| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 13/9/ 2009

     

نحن ووطننا الجريح والحلول...
(2)
الفصل الثالث

قرطبة الظاهر

حقوقنا الاجتماعية هي ضماننا لحياة كريمة
قبل الشروع بالمطالبة بحقوقنا الاجتماعية علينا بالتصفح في كتب التاريخ والنظر في مصادر هذه الحقوق. وعلينا ان ننظر إلى معطيات الطبيعة الاجتماعية والعملية والاقتصادية والسياسية الحالية لدولتنا والعمل على تحليل الظروف التي ادت إلى الكارثة الاجتماعية التي تحل وتعصف يوميا بشعبنا. فمن تشرد إلى تأرمل إلى عوز وفقر بسب الحروب المتتالية والحصار الاقتصادي إلى فقدان للمنازل بسبب الارهاب المستمر والانفلات الامني وايضا إلى إهمال واضح في المؤسسة الصحية لمعالجة الامراض المزمنة والفايروسات والامراض البيئية وامراض العصر. فعلى الدولة بذل جهود كثيفة في الشؤون الاجتماعية و الصحة و التعليم والتربية والعمل والتخطيط والشباب والعائلة والمالية لتوفير البيئة المناسبة ولتحقيق العدالة الاجتماعية وكسر الحواجز الطبقية بين افراد المجتمع العراقي. فهذه الحواجز هي ايضا تراكمات متوارثة عبر تاريخ دولة العراق الحديث إلى يومنا هذا. حيث لازال الفلاح الذي قدم من قرى الجنوب واريافها والذي كان يعمل تحت امرة الاقطاع منذ تاسيس الدولة حتى 1958 وسكن اطراف مدينة بغداد في صرايف اصبحت فيما بعد بسبب التكاثف السكاني مدينة اسماها الزعيم عبد الكريم قاسم " مدينة الثورة " بعد ان اقدم على بناء مساكن لهؤلاء الفقراء من الطبقة المُعدَمة والمحرومة. لازال هذا الانسان يشكو العوز والحرمان والفقر ويتطلع إلى حياة افضل وبالاخص إلى احترام وتقبل المجتمع له ولكرامته التي سلبت منه منذ عهود الاقطاع. ولازال العامل يتطلع إلى تحقيق الرفاهية لنفسه ولعائلته ولحياة كريمة يتمتع فيها بحقوق تضمن له الامان والاستقرار ومستقبل الاولاد. في الوقت نفسه نلاحظ بروز طبقة مُرَفّهة من الموظفين في الدوائر الحكومية والسياسيين والتجار والمنتفعين والانتهازيين الذين يتمتعون برواتب خيالية ومخصصات وحماية وسيارات فارهة ذات الدفع الرباعي وكل سبل الراحة والرفاهية مثل دور سكن راقية وشقق كبيرة بالاضافة إلى توفير الكهرباء والماء دون انقطاع! فاين العدالة الاجتماعية؟ او هل أنتخبنا ممثلينا من اجل ان يترفهوا على حساب قوت الشعب ويهملوا متطلباته اليومية او المستقبلية؟ لماذا لا نتمتع نحن الشعب بامتيازات كهذه وحقوق كهذه وحياة كريمة؟ أمْ أنَّ الدستورَ نصَّ على نظام الطبقية الاجتماعية من اجل ان تنتفع طبقة دون غيرها وان نعيد قانون السيد والعبد؟ هل نسينا ما حل في كل الدول النامية من انتفاضات شعبية وثورات ضد مثل هذه الطبقات؟ هل نسينا الثورة الفرنيسة في عام 1789 وما حل بالملك لويس الرابع عشر؟ هل نسينا الثورة الروسية ضد الفقر والبطالة والكساد الاقتصادي في فبراير واكتوبر عام 1917؟ أفلا نتذكر بان ملك بابل حمورابي كان يحرص على ان يكون لديه عددٌ كبيرٌ من الفلاحين يقومون بحرث الاراضي والعمل على زيادة الانتاج الزراعي كي لا يجوع شعبه؟

نظرة تأريخية إلى اوروبا:
تعتبر الحقوق الاجتماعية في الانظمة الديمقراطية الاوروبية جزء من نضال طويل وعناء شعوب اوروبا الغربية من مغبة الحقبة الصناعية في القرن التاسع عشر التي امتازت بشفط كل طاقات الانسان المعنوية ورميه كالقشرة الجافة على قارعة الطريق ليمضي بقية حياته مريضا بلا مأوى ولا عناية طبية. وكذلك كانت المناجم في بريطانيا تستغل عمالة الاطفال فقد كانوا يعملون 14 ساعة على الاقل يوميا لسد رمق عوائلهم واحتياجاتهم على شرط ان لا يصابوا بمرض او بجروح اثناء العمل عندئذ يفقدون عملهم. هذه الحقبة امتازت بأنبثاق تيارين منافسين سياسيين هما الليبرالية والقومية. وكان من يسند هذين التيارين هم البرجوازيون وكذلك طبقات واسعة من الفقراء والذين كانوا يطالبون بحقوقهم في المشاركة بالسلطة. فقد قاموا جميعا بطرح مشاكل لم يستطع احد في تلك الحقبة طرحها على المجتمع لان كل فرد كان منهمكا في كسب قوته اليومي والإفادة من الطفرة الصناعية الجبارة, ناهيك عن وجود المحافظين الملكيين الذين حرموا كل الحريات من اجل تأمين قوة وسيادة دولهم عقب أجتماع فيينا لعام 1815.. لم يستطيعوا طرحها لتحريك الرأي العام والمشاركة في ايجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية المستعصية في اجواء تكسوها اهداف السلطة العليا إلى زيادة راس المال والانتاج لا إلى مستقبل الانسان Human Capital والاستثمار في علمه وتعليمه وصحته. فقد ادت هجرة الكثير من المزارعين والفلاحين (بالاخص بعد تحرر الفلاحين في بروسيا عام 1807) من القرى إلى المدن المنتجة بغية تحسين وضعهم المادي إلى تراجع في المحاصيل الزراعية وإلى كارثة إجتماعية أودت بحياة الكثير من الاطفال نتيجة سوء التغذية والمجاعة. بالاضافة إلى ذلك ادت زيادة وكثافة التعداد السكّاني في المدن الصناعية (ففي المانيا ازداد عدد السكان من العام 1840 إلى 1900 من 33 مليون إلى 57 مليون نسمة) ... أدّتْ إلى جعل الاماكن المكتظة بالبشر خير بيئة للاوبئة وإنتشار الامراض المعدية.

نتاج هذه السياسات ادت إلى حالة من التفقّر "Pauperism" في المجتمع إذ ان كل زيادةٍ في عدد الافراد هو ازدياد في الطلب في سوق العمل. ففي المانيا لم تتمكن الدولة من استيعاب تلك الاعداد الهائلة من طالبي العمل في المعامل والمناجم الامر الذي ادى إلى التفقر الاجتماعي واتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء واصبحت الاصوات تتعالى من خلال الحركات والنقابات العمالية ولاول مرة عام 1845 وظهور نظرية ماركس وانجلز من اجل نيل الحقوق والضمانات للعمال لحياة افضل. كان انبثاق التيارات الليبرالية الاشتراكية عائقاً كبيراً امام القائد السياسي اوتو فون بسمارك Otto von Bismarck. فقد إستطاع اثناء فترة حكمه كمستشار للرايخ (الدولة الالمانية الثانية 1871 ـ 1933) ان يكسر شعبية الحزب الديمقراطي الاشتراكي SPD المتزايدة عندما قامت عناصر غير تابعة لهذا الحزب بمحاولتين لاغتيال القيصر الالماني وليام الاول Wilhelm I ولبُسّت التهمة بالحزب الديمقراطي الاشتراكي. أدّى هذا الاتهام إلى منع كل ما هو اشتراكي أو شيوعي او اشتراكي ديمقراطي وكل ما يتعلق بتجمعاتهم وصحفهم وكتبهم المطبوعة ومنشوراتهم وسجن او نفي كل من يخالف ما أسماه بقانون الاشتراكيين الذي صدر في اكتوبر عام 1878. ولكي يتمكن المستشار بسمارك، وهو من التيار الملكي المحافظ، من التخلص من الاشتراكيين اعتمد على نظام اجتذاب الطبقة العمالية للدولة بدلا من تحولهم إلى تيارات سياسية مناهضة للدولة ولإبعادهم عن الاشتراكية. تمكن بسمارك من تحقيق هدفه من خلال اصدار قانون الضمان الصحي عام 1883 وقانون الضمان ضد الحوادث عام 1884 وقانون الاعاقة التامة عام 1889. وبعد الحرب العالمية الاولى شرّعَ قانون حماية المتضررين في عام 1919 وخلال سنوات النهوض الاقتصادي في المانيا شرّعَ قانون الحماية ضد البطالة عام 1927 وكانت دولة فايمار الالمانية لم تعرفْ بعد بالازمة المالية المعروفة بالجمعة السوداء التي سوف تعصف بها من القارة الامريكية بعد سنتين اي في عام 1929 وتكون احدى اسباب انهيار الدولة وتأسيس الدولة الالمانية الثالثة بقيادة آدولف هتلر عام 1933. كل القوانين بقيت سارية المفعول حتى يومنا هذا واضيف اليها قانون الرعاية الصحية عام 1995.

العودة إلى العراق:
خلال حقبة الحكم العثماني للعراق تبلورت فيه عدة مجتمعات فكرية واجتماعية ودينية. ففي الوقت الذي كان فيه اغلبية السكان منطوين حول حوزاتهم العلمية في المناطق الريفية الجنوبية واكثرهم من الطبقة الفلاحية، نشأت في بغداد طبقات من البرجوازيين والملتفّين حول البلاط العثماني والمنتفعين والتجار. هذه الطبقات امتازت بتنوع فكرها وتطلعاتها وثقافتها العالية. وكان أبناءُ المتنعمين بالسلطة والثروة يرتادون المدارس الخاصة والمعاهد التقنية. وسرعان ما توسعت ونمت الطبقة المثقفة في المدن لكنها لم تكن عراقية بل كانت هذه الطبقة تتميز بعادات وتقاليد عثمانية وتتحدث اللغة التركية إذ تعتبرها لغة المثقفين والمتميزين عن الطبقات الاجتماعية الاخرى. هذه الفجوة بين الحضارة الريفية والحضارة المتمدنة ادت إلى كارثة اجتماعية نحصد ثمارها في يومنا هذا. فكون أهل الحضارة الريفية لا يرتدون ملابس " الأفندية " ولهم لغتهم ولهجاتهم الخاصة في الكلام والتعامل فإنهم في نظر سكان المدن الكبرى أهلُ حضارة بالية ومتخلفة عن كل قيم الرقي والتقدم والتحضر والانفتاح. لقد رسخت هاتان الحضارتان في الحقبة العثمانية وتشعبتا وتطورتا إلى الاسوأ خلال حكم الانتداب البريطاني حتى عام 1958 لكنهما بقيتا متجسدتين في اذهان وفكر العراقيين. ففي حقبة الانتداب البريطاني والذي عمل على توسيع النفوذ العشائري من اجل كسبه سياسيا وامنيا سن قانون الاستيطان Land Settlement Law في عام 1932 ويضمن حق شيوخ العشائر في استحصال الاراضي وحرثها والانتفاع الذاتي منها مع المستثمرين الاجانب مما يحصدونه من ناتجهم الزراعي والحيواني. وكان عدد كبير من الفلاحيين الفقراء يعملون ليل نهار في تلك الاراضي وبأجورٍ لا تكفي لسد رمقهم ورمق عوائلهم. الامر الذي أجبرَ الكثير من الفلاحين على ترك الارض والتوجه وعوائلهم إلى المدن من اجل كسب المال. فنشأت في المدن كانتونات فقيرة من صفيح تعرف بالصرايف على مشارف وفي اطراف المدن حيث انتشرت الامراض وسوء التغذية والبطالة والفقر والعوز. لم تفكر حكومة الانتداب في سن قوانين للحفاظ على البيئة البشرية الاجتماعية كما هو الحال في دولتها الام بريطانيا. لكن الامور تغيرت نحو الاحسن بعد ثورة 14 من تموز عام 1958 حيث تحولت الصرايف إلى مدن سكنية حديثة وعملت الدولة الجديدة على محو الامية والتعليم الالزامي المجاني مع توفير وجبات غذاء للطلاب مجانا والنهوض بالواقع الانساني والاجتماعي والصحي حيث سنت العديد من القوانين للحفاظ على كرامة الانسان وبالاخص المرأة ورفع قانون الاستيطان وتم توزيع الاراضي على جميع الفلاحين بالتساوي وانتهت حقبة الاقطاع العشائري. أيضا تم تقليص ساعات العمل من تسع ساعات إلى ثماني يوميا مع إحتساب كل ساعة اضافية. وأثناء فترة السبعينيات من القرن المنصرم وتحت حكم حزب البعث وبعد تأميم النفط في 01 يونيو ( حزيران ) من عام 1972 بدأ العراق حقبة تطور عمراني وحضاري جديد مع مواجهة العديد من العوائق السياسية والمعطيات الاجتماعية. وفي عام 1969 اصدر قانون إلغاء تسديد مستحقات الارض التي تم توزيعها بمبالغ رمزية في حكم الزعيم عبد الكريم قاسم على الفلاحين. وتم ايضا توسيع وانشاء العديد من المدارس والمعاهد التي كانت ايضا مجانية. فبين الاعوام 1968 و 1980 تضاعف عدد طلاب المدارس وبلغ عام 1980 المليون طالباً. بالرغم من النهوض في المستوى التعليمي كانت نسبة الامية في العراق عام 1977 53%. وقد اطلقت الدولة عام 1978 حملات واسعة لمكافحة الامية وايضا عملت على تحسين المستوى الصحي الامر الذي أدى إلى النمو السكاني وارتفاع متوسط العمر من ال46 سنة إلى 75 سنة. وأصبحت الطبقة الغنية بالكفاءات والقدرات العلمية والعملية تبلغ 35% من الشعب عام 1977. لكن وبالرغم من هذا التقدم تبقى الفجوة بين المدن والارياف كبيرة في مستوى المعيشة والرفاهية والحقوق الاجتماعية. لم يتبقَ للشعب من حقوق اجتماعية في الحقبة التالية من الدولة الرابعة وهي دولة صدام حسين حيث أدّت الحروب المتتالية والحصار الاقتصادي إلى انهيار تام للدولة التي توجّهتْ منذ حقبة ثورة تموز 1958 ان تكون دولة اشتراكية اجتماعية مبنية على تقديم الدعم لكل مواطن ومساعدته في حياته وتوفير كل الحماية من العوز والفقر والمرض والامية. واصبحت ديون الدولة اعلى من الدخل القومي للفرد الواحد. الامر الذي ادى إلى التضخم ولجوء الانسان لامتهان خدمة اضافية إلى خدمته الاساسية وإلى عمالة الاطفال من اجل مساعدة ذويهم. الامر الذي ادى إلى تدني المستوى التعليمي بشكل خطير. الكثير من العوائل اضطرت إلى ترك العراق بسبب الازمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبحث عن دول يلجأون إليها لتأمين مستقبل أبنائهم. وبهذا بدأت الطبقة الوسطى من الكفاءات والموظفين بالتلاشي فاصبحت هناك طبقتان في المجتمع من الحزبيين ورجال الامن والانتهازيين والمتفعين من النظام ومن المحرومين والفقراء والمظلومين بسبب معارضتهم للنظام او بسبب الحصار والازمة الاقتصادية التي ادت بهم إلى الانهيار الاجتماعي.

أما اليوم فقد وضعنا في دستورنا بعضا من الحقوق الاجتماعية (المادة 22, 23, 29, 30, 31, 33, 34 من الدستور لعام 2005) التي علينا ان نعتبرها اساسا لنظامنا الديمقراطي وأحد أسس مبادئ الدولة العراقية الحديثة. وعلينا ان نطبقها من اجل ارساء العدالة بيننا وتجسيد المصالحة الوطنية. فلن تكون هناك مصالحة وأهلنا الذين قارعوا سجون الارهاب الصدامي والذين ضحوا بذويهم في المقابر الجماعية والذين فقدوا وظائفهم و كل حقوقهم وتم ترحيلهم قسرا عن الوطن والنساء اللائي فقدن ازواجهن واصبح عددهن يناهزُ المليون ارملة والاهالي الذين فقدوا بيوتهم او ذويهم إثر العمليات الارهابية والطائفية وذوي الاحتياجات الخاصة. لن تكون هناك مصالحة إن لم يُنصفوا ولمْ يُردّ لهم الاعتبار. نحن بحاجة إلى قانون للمتضررين يشرّعهُ البرلمان المقبل وعلينا بالبدء بتطبيق القوانين المٌشرَّعة في دستورنا على ارض الواقع لان الوضع الاجتماعي الحالي في العراق قد بلغ ذروة الإحتقان وعلى المسؤولين والسياسيين العمل على احترام دولة القانون والمبادئ الانسانية والاخلاقية والابتعاد عن سياسة التمويه والخداع والتسويف وتأجيل الوعود.



 

free web counter

 

أرشيف المقالات