| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 13/12/ 2010

     

معذرة لكنَّ ، فأنا لست إرهابية ...

وئام ملا سلمان

رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات
غادرت بيتي بملابس ثقيلة لأقيني كيد الزمهرير ،إذ كان المحرار الزئبقي يؤشر على 10 تحت الصفر، كنت أحمل كيساً به علبة (بقلاوة) وأخرى (من السما) من منتجات الخاصكي (ماركة بغدادية مسجلة) وكاسة عقد قران إبن أختي في بغداد ، عبارة عن صندوق خشبي يرمز إلى صندوق الكنز لما يحتويه من ليرات ذهبية (مزورة) ولؤلؤ وأحجار كريمة ، وصحن كباب عراقي مقلى حديثاً ومغلف بشكل جيد كي لا تفضحه رائحته (أنا أعددته) ، كنت في طريقي إلى بيت إبني ،وأنا أحمل له ولزوجته هذه الهدايا (الصوغة) التي أتت بها أختي من العراق حيث كانت هناك ،والمرسلة من أمي ،فهي تتشهى لأحفادها معتقدة أن السويد تفتقر إلى هذه الأشياء رغم أنها قد زارت السويد قبل أكثر من عقد ونصف وشاهدت بأم عينيها ما تتمتع به هذه البلاد مما لذ وطاب من أمن وسلام وشراب وطعام ، ولكن هذا هو ديدنها وعادتها التي لا تريد إبدالها ولا يهمها كم يكلف وزن الطحين الذي يغرق فيه (من السما) أو (الكَز)! ، وبعد أن إستلمت حصة أولادي من أختي عند زيارتي لها ، والتي تم تقسيمها سلفاً من بغداد وما كان مني إلا أن أفرقها في أكياس وأسلمها لهم.

من بيتي إلى المحطة كنت أمشي بحذر مخافة التزحلق وما يسفر عنه من نتائج مريعة ، وقد دفعت ضريبة الثلج وانكسرت يدي قبل عقد من الزمان ، بهذا الحذر كان أعشى قيس بكلماته معي : تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحِل ، فأنا لست بغرّاء ولا فرعاء ولا مصقول عوارضها ولله الحمد، ولا وجي فقد تنعمت قدماي بزوجين من الجواريب وحذاء مبطن ولو أنه قديم ولكنه يفي بالغرض، ولكن الثلج المنبسط كمرج أبيض على الأرض ذكرني بهذا البيت الذي يُعتبر واحد من الأبيات المتينة التي قيلت في الغزل ، وعرجت إلى نجد والحجاز حيث الجفاف والسيول والأوحال ، وتخيلت أعشى قيس معارضاً فاراً من حكم آل سعود ، لاجئاً في السويد فما الذي سيقوله في هذا الثلج وكيف سيصف حبيبته وهي تنتعل حذاء التزلج بقدميها مستذكرة مقولة تتكرر دائماً ـ الشاعر إبن بيئته ـ أطفأت لفافة التبغ بباب المحطة التي وصلتها بأمان مودعة شاعري ، متخذة مقعداً لي في مترو الأنفاق.

اليوم هو الأحد والقطار نصف فارغ وعليه كان بإمكاني أن أضع الكيس على المقعد الذي بجانبي، أخرجت كتاباً من حقيبتي اليدوية مستغلة الوقت للقراءة، وصلت المحطة المركزية ولم أشعر بالوقت حيث مادة الكتاب المشوقة ،وكان لابد من أخذ قطار ثان ٍ يتجه بي نحو خط آخر لأدرك غايتي ، هبطت سلالم طابقين ومشيت بخطى مسرعة والكيس في يدي ، كي لا تفوتني عشر دقائق إنتظار في المحطة وشعرت بالحر ولأني أتحسس بسرعة بسبب وضعي الصحي ، ما أن صعدت القطار وألقيت بالكيس وحقيبتي على عجالة فوق الكرسي الذي بجانبي ، قررتُ خلع معطفي للتخفيف من ملابسي بذات اللحظة ، فكانت حركتي متسارعة لفتت إنتباه نسوة ثلاث فوق العقد السابع من العمر (قدرت أعمارهن بعد أن جلست واسترخيت بعض الشيء) ، كن قد ركبن من محطة سابقة متخذات المقاعد التي من الجهة الثانية وبيني وبينهن ممر القطار، من هنا بدأت الحكاية.... أيَّ فزع هذا الذي رأيته في وجوههن وأنا أقوم بخلع معطفي ، أقسم لو أن احداً حكى لي هذا المشهد لقلت له إنك تبالغ فيه ولكنني عايشته بنفسي ، النسوة المسكينات ربما إعتقدن أنني ألبس حزاماً ناسفاً أو لا أدري ماذا!!! من دهشتي لردة فعلهن أعلنت عن تذمري الشديد من حرارة الجو ، فرددن بجواب مشترك ، الجو بارد وبخوف فاضح في عيونهن ، كل الذي أوصفه الآن لم يستغرق أجزاء الدقيقة كفعل وردة فعل ولكنني أشعر بحزن عميق حتى كتابة هذه السطور ، أشعلت لفافات تبغ أخريات بعد مغادرتي المحطة في الطريق إلى بيت إبني عسى أن يخففن من وجعي ، ولكن لا أدري كم من هذه المواقف سنتعرض لها نحن اللاجئين حتى وإن صرنا مواطنين بحكم القانون! سأبقى أشتم الأرهاب وأهله ، وأقول : اللعنة على من جاء به إلى هذا البلد الآمن ؟





 

free web counter

 

أرشيف المقالات