| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 14 / 8 / 2013



افتتاحية المدى

راية سوداء فوق السطوح وعلى الأبواب تكفي للحداد والاحتجاج..!

فخري كريم  

كما ينبغي أن يكون عليه الحاكم الطاغية الذي لا يأبه بمصائر المواطنين، يخرج علينا السيد المالكي بتصريح يؤكد فيه مجدداً أحقيته بولاية ثالثة، استنادا الى الدستور الذي اجاز ذلك لمن يشغل منصبه، كرئيس لمجلس الوزراء، خلافاً للمناصب السيادية الاخرى. هكذا بكل بساطة وأريحية تنمّان عن قلة الحياء، يطل المسؤول الأول عن "فواجعنا" التي تتزايد كل يوم، بسبب اللادراية والتقصير والتسلط، ليضرب عرض الحائط كل مظاهر التردي في إدارة الدولة، والانقسامات والتشظي في المجتمع والحياة السياسية، والمطالبة بتنحيه وعزله، ليعيد "عقد قرانه على كرسي الحكم" بنفسه، دون انتظار لمأذون شرعي يفتي بجواز هذا القران، بعد ثبوت عجزه عن أداء واجباته الشرعية امام الملأ..!

يحدث هذا في الوقت الذي ينتظر العراقيون، بياناً حكومياً، أو شهادة مقرونة بالادلة الدامغة، تحدد من يتحمل مسؤولية استباحة الدماء الزكية التي تراق في العمليات الارهابية التي تضرب في كل اتجاه، مشفوعاً بخارطة طريق تتحدد فيها معالم واقعية وإجراءات عقابية، تطال كل سياسي ورجل امن أو ضابط عسكري، تثبت عليهم مسؤولية التواطؤ والفساد والإهمال ضمن الخروقات والتسلل المعادي، وتؤدي في نهاية المطاف إلى إيقاف نزيف الدم واستباحة الأرواح، وجبر خواطر الثكالى وعوائل الشهداء.

إن المسؤولين في الدول والأمم المتحضرة، بل وحتى المصرة على التخلف، باستثناء حالتنا المنطوية على فرادتها الغريبة، يسارعون للحضور الى مواقع الأحداث الأليمة، ويتشاطرون الأحزان ويتقاسمون الآلام مع اسر الضحايا وذويهم، وفي ظروف خاصة حين يتخذ الحدث طابع مصاب وطني، كما هو عليه الحال عندنا كل يوم، تعلن الدولة الحداد العام، وتنكس الأعلام، وتستنفر قوى الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، للوقوف الى جانب ذوي الضحايا، وتقديم الدعم والعون المادي لهم، وتعويضهم عما تعرضوا له من الخسائر المادية، ومداواة جراحاتهم معنوياً، في ما لا ينفع معه أي تعويض مادي.

تلك سمات رجال الدولة وقيم مجتمعاتها، أما في ظل حكومتنا الإسلاموية وحكم المختار فيها، فان رئيس مجلس الوزراء الذي يمسك بيده كل خيوط ادارة الدولة ومقدراتها وثرواتها، يظهر بعد كل مجزرة من على شاشات قناته الحصرية "العراقية" والقنوات الممالئة، مبتسماً لامع الجبين، مزدهياً بما عليه، ليطمئن الناس ويحذرهم من مبالغات وسائل الاعلام والمتآمرين من داخل وخارج الحدود على سلطته الوطنية، ويؤكد للجميع بان الوضع تحت السيطرة، وعيون رجال الامن والقوات المسلحة ساهرة، تبث الرعب في قلوب الإرهابيين والقتلة الذين تنحسر نشاطاتهم وقدرات تحركهم!

لم أر في أي وقت من أوقات الأزمات، وفي أي دولة من الدول حتى الأشد نزوعاً نحو الاستبداد، ومن أي طاغية متغطرس، قدراً من الاستهتار بمشاعر الناس المنكوبة، في اكثر اللحظات الإنسانية مأساوية، كهذا الذي نراه في وجوه المغاوير من قادة الصدفة، في دولتنا اللا دولة، المنتهكة من أشباه الرجال. إن الواحد منهم لا يتوانى عن الخروج على الناس، مثلما يفعل السيد المالكي، كما لو أن شيئاً لم يكن، وغالباً ما يبدو عليه الانشراح وهو "يتفقد" أماكن الانفجارات "التي جرى تأمينها بحراسات مشددة"، أو وهو يصافح المواطنين المنكوبين، ضاحكاً في وجوههم المكفهرّة. ولا يستبعد أن يتندر معهم، ليدخل إلى نفوسهم الطمأنينة، ويبعد عنهم القلق!

لقد تحول عيد الفطر إلى مأتم للناس يتبادلون فيه التعازي، ويترحمون على الشهداء. لكن دولة المالكي الحريصة على المظاهر المنافقة لفرائض وطقوس الدين الحنيف، بنحو اصبح نموذجاً في سجل النفاق والمنافقين، لم تر في الحالة المأساوية، ما يستدعي إعلان الحداد والامتناع عن استفزاز مشاعر المواطنين الذين اضطروا لقضاء أيام العيد بين المستشفيات والمقابر. لم يجد السيد المالكي في مآسي الناس، غير كونها فرصة لتذكيرهم بأنه عازم على البقاء فوق كرسيه، مهما كلف ذلك العراق والعراقيين من دماء وتضحيات. وهو إذ يذكرهم بهذا الاستحقاق، لا ينطلق من اعتبارات دستورية، وإنما من تكليف شرعي لم يحن الوقت المناسب للتلويح به، كفرض عين، حماية لحق الطائفة التي انتهك حرماتها وتعدى على حقوقها، وحولها لأداة مشبوهة لتبرير الجرائم والانتهاكات التي لحقت بها قبل غيرها.

إن سلوك الدولة المستباحة ورجالاتها في مواجهة مصائب الناس، يستهدف ترويضهم وتطويعهم على ما هو عليه حال البلاد من جرائم إرهابية وانتهاكات وشرور، حتى تحين لحظة تتويج المختار في ولاية ثالثة، دون ان يراوده الشك بأن غفلة حلفائه وحدها، لا تشكل طوق نجاة، فصبر العراقيين نفد، ووعيهم بما يخططه لهم من فتن بين الملل والقوى والمسميات، افقدها صلاحيتها على التأثير.

ورغم ما يشوب المواقف من ضبابية وغموض في بعض جوانبها، فإن القران الذي يعقده "السيد" من وراء ظهر المأذون، باطلٌ ومنعدمٌ.

وسيكتشف الصامتون، اذا ما دام صمتهم على ما يصيب الناس من بلاء، ان خسارة "السيد" لن تعود عليهم بالنفع، لانهم يراهنون على رمية هدف في الوقت الضائع..!

اذا كان الاحتجاج العلني نوعا من المغامرة، أفليس بالإمكان التعبير عن ذلك، برفع اعلام سوداء فوق بيوتنا، او على أبواب أبنيتنا، كناية عن الحزن، وإظهاراً للرفض والاحتجاج...؟!

راية سوداء لا تكلف شيئاً، لكنها تعني الكثير لمصائرنا ومستقبلنا المهدد بالضياع، على أيدي هؤلاء الفاسدين المتأسلمين، بلا إسلام وقيم إيمانية حقيقية..

راية سوداء فوق السطوح وعلى الأبواب، تعوض عن الخروج إلى الميادين والساحات التي اقتحمتها الجماهير المصرية دفاعاً عن كرامتها وحريتها..

راية سوداء وحدها الآن، تكفي لإظهار إرادتكم الحرة، فهل هذا كثير عليكم..!؟


المدى
العدد (2865) 14/8/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات