| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 13/11/ 2009



القائمة المغلوحة

محمـد المـوسـوي

كلا العنوان ليس غلطة إملائية بل إن الكلمة مشتقة من دغم القائمة المغلقة والقائمة المفتوحة والاشتقاق قـد يذكر بعض القراء بالاشتقاق الشهير "المتشائل" الذي ابتدعـه الكاتب الفلسطيني أميل حبيبي والذي اشتقه من كلمتي المتشائم والمتفائل ولقـد دار هذا الاشتقاق في ذهني منذ أن بدأ البرلمان العراقي نقاشاته الماراثونية بشأن شكل وأسلوب الانتخابات القادمـة في كانون الثاني القادم حيث اقر القانون الانتخابي الجديد أن تكون القائمة مفتوحة في الظاهر ولكن أسوأ من القائمة المغلقة في الجوهر حيث تتم عملية التفاف بهلوانية "ديمقراطية" لسـرقة أصوات الناخبين والتي قـد تصل إلى 65% لو قيست على أساس مـا تم في انتخابات مجالس المحافظات من سرقة علنية فظة وليتم منح تلك الأصوات ومقاعدها إلى القوائم الرئيسية "المسماة بالحيتان" والتي ستحنو نفس المنحى الطائفي والمحاصصي البغيض السابق ولاشك إنها عملية تزوير ومصادرة لأصوات الناخبين أي كما يقول المثل " تريد أرنب أو غزال فما تأخذ إلا أرنب – وما شاء الله على أرانب البرلمان الحالي التي أصبحت بحجم الثيران من السحت الحرام".

يبدو إن ما يسمى بالعملية الديمقراطية العرجاء على أفضل تقدير سوف تدخل في الانتخابات القادمة عملية بتر للأطراف بدلا من تقويمها أي سينتهي الشعب ببرلمان مبستر "صافي دافي" بعيد كل البعد عن تمثيل الشعب وقد لا نستمع فيه حتى إلى بعض الأصوات الخافتة الخجولة التي كنا نستمع لها في البرلمان الحالي وعلى فترات متباعدة جدا لتفضح الوزير السارق الفلاني أو تحاسب الوزير المقصر العلاني والتي يبدو إنها أغضبت المهيمنين فقرروا التخلص منها "إنشاء الله" في الانتخابات القادمة فبدلا من أن تمنح المقاعد الشاغرة للنواب الذين قـد تعوزهم بضعة آلاف من الأصوات فسـوف تمنح وفق القانون لأعضاء في القوائم الفائزة والذين قد لم يحصلوا إلا على بضعة ألاف من الأصوات فإذا لم نسمي عملية اللغف هذه بالقائمة المغلوحة فماذا نسميها إذن؟

لقـد تركزت اغلب المناقشات على مشكلة تمثيل كركوك والتي انتهت بقبول مقترح الأمم المتحدة بتدخل مباشر من سفير دولة الاحتلال والذي حضر جلسات المناقشة علنا وبدون استحياء ولا ادري وفق اية مادة دستورية ولكن ما أهمية الدستور والسيادة إذا كانت الإطراف المهيمنة مباركة لهذا التدخل "الميمون المبارك!" أما ملايين المهاجرين والمغتربين فلا يبدو إن لتمثيلهم أية أهمية حقيقية ووصل الأمر إلى تشكيك المسئولين بأعدادهم التي تقدر بأربعة ملايين على اقل تقدير وهي أرقام لم تكن مثار خلاف بين الأوساط الحاكمة الحالية أثناء وجودها في المعارضة في الخارج قبل عام 2003 فلماذا يجري الإصرار الآن على تغييب أصواتهم وتمثيل إرادتهم ومنذ متى أصبح المهاجرين والمهجرين والمغتربين مواطنين من الدرجة الثانية؟

كما لا ينبغي أن ننسى ما جرى في عمليات الانتخابات السابقة والتي كان يتأخر فيها إعلان النتائج لأسابيع لتخضع إلى عملية "مساج أي تدليك" من مفوضية الانتخابات غير المسـتقلة وبالرغم من دعاوى الطعن والشكاوى السابقة من ممارساتها والشكوك الكثيرة بشأن فسادها وعدم مصداقيتها فيبدو إنها سـائرة على نفس النهج الذي اختطته في الانتخابات العامة السابقة وانتخابات مجالس المحافظات , أما المواطن العراقي فقد اظهر فقدان الثقة كليا بالنظر لما يعانيه يوميا من نقص حاد في مستلزمات الحياة الأساسية وخدمات الماء والكهرباء وفقدان الأمن والمعاناة من البطالة إضافة للغلاء الفاحش واختفاء الكثير من مكونات الحصة التموينية والتي لولاها لتعرض الملايين من الفقراء إلى مجاعة حقيقية. وقد وصلت معاناة الناس لدرجة اخذ يترحم البعض منهم على النظام البعثفاشي المقبور الذي عاني العراق من جرائمه وحروبه العبثية لعشـرات السـنين.

إن ما زاد في خيبة أمل الإنسان العراقي فشل البرلمان المبني على المحاصصة والفئوية في تحقيق أي انجاز يذكر لصالح أبناء البلد في وقت انشغل بتكديس الامتيازات لأعضائه وعوائهم تلك الامتيازات المضافة لرواتبهم ومخصصاتهم الخيالية والتي أضيفت لها مؤخرا قطع الأراضي على نهر دجلة والجوازات الدبلوماسـية في وقت كان يغيب وبشكل مستمر عن الجلسـات عددا لا يقل عن الثلث ويزيد أحيانا عن النصف ممـا يشل عملهم ويمنع انعقاد بعض الجلسات بسبب فقدان النصاب وبدلا أن يحاسب البرلمان أعضائه وتشكيلاته لتقصيرهم الكبير اخذوا يتبرمون من الانتقاد ويهددون الكتاب والصحفيين بإقامة الدعاوى إضافة إلى منع البث المباشر الحي للفضائيات.

يخطأ من يتصور بان العراق سيشـهد في الانتخابات القادمة تغييرات جوهرية في الاصطفافات السـياسـية الحالية المبنية على المحاصصة الطائفية والقومية المقيتة ويمكن التنبؤ مسـبقا بان نفس الوجوه البرلمانية الكالحة الحالية سـوف تعود بغالبيتهـا للبرلمـان القادم خاصة وإنها تمرست في الكذب والتضليل طيلة الدورة البرلمانية المنتهية الصلاحية في الشهر القادم , وهنا تحضرني مقولة شعبية كان يتناولها المواطنين أثناء انتخابات مجالس المحافظات بداية العام الحالي ومفادها انه قـد يكون الأفضل إعادة انتخاب أعضاء المجالس السـابقين أنفسهم على أمل أن يكونوا قـد شبعوا من النهب والكذب والسـرقة والتزوير بدلا من أن نبتلي بمجاميع جديدة من السـراق والحرامية الجدد .

إن المرحلة القادمة هي مرحلة حرجة وحسـاسـة فعلا بالنسبة لتطور العراق الأمني والسياسي والاقتصـادي والاجتماعي ولكن بالنظر لغياب سـلطة القانون الحقيقية ولوجود عناصر هزيلة وغير كفوءة ومتعصبة دينيا وقوميا في مفاصل اتخاذ القرار وكذلك بالنظر للفشل المريع على كافة الأصعدة وعزلة الحكام عن أبناء الشـعب وتجاهل مطالبهم وهمومهم فلا يمكن أن نتوقع بان ما ستجلبه الانتخابات القادمة من حكومة وبرلمان سيكون أفضل بكثير مما نشاهده حاليا خاصة وان قانون الانتخاب قـد جرى تفصيله وفق مقاساتهم وصدق الشاعر قديما حيث قال :

علم ودستور ومجلس امة       كل عن المعنى الصحيح محرف

 

 

13-12-2009

 

free web counter

 

أرشيف المقالات