكمة للبلد منذ التغيير، جزءا من عاقبة الوضع الحالي. اذ استطاعت تلك الاحزاب والتجمعات ان تسّوق نفسها، بخديعة توظيف الدين، وتأجيج الخوف من الآخر المختلف، لتتحكم في رقاب الناس، وابقاء الوضع الحالي كما هو، ليصب في النتيجة في صالحها. و"صالحها" هو مزيدا من التسلط، والاستحواذ الغاشم على السلطة، والكسب الحرام، وتوسيع دائرة الجهل والتجهيل، عبر اعادة انتاج "ثقافة" الديكتاتورية وقيمها التسلطية في اذلال وقهر الطبقة الوسطى وابعاد ممثليها عن المشاركة الفعلية بالسلطة معها.
وماذا كانت النتيجة؟

- انها، بالطبع، كارثية، على البلد وعلى مقدراته. وقسم من اسباب الوضع الحالي، العالق الذي لا يمكنه ان يخرج من عنق زجاجة الكوارث والمحن، هو بسبب التغاضي التام عن دور الطبقة الوسطى، وتنحيتها، والتعمد في احلال بدلا عنها، احيانا، نصف المتعلمين، وفي احيان كثيرة اميين لادارة البلد. وبما ان المشهد العراقي ، الآن، حافل "بالانجازات"؛ فاني سأشير الى حالتين، يمكن بهما تكثيف واختصار طبيعة الذهنية ونوعيتها التى تتبوأ الحكم في العراق. اولهما، مناداة "نواب" الشعب، بالعفو عن المزورين: مزوري الشهادات الدراسية، والذين امتلأت بهم دواوين الدولة، والتى على اثرها تمت تلك "الانجازات"!. وسيصوت البرلمان، على هذا المقترح قريباً، كما قيل لنا. وهو قرار، فيما اذا أُقر، ستكون عواقبه فاجعة، وسيؤدي الى مزيدٍ من الكوارث في كل مناحي الحياة.

والحالة الثانية، التى اود الاشارة اليها، والتى تعكس بمصداقية عالية، "طينة" "الرجال"، الذين يحكموننا ويتصدرون المشهد، وخصوصا المشهد المحلي. فقبل ايام قرر مقتدى الصدر، فصل بعض اعضاء تياره، داعيا اياهم (بالمجرميين وانهم لا دين ولا ورع لهم). لكن احد "الاخوان"، استنجد بالقائد (الضرورة؟!)، ودعى في تعليق على هذا الاجراء، بفصل آخرين، لا يزالوا مهيمنين بنفوذهم على مشهد بعض المحلات البغدادية، ويطالب بطردهم اسوة "بالمجرمين" الآخرين، وهم كما ورد في تعليقه "..في الكمالية.. رياض الواوي وباسم يسره واحمد صالنصة، وحسين فروخ؛ وفي الامين: أحمد ابو الزفر، وهناك ايضا في النعيرية جاسم تنكة وسعد هنكلانه وكريم تفلة، وفي الالف دار مهدي ابو الوسخ، ورضا تعليكة..". ويضيف "معلق" آخر، بانه ليس رجال التيار وحدهم من "يتصدر" المشهد، فهناك ايضا من المجلس الاعلى، وهو يتمنى على السيد عمار الحكيم طرد هذه المجموعة، وهم: ".. في الشعلة نصار شبوط وعدى مقطاطة وصباح زورية وعباس العربنجي ومجبل فلكة وسعد فلكة (اتراهما شقيقان؟!) ورضوان ابو طبرة ومقداد ابو نعال واحسان كيوة وتوفيق ابو الجرب وعلاء المحشش..". وهذا كله منشور في الرابط التالي:
http://www.burathanews.com/news_article_130043.html

قد يكون ثمة مبالغة فيما ذكر، او قد تكون، ايضا، ثمة مكيدة وراء نشرها. لا نستبعد ذلك، لكن هل هذا، سوف يغير كثيرا، من الواقع "المعاش"؟. انظروا، رجاءا، الى نواب الشعب و"نائباته"، وتابعوا تصاريحهم ونوعية مقترحاتهم، وانا متأكد بانكم ستجدون عشرات من امثال رياض وباسم وحسين وأحمد، وجاسم، وسعد وكريم، ومهدي، ورضا، ونصار، وعدي، وصباح، وعباس، ومجبل، ورضوان ومقداد واحسان وتوفيق وعلاء وغيرهم، و..غيرهن.

لكن السؤال، بعد كل ذلك، يبقى قائما. هل كان (كارل ماركس) على علم، بانه في ازاحة ممثلي الطبقة الوسطى، سيحل بدلا عنهم امثال ما ذكر اعلاه؟. في الواقع، دعى ماركس مثل اؤلئك "بالبرولتاريا الرثة". لكننا، ياعم، امام "بروليتاريا" وسخة وقذرة وجربة، (لا دين لها ولا ورع)، بحسب مقولة "السيد"؛ فهل يمكن، الآن، لاحد ما التعويل عليها، وانتظار... غودو؟!.


* استاذ جامعي
 

free web counter

 

أرشيف المقالات