| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                             الخميس 14/2/ 2013

 

الاشجار تموت واقـفـة

کاروان کريم احمد

کان تشکيل فصیل خاص بالرفاق الملتحقين من بغداد امڕا ضروریا بعد ازدياد عددهم، رتب لهم مقر فصیل بالقرب من المستشفی وکان البناء جاهزا والذين کانوا یتواجدون فیه‌ مجموعة من رفاقنا و (اوك) آنذاك، والرفیق دکتور سربست احد رفاقنا مدیرا للمستشفی، المقر والمستشفی یقعان تحت مقر جلال الطالباني سکرتیر اوك في خرێ ناوزنگ. وبالقرب من الفروشگا.

من الرفاق الذین کانوا قد التحقوا بقوات الانصار (الپێشمرگة) الرفیق والصدیق معتصم عبدالکریم (ابو زهرة)، کنا في بغداد نعمل ومجموعة جمیلة من الرفاق والاصدقاء سویة في عدة مجالات فنیة  نقابیة وشبابية، کان صدیقا حمیما للعائلة الکل یعرفه‌ عز المعرفة واصبح مع مرور الزمن وکأنە احد افراد العائلة. وحتی خروجه‌ من بغداد‌ الی کوردستان کان عن طریق العائلة الحزبیة في کۆیسنجق‌ ومن ثم الی ناوزنگ. فرحت کثیرا عندما التقیته‌ مرة اخری في الجبل.

اتی الی مکان لا یعرف عنه‌ شيء سوی انه منطقة معزولة محاطة بجبال عالیة ابعد نقطة نظر فیها لا تتجاوز الکیلومتر، رأیتە وکأنە منبهرا في بادئ الامر، وکان یتحدث معي بصوت منخفظ کعادتە، و تجول في رأسە افکار یسأل فیها نفسە هل هذا هو المکان الذي یجب ان اتواجد فیە‌، هل هذا هو المطاف الاخیر، هل تنتهي الحیاة هنا ام انها البدایة المٶلمة.  وهذا ما جسدە في اکثر اعمالە .

في تلك البقعة المنسیة من الارض ، هذا المکان الذي جمع فیە‌ من الساسة و الفنانين و الشعراء و المجرمين و المهربين و حتی الجحوش و مقاتلین اشداء، و وفود تأتي و وفود تذهب من کل الملل کورد و عرب  وفرس وترك ، انه لمکان غریب ومثیر للاعجاب لم یری اي منا مثله من قبل ، وتوجد فیه کل التیارات السیاسیة، من المارکسیين و الشیوعیين و القومیين و اللیبرالیين و حتی القومیون العرب. کنا نسمي هذا المکان بوادي الاحزاب، کان یتواجد فیه انذاك اکثر من احد عشر تنظیما سیاسیا وعسکریا.

مجموعات تقف هنا وهناك في السوق الکبیر المزدحم بالقجقجیة او المهربین والبغال المتعرقة ورائحة دخان الحطب ،  صورة لن ننساها في يوم من الايام و هناك الجالسون فوق اسطح المقرات والذين یتمشون ذهابا و ایابا والمشغول بتنظیف بندقیته‌ والمنطوي تحت شجرة بيدە کتاب متعمق بقراءتە یرفع رأسە حینما یسمع صوتا یقطع اندماجە بالکلمات، کل هذا و الملتحق الجدید یدخل في استغراب من رٶیة تلك الاشیاء وخاصة الذین لا یتکلمون اللغة الکوردیة، فأذا کان النصیر الجدید یرید شراء شيء من الفروشگا کنا نرسل معە احداً للترجمة الی ان یتعلم مع مرور الوقت.

وهنا یأتي هذا الفنان المرهف ، وعلیە ان یتعامل مع اناس لا یعرفون سوی البندقیە ، ولکن الکل کانوا متحدثین لبقین ومحللين ویرون ویراهنون ولکن لیس الکل کان حالما، الکل یحمل صورا في جیوب جاکیتاتهم ، الکل لا ینتمي الی هذا المکان و الجمیع ترك وراءه عوائل و احباء و اصدقاء وکل واحد ذو نفسیة و طبیعة خاصة الا الحس المرهف للفنان، فالجمیع آت الی القتال ، بعضهم جاءوا مع کل افراد القریة او العائلة ، هؤلاء المقاتلین وفنان یجمعهم هدف واحد فقط ولکن الصفات الاخری کلها غیر مشترکة.

في يوم قرر المکتب العسکري ارسال مفرزة بمهام ومن ضمنهم ابو زهرة ، ذهبت الی المکتب و عارضت ارسال معتصم وبشدة وقلت لهم حینها لا يجب زج الفنانین في المهمات العسکریة القتالیة، فکان الرد هو الرفض والجمیع هنا في مهمات عسکریة ، عندما سمع ابو زهرة تدخلي في هذا الامر انتقدني نقدا لاذعا، وقال لي لماذا لم ترفض انت عندما ذهبت لمهمات قتالیة، فسکت حینها وطأطأت رأسي وکأني جرحتە بحرکتي هذە، ولکني في داخلي کنت مصرا على رأيي بعدم مشارکة الفنانین في المهمات العسکریة.

في حرب ١٩٧٩ علی غرب کوردستان في ایران انسحب الحزب الدیمقراطی بقواتە من المدن الی مناطق متفرقة في الجبال، وکنا نحن في الحزب قد شارکنا مشارکة فعالة جنبا الی جنب مع الحزب الدیمقراطي الکوردستاني في الدفاع عن المدن الکوردیة، وحینها ذهبت قیادة ال (حدکا) الی احضان النظام العراقي، وهناك حصلوا علی بنادق من نوع کنا نسمیه (پەرە شوت)، وهذە البنادق کانت لا تعمل بشکل جید اي عندما ترمي فان الطلقة الثانیة تسقط امامك ، فجاءوا بهذە البنادق الی الحزب ونحن اضطررنا لاخذەا لعدم توفر السلاح لدینا.

الشهید معتصم سُلح بواحدة من هذە البنادق، وکان غضبي وقتها قد ازداد عشرات المرات، ولعدم معرفة ابو زهرة بأمور السلاح فکان الامر سیان عندە بین هذا او ذاك السلاح ، فهو یقول انا لا اطلق النار، وحینها ودعتە و حضنته بقوة ، وهو یقول لي :

ماهي ماهیة الفن؟

فقلت لە : انت تجید الرسم بالرصاص ولا تجید القتال بالرصاص. فلا اهمیة للفن حین يلعلع الرصاص.

قزلر تلك القرية الكوردية، لم اسمع بها من قبل، کانت هي آخر بقعة من بقاع الارض یقف علیها معتصم ، كان آذار، آذار الجمال والطبیعة الساحرة. حین دخلت مفرزتنا تلك القریة للمکوث فیها لفترة قصیرة شنت قوات النظام العسکریة بطائرات الهلیکوبتر و الانزال العسکري هجوما علی مفرزتنا، فتفرق الجمیع لاخذ مواقع دفاعیة قتالیة والتصدي للهجوم المباغت والشرس ، وکانت ملحمة کتبها الشیوعیون مثل کل الملاحم التي کتبت من قبل وعلی مر السنین ولکن في هذە الملحمة هناك شخص وقف وهو ینظر الی قاتلیە دون حراك، نظر في وجە ذلك الذي یرمي من علی متن طائرة الهلیکوبتر، لقد رأی عیون قاتلیە، لقد تحدی رصاصهم وهو واقف ولم يختبئ او ینبطح ارضا وحینها اغمض عینیە وهو کالنائم في تلك الغرفة التي رأیتە مرة فیها مضطجعا علی ظهرە و یدیە فوق صدرە، وعندما اقتربت منە قلت لە ارجوك معتصم لا تنم هکذا فکلما رأیتك تنام بهذە الطریقة اتصور وکأنك ميت ، فیفتح عینیە وبدون ابتسامە یقول لا تخاف بعدني اتنفس.

کان یوم 24 آذار 1980 ، استشهد هو واربعة من الرفاق الشباب الطیبین، کما قالت نضال اخت الشهید ابو زهرة (لم يتعلموا فنون القتال وربما استخدموا سلاحهم لاول وآخر مرة في حياتهم) نعم کان الامر هکذا.

معتصم لم یسقط وانما کان واقفا.

 

14 شباط 2013

 

free web counter

 

أرشيف المقالات