| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                 الأثنين 13/2/ 2012

     

ذكريات من قصر النهاية

خيون التميمي

كتب الأستاذ سامي كلاوي مقالا نشر في موقع الاتحاد الديمقراطي العراقي تحت عنوان  (لعنة الزعيم عبد الكريم قاسم - الرابط (http://www.idu.net/portal/index.php). أعادني هذا الموضوع الى الشهور التي قضيتها مع مجموعة من رفاقي في قصر النهاية سيئ الصيت عام 1969

 بعد أن أوقف  التحقيق معنا، سمح لنا بالخروج  تحت الحراسة الى الشمس لعلاج آثار التعذيب ، ثم نعود الى غرفنا، وقد فوجئنا في ظهيرة أحد الأيام بالمدعو ابو يعرب وكان أحد المسؤولين عن التحقيق يفتح علينا باب الغرفة الكائنة في الطابق الثاني، ويقول لنا سنأتي لكم بمجموعة شواذي (قردة) للترفيه عنكم وبعد دقائق عاد وخلفه الدكتور عبد الرحمن البزاز وقد ربطَ من عنقه بحزام قماش كان يحتزم به على (الروب الأزرق الذي يرتديه) وسحبه بقوة الى باب غرفتنا قائلا (يلله صفقوا له ليرقص لكم). حقيقة فوجئنا مفاجئة كبيرة ولم نصفق، كررها مرتين ثم قال حسنا أرقص بدون تصفيق فكان جواب الدكتور عبد الرحمن ( والله سيدي ما أعرف أرقص)، فأجابه ابو يعرب أرقص ابن ( الك ..... ) آنت ابن بريطانيا ومتعرف ترقص؟  ثم ضربه (بوكس) على وجهه أطار نظارته من عينيه وترنح حتى كاد أن يقع على الأرض لقوة الضربة ولكبر سنه ومرضه. المهم رقص الرجل لمدة عشر دقائق أو أكثر حتى سقط من الأعياء. تركه أبو يعرب حتى استراح وجذب أنفاسه، ثم قال لنا أخرجوا من الغرفة، وأمره بأن يجمع أفرشتنا وينظفها، ثم يمسح الأرض بالروب الذي يرتديه، وأخذت هذه العملية أكثر من ثلاث ساعات والمجرم أبو يعرب تارة يسبه وأخرى يضربه لحين أكمال عملية التنظيف وإعادة فرش الغرفة ثانية، ثم تركنا وترك الدكتور عبد الرحمن بيننا، أجلسناه ليستريح، فإنهار باكيا بكاءً شديدا، وقال اني كنت قد عدت لأبرئ نفسي من تهمة الجاسوسية التي وجهت لي ( التجسس لصالح بريطانيا).

بعد فترة نصف ساعة تقريبا احضروا شخص قصير سمين له كرش أكبر منه وقالوا، هذا نافع أحمد بطه اتركوه ينام معكم. بعد أن رقص هازا كرشه النتن ( نافع أحمد بطة الحاكم العسكري بعد 8 شباط  وصاحب نظرية ( من أبو عكال للأخير 300 سنه تقاسموها بيناتكم ). نعم وضعوا هذا الوغد المجرم بيننا، المهم لم نقبله ونادينا على أبو يعرب أن يخرجه لكوننا لا نستطيع رؤيته والعيش معه. قال ولا يهمكم أجيبلكم شاذي غيرة، أخرجه مع (جلاق معدل) وجاءنا ومعه إبراهيم فيصل الأنصاري القائد العسكري المعروف وصاحب مجازر الشعب الكردي إبان 1963 وما بعدها، وكان معنا في غرفة السجن معاون شرطة كاكا محمود كما أتذكر اسمه من أربيل.

عند دخول إبراهيم فيصل الأنصاري كان كاكا محمود جالسا في زاوية الغرفة المقابلة للباب، ذهلنا لقفزة محمود من الزاوية الى الباب متجاوزاً عددنا ( كنا 65 شخص في تلك الغرفة وقياسها 4×5 ) ليمسك برقبة إبراهيم  فيصل الأنصاري ويطرحه أرضا ليوجعه ضربا وركلا وهو أي كاكا محمود يبكي بحرقة رغم جراحه التي لم تبرأ بعد نتيجة التعذيب، حاولنا جاهدين أن نخلص إبراهيم منه  ودماء غزيرة تملئ وجهه ورقبته، أجلسنا كاكا محمود ليرتاح وكذلك نادينا على الحرس ليخرجوا ابراهيم حفاظا على سلامته ونحن لا زلنا لا نعلم سر محمود وإبراهيم.

بعد أن جذب أنفاسه قال كاكا محمود إن هذا المجرم أعدم عائلتي جميعها أمام أبناء قريتنا وهم والده ووالدته وأخواته الأثنين أو الثلاثة كما أذكر وإخوته الكبار والصغار إلا واحدا صغيرا خبأته امرأة في شروالها، والكل اعدموا بدون سبب فقط ليكونوا عبرة لغيرهم.

بعد ان تٌرك الباب مفتوحا، سمعنا جلببة وكلمات بذيئة سوقية على الدرج واقتربت الأصوات من غرفتنا وإذا بهم جاؤوا بالفريق طاهر يحيى (حرامي بغداد) رئيس الوزراء مربوطا من رقبته ايضا وهو يعربد ويسب و(يفشر) على عبد الرحمن البزاز وكان بيده عمود طويل متوعدا عبد الرحمن بالعقوبة القصوى، توارى عبد الرحمن خلفنا خوفا من ضربة موجعة، وعند عدم تمكن طاهر من ضرب عبد الرحمن، أمر ابو يعرب طاهر يحيى بالرقص على وحدة ونص، رقص الفريق وطبعا كان سمين وكرشه كبير والحراس يضربونه على مؤخرته.

وكان طاهر كذلك مسؤولا عن تدريب جماعته من السجناء من اركان نظام 63 يوميا بعد الظهر عند جلوسنا بالشمس ليزداد تعذيبهم عذابا. وكانت لطاهر يحيى سيارة مرسيدس حمراء (عنجة) كما نسميها موديل 1959، يناكده الحراس بسياقتها بسرعه في ساحة القصر.

وكان آخر من جيء به لغرفتنا هو الوزير عبد الكريم فرحان وكان نصيبه أقل بكثير من أقرانه، وأبقيناه معنا عدة أيام، ثم أخرجوه الى غرفة أخرى لازدحام غرفتنا. كان هناك آخرون يصل عددهم اكثر من خمس عشر شخصا نراهم عند الخروج الى ساحة القصر، وقد أذاقوهم اشكال واصناف كبيرة من الإهانات.

أعود الى الدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء أيام رئاسة عبد الرحمن عارف وصاحب نظرية الأشتراكية الرشيدة ، كان يعاني كثيراً من الأمراض وقد منعت عنه الادوية.

بُلِغت بالخروج من السجن مع مجموعة من السجناء المفرج عنا ( أطلق سراحنا من المعتقل تباعا وحسب آثار التعذيب فكان نصيبي التأخير) المهم قلت له ماذا استطيع ان أفعله لك يا أبا عامر ( عامر وبنت خرساء هم ابناء الدكتور عبد الرحمن) فطلب مني أن أذهب لأبن خالته طبيب المجاري البولية الشهير الدكتور مكي الواعظ  وكانت عيادته في عمارة حافظ القاضي لكونه كان طبيبا للبكر آنذاك لغرض محاولة مساعدته في السجن، وفعلا ذهبت للدكتور مكي وأخبرته بحالته. وكانت جلسة حزينة حد البكاء مع الدكتور مكي الواعظ أخبرته فيها كل ما جرى لعبد الرحمن البزاز. بعد فترة أطلق سراح البزاز وبفترة قصيرة جدا كما عرفت من الدكتور مكي الواعظ توفي متأثرا بأمراضه وسوء حالته الصحية.

 ما أريد قوله، نعم أيها الأستاذ سامي كان مصيرهم سيئا وكما نقول "وضع بأسهم بينهم"، شكرا لأنك أنصفت الزعيم بمقالك الرائع.

free web counter

 

أرشيف المقالات