| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 13 / 1 / 2014

 

القوى المدنية الديمقراطية وفصائل الاسلام السياسي
مدى القدرة على التوافق لاجتياز مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية

د. حسان عاكف *

قاد نمو الحركات الإسلامية وتزايد نفوذها الجماهيري، بشكليها الإصلاحي والعنفي المتطرف، في معظم البلدان العربية والإسلامية، الى بروز هذه الظاهرة باعتبارها جزءا من النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي لبلداننا، ويخطئ كثيرا من يفكر بتجاهلها او يكتفي بالتلويح بخطر الفصائل المتشددة منها.

لذلك بات من الضروري البحث في إمكانات وآليات التوافق والاتفاق بين مختلف المكونات الاجتماعية والثقافية والسياسية داخل المجتمع الواحد، فتحقيق التوافق بين القوى المدنية الديمقراطية العلمانية، وقوى الاسلام السياسي المعتدلة، في المرحلة الراهنة يبقى أهم شرط لإحلال السلم الاهلي والوئام المجتمعي.

وبدءا اقول ان الحديث هنا لا يخص تلك القوى والحركات الاسلامية المتشددة والمتطرفة الساعية لفرض اجندتها الخاصة، والتي تضيق بالتعددية والديمقراطية والحياة العصرية والتنوير، ولا بد من تمييزها عن قوى الاسلام السياسي المعتدلة، سواء من كان منها في السلطة او ضمن صفوف المعارضة، والتي ترفض العنف، وباتت تطور وتغير من اطروحاتها ومفاهيمها للاقتراب من الواقع المعاصر، وتتقبل الحوار مع الاخرين المغايرين لفكرها ومواقفها السياسية.
هناك جملة من العوامل والتحديات امام امكانية الاتفاق والتوافق بين قوى الاسلام السياسي والقوى المدنية :

اولا: مدى استعداد الاسلاميين، مع احتفاظهم بمرجعيتهم الدينية، للتخلي عن الدعوة لبناء الدولة الدينية وللسعي الى المشاركة مع الآخرين في بناء الدولة المدنية الديمقراطية.

ثانيا: الموقف من مبدأ المواطنة المتساوية، بغض النظر عن دين، أو طائفة، أو قومية او جنس المواطن الفرد.

ثالثا: الاقرار بالديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة ورفض العنف.

رابعا: الموقف من قضية المرأة وحقوقها ومساواتها باخيها الرجل.

خامسا: الاقرار ان للمجتمعات البشرية قيما ومثلا وطقوسا اجتماعية وسلوكية مدنية تراكمت عبر القرون، وهي تنمو وتتطور على الدوام، وينبغي احترامها كما يراد من المجتمع احترام العادات والطقوس الدينية،

ان على قوى الاسلام السياسي في بلداننا، وكما يقول زعيم حزب النهضة في تونس السيد راشد الغنوشي، إقناع الناس بأن الشريعة يجب أن تكون حول العدالة، والحقوق الإنسانية، والمساواة ونشر السلام، عليها ترويج صورة عن إسلام مقترن بالقيم الرئيسية لعصرنا، وإن القيم الحقيقية للحداثة – للعلم والقيم العالمية - لا يمكن أن تتعارض مع الاسلام على حد قوله.

ويبقى التحدي الأساسي المطروح امام قوى الاسلام السياسي، وهو مدى قدرتها على النأي بالدين والمسألة الدينية عن صراعات وتجاذبات السياسة والسلطة والمصالح.

اما العلمانيون فعليهم التخلي عن النظر الى القوى الاسلامية باعتبارها قوى تجاوزها الزمن والتاريخ، ويخطئ العلمانيون في قراءة الظاهرة الدينية اذا تعاملوا مع جميع قوى الاسلام السياسي باعتبارها تيارات دينية وأيديولوجية جامدة، من دون النظر إليها كحركات اجتماعية أو قوى سياسية تؤثر وتتأثر بما يدور حولها، تنمو وتتطور وتفرز مفاهيم ومعطيات جديدة وتتراجع عن مفاهيم كانت اساسية بالنسبة لها حتى وقت قريب.

ينبغي ألا يغيب عن الذهن والتحليل، ان بعض القوى الدينية، والاسلامية بدرجة اساس، قد ساهمت في تونس ومصر وليبيا واليمن في صنع هبات "الربيع العربي"، ان الحركات الدينية، سواء كانت اسلامية أم مسيحية وغيرها، ليست متجانسة، بل تنطوي على تمايزات داخلها، وبعضها لعب دورا تحرريا ضد الاستعمار والهيمنة الاجنبية وضد الانظمة الدكتاتورية، كما في حركات لاهوت التحرير في امريكا اللاتينية، وكذلك بعض الحركات الاسلامية في تونس والعراق ولبنان والبحرين وايران، لذا لا يجوز الاستبعاد المسبق لقوى ومجموعات وعناصر معتدلة ووسطية ووطنية، يمكن ان تساهم في تطوير عملية التغيير وتجذيرها.

ان حداثة العلاقة بين فصائل التيار المدني الديمقراطي والتيار الاسلامي في البلدان العربية، ومحدودية تجارب التنسيق والتحالف في ما بينها، تجعل من السابق لاوانه اعطاء اجابات وافية حول آفاق ومديات وعمق التعاون بين هذين التيارين، وتبقى الاسئلة حول هذا الامر مفتوحة مشرعة الابواب على اجابات غير متكاملة أو بدون اجابات احيانا، غير ان ذلك لا يمنع من القول ان الميادين والبرامج السياسة العملية والقضايا الوطنية والانسانية العامة، تشكل مع المضامين القيمية والاخلاقية للشعوب والمجتمعات، ومع تبني المطالب التي تهم حياة السكان ومعيشتهم ومبدأ العدالة الاجتماعية، فضاءات رحبة وميادين التقاء وتنسيق وتوافق هامة بين القوى المدنية الديمقراطية وقوى الاسلام السياسي المعتدلة.

وعلى العكس من ذلك تشكل التناقضات الإيديولوجية – الفكرية المستعصية، وتاريخ العلاقة بين التيارين، المثقل بالصراع والتناحر والتكفير والتخوين ومحاولات الاقصاء المتبادل، تشكل جميها عوامل للفرقة واستمرار التناحر، في هذا الجانب نرى ان يجري احترام كل منا لقناعات الآخر وخياراته الفكرية، وان يترك الجدل بشأنها لمستقبل قادم، ما دام هذا الجدل غير آني وغير ملح امام المهام والمسؤوليات الكبرى التي تنتظر شعوبنا منا جميعا انجازها.

تجربة التعاون المشترك في العراق
تعود تجربة العمل المشترك بين القوى المدنية والقوى الاسلامية في العراق الى بداية ثمانينيات القرن الماضي، وقد تم ارساؤها حينها على اهداف سياسية محددة تتمثل اساسا بالسعي لاسقاط النظام الدكتاتوري الاستبدادي وتشكيل حكومة ائتلاف وطني مؤقتة على انقاضه، رغم ذلك ما تزال هذه التجربة هشة وغير متجذرة، ويصعب الخروج باستنتاجات ودروس كبيرة بشأنها.

وقد مرت اشكال التعاون هذه بصيغ واطارات عدة منها:
لجنة العمل المشترك التي تشكلت عام 1990 بعد جريمة غزو الكويت من قبل النظام الدكتاتوري السابق، ضمت هذه اللجنة في حينها الى جانب الاحزاب الاسلامية فصائل واحزاب التيار المدني من شيوعيين ويساريين وليبراليين ووطنيين وقوميين ديمقراطيين عربا وكردا وتركمانا وكلدانا آشوريين وغيرهم.

المؤتمر الوطني العراقي 1992 الذي انبثق عام 1990 وضم عموم فصائل الطيف السياسي العراقي المعارض آنذاك، على اختلاف انتماءاتها القومية والدينية ومرجعياتها السياسية والفكرية.

بعد التغيير عام 2003، تجسدت صيغة التوافق بين الاطراف المختلفة مدنية واسلامية في تجربة مجلس الحكم، ومن ثم في تشكيل الحكومات المتعاقبة بعد ذلك، والتي ما تزال حتى الان تضم احزابا سياسية علمانية واسلامية مختلفة، غير انه من الضروري التأكيد ان التحالف والتوافق بين هذه القوى وكذلك الاختلاف والصراع، لا يجري بالاساس على ارضية علماني - اسلامي، وانما يتم وفقا لالتقاء المصالح السياسية او تقاطعها بين هذه القوى، انه صراع محاصصة على السلطة ومغانمها من جانب، وصراع على تحديد شكل الدولة التي يراد بناؤها في العراق ومستقبل العراق من جانب آخر.

ويمكن ملاحظة نقاط التقاطع او التوافق بين التوجهين المدني الديمقراطي والاسلامي في مواد عديدة من الدستور العراقي الذي اقر عام 2006، نلاحظ ذلك في المادة الثانية بشكل خاص حيث نصت الفقرة (أ) منها على انه "لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ،" في حين نصت الفقرة (ب) على انه "لايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية"، هذا الى جانب فقرات ومواد عديدة اخرى.

يمكن القول ان عموم احزاب الاسلام السياسي في العراق ماعادت تتردد، كما كان الامر في السابق حيث كانت تفضل مصطلح الشورى، عن استخدام مصطلح الديمقراطية في وثائقها واصداراتها، كما انها لا تطرح هدف بناء الدولة الدينية، لا بل ان بعضها لا يتردد في الاعلان بانه يسعى لبناء دولة مدنية في العراق، كما ان شعار "الاسلام هو الحل"، الذي يبدو ان الكثيرين من اصحابه بدأوا يتخلون عنه، لم يكن متداولا في اوساط الاسلاميين العراقيين منذ البداية.

وعلى الرغم من ان العلاقات بين عموم القوى العراقية، المدنية منها والدينية ظلت في اطار العلاقات السياسية العامة وتتحرك بين مد وجزر، الا ان هناك قوى اسلامية لا تتردد في السعي لفرض ارادتها ومفاهيمها الخاصة على عموم المواطنين، بالضد مما ينص عليه الدستور والقانون، وهناك الكثير من الامثلة على ذلك، منها على سبيل المثال لا الحصر، المحاولات المتواصلة لالغاء قانون الاحوال الشخصية المدني رقم 188 لسنة 1959 ومحاولات الالتفاف عليه، منع اقامة مهرجانات فنية وثقافية بحجة منافاتها للاعراف والقيم الدينية، قضية حجاب المرأة والضغوط المباشرة وغير المباشرة بهذا الشأن، التي تسلط على النساء في المؤسسات الرسمية، بمن فيهن نساء من ديانات اخرى، الهجمات البوليسية المتكررة على النوادي والملتقيات الاجتماعية والثقافية والاعتداءات على روادها وغلقها بين حين وآخر، السعي لاصدار قوانين للاحوال الشخصية ذات طابع مذهبي، كما هو الحال مع مشروع قانون الاحوال الشخصية الجعفري وقانون القضاء الجعفري، الذي جوبه بمعارضة سياسية واجتماعية واسعة حتى من جانب قوى ومرجعيات دينية، وربما يكون مفيدا ان انقل لكم تعليق سماحة السيد حسين اسماعيل الصدر، وهو مرجع ديني مرموق، وتأكيده بهذا الشأن على ضرورة ان تقوم الحكومة بتشريع قوانين مدنية حرصا على اللحمة الوطنية، وان تبتعد عن القوانين ذات الطابع الديني التي تجر البلاد الى صراعات مذهبية وفقهية نحن في غنى عنها.

ولكن لا يتردد سياسيون اسلاميون بارزون عن اطلاق تصريحات تبدو غريبة تماما في تعمدها تحدي واستفزاز الاخرين، ففي حديثه بمناسبة تأسيس حزب الدعوة الاسلامية في العراق، تباهى رئيس الوزراء السيد نوري المالكي بتعاليم المرحوم السيد محمد باقر الصدر وكيف أنها كانت سلاحا لمحاربة "العلمانية والحداثة والماركسية" بوصفها "إلحادا".
 

* عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، مثل الحزب في مؤتمر عمان (4-5/1/2014) وشارك في مداولاته بهذه المساهمة.



الإسلاميون والعلمانيون :
نحو رؤية توافقية لاجتياز مرحلة الانتقال للديمقراطية


تحت العنوان اعلاه التأم في عمان ايام 4 - 5 كانون الثاني 2014 مؤتمر دعا اليه مركز القدس للدراسات السياسية وشارك فيه اكثر من سبعين مدعوا من عشرة بلدان عربية: باحثين وسياسيين وقادة احزاب ونواب ووزراء ورؤساء وزراء سابقين، الى جانب الامير الحسن بن طلال، وقدم الامير الحسن مداخلة تناول فيها واقع التخلف الثقافي والاجتماعي والعلمي والحضاري في عموم البلدان العربية والاسلامية، والسبل الكفيلة باستنهاض هذا الواقع، مؤكدا اهمية الموضوعة التي التأم المؤتمر لبحثها، باعتبار ان التوافق بين مختلف الفصائل والفعاليات السياسية في بلداننا يشكل المدخل الرئيس لانتشال هذه البلدان من التخلف الذي تعيش فيه.

وعلى مدى يومين متتاليين قدم اكثر من 50 متحدثا، يمثلون 40 حزبا وتنظيما سياسيا ومراكز دراسات وبحوث ومسؤولين في دولهم، قرابة 200 مداخلة وبحث انصبت جميعها على دعوة عموم القوى الاسلامية المعتدلة، والمدنية الديمقراطية من شيوعية ويسارية ووطنية وقومية ديمقراطية وليبرالية، الى الارتقاء الى مستوى المخاطر الداخلية والخارجية التي باتت تحيط ببلداننا، وبشكل خاص بعد ثورات الربيع العربي، وتهددها بالانزلاق الى صدامات وحروب اهلية داخلية، تهدد كياناتها وتقودها الى التشرذم والتفكك.
وسادت المؤتمر اجواء ايجابية من الحوار الجاد الرصين والمسؤول.

وفي ختام اعماله جرى الاتفاق على ضرورة التفكير في اختيار "لجنة حكماء" تضم شخصيات ذات تأثير سياسي واجتماعي في بلدانها، مهمتها تنشيط وتحفيز مبادرات الحوار على المستوى الوطني، ومواصلة الحوار والاتصالات على مختلف المستويات السياسية والرسمية للترويج لفكرة التوافق ونبذ العنف والتداول السلمي للسلطة بين القوى السياسية المختلفة في البلدان العربية، ولضرورة احترام القناعات السياسية والفكرية والتجارب النضالية بعضها للبعض الآخر.

كما اقر المؤتمرون اصدار تقرير وبيان ختامي عن اعمال المؤتمر، الى جانب كراس خاص يتضمن جميع المداخلات والمساهمات التي قدمت فيه.

ولم يغب عن المشاركين التأكيد على ان دور مثل هذه المؤتمرات يتمثل في اذكاء التفكير والتفاعل، وان دولنا ومجتمعاتنا هي الوحيدة القادرة على الانجاز.

وقد مثّل حزبنا الشيوعي العراقي في المؤتمر د.حسان عاكف عضو المكتب السياسي، كما شارك من العراق الاستاذ نجيب محي الدين عن التيار الديمقراطي، والنائب يونادم كنا والسيدة باسكال وردة عن الحركة الديمقراطية الاشورية، وميسون الدملوجي عن القائمة العراقية، والقيادي في المجلس الاعلى الإسلامي النائب حميد معلة، وأمين عام كتلة الاحرار - التيار الصدري - السيد ضياء الاسدي والباحث الاستاذ حيدر سعيد والأكاديمي غازي رحبو.


 

free web counter

 

أرشيف المقالات