| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 13/2/ 2013

 

شهــــــداء عرفتهــــــم

ضياء فلاح فاضل الانصارى

في نهاية صيف 1988كانت رائحة الغازات السامة تنبعث من القرى وعلى طول الطرق التي مررنا بها، فتجنبنا دخولها والمرور عليها، لقد قام أفراد السلطة من جيش وجحوش وآخرين بتسميم وإتلاف كل ما صادفوه والتقوا به وبقصد، كانت جريمتهم هذه منظمة وواعية وهادفة ضد الحياة بكل عناصرها.

شمل هذا الكثير في ارض كردستان، كانت قوات العدو الصدامي تنوي الهجوم علينا وعلى مناطق كردستان خاصة بعد توقف الحرب العراقية الايرانية، حيث التحق بنا في موقعنا الجديد عدد كبير من البيشمركه الأنصار وعوائل كثيرة، وكذلك  رفاقنا المنسحبين من لولان وخاستو حيث قاتلوا هناك جيش السلطة وجحوشها، خريف ذلك العام.

في قرية رزكة التابعة لناحية بشدر هناك وليس بالبعيد عن قلعه دزه من محافظة السليمانية وفى منطقة دولى كوكة *، حططنا رحالنا وبأعداد كبيرة من أنصار وأصدقاء حزبنا وعوائلهم ومعنا العشرات من قوات البيشمركه الأخرى التابعة إلى حدك وأوك ، أنضم إلينا فيما بعد انصار من بهدينان حيث التقيت العديد منهم وحدثونى عن ما جرى هناك حيث قامت السلطة الفاشية باكتساح مناطق وجودهم والقرى القريبة مستخدمة سلاحها الكيمياوي الذي راح ضحيته العشرات من سكنة تلك المناطق وعدد من أصدقاء ورفاق حزبنا منهم الشهيد "أبو سعد" الذي دفن جثمانه على سفح نهر الزاب.

عندها امتدت بي الذكريات وعلاقتي معه حيث كان أحد الكوادر الطلابية والعلمية الناشطة أيام الدراسة في موسكو حيث كان وجهاً طلابياً في صفوف رابطة الطلبة العراقيين في الإتحاد السوفيتي ورفيقاً حزبياً فاعلاً في صفوف منظمة حزبنا الشيوعي هناك، وهو أحد حاملي شهادة الدكتوراه في الزراعة من أكاديمية التمريازف للعلوم الزراعية السوفيتية .

على امتداد معرفتي بالشهيد الدكتور رعد موسى جعفر “أبو سعد” لم أعرف عنه وأسمع وألمس إلا ما هو إيجابي وحبه للوطن والعودة إليه، وفى مؤتمرات رابطتنا الطلابية العتيدة كان الرفيق أبو سعد لولباً طلابياً نشطاً من نشطاء هذه المؤتمرات والفعاليات الطلابية والحزبية الأخرى التي أقيمت آنذاك.

إلتحق بموقعنا الجديد فى (دولى كوكة) عدد كبير من سكان المدن وقرى كردستانية منهم المتبقي من عائلة الرفيق نوري هو وزوجته وإبنته نرجس وإبنه شالاو.

كنت أعلم علم اليقين أن لهذه العائلة إبنا آخر إسمه شيرزاد وهو احد رفاقنا حيث تركته في الإتحاد السوفيتى يدرس في إحدى جامعات مدينة كيشينيوف عاصمة جمهورية مولوفا السوفيتية آنذاك.

في ظل هذه الأوضاع المتلبسة وفى زحمة كل هذه الصعاب كان نجم الرفيق "شالاو" ساطعاً متالقاً في موقعنا الجديد بين كل الرفاق وجماهير حزبنا، كان شابا حيوياً، يغنى بجذل ونشوة وبحماس دؤوبين باعثاً روح التفاؤل والعزيمة في نفوس جموع الحشد الموجود في هذا الوادي مؤكدا بسلوكه هذا على انتصار قضية حزبنا وشعبنا في غد مشرق ومستقبل سعيد.

كنا أشد ما نحتاج إليه هي المعنويات العالية التي كان يتحلى بها الكثير من الرفاق ومن بينهم الرائع شالاو وسط هذا الانكسار والانكماش في حركتنا الأنصارية خاصة بعد انسحابنا المضني والمتعب من مواقعنا في عمق كردستان.

لم تكن تخلو مساحة وادي دولى كوكة الضيقة من الخطوات الدؤوبة للرفيق شالاو حيث كانت أنظار الكثيرين الموجودين هناك تتجه نحوه لطلب المساعدة منه، في هذا الأمر أو ذاك، وعلى طيلة امتداد وجوده معنا. تذكرت وأنا أرنو إليه من أن للوراثة والتربية دور في الوسط العائلي كيف لا وأنه أبن عائلة شيوعية.

عصر أحد الأيام كنت ألعب الطاولى مع الرفيق أبو عادل الصيدلانى وقتها كنا غارقين بطموحنا بأن يفوز أحدنا على الآخر. في هذه الأجواء زأر في آذاننا إنفجار مدو، مفزع، أحمق، جعل من أدوات الطاولى متناثرة بعيدة فوق الأرض حيث ننبطح ، وبعد وقت قصير جداً ونحن على حالنا هذه، قمنا لنر ما حدث وليس بعيداً عنى سمعت صوتا نسائيا مدويا "شالاو شهيد بو".

نعم كان شالاو أشلاء متناثرة عثرنا على نصف من جسده المتفحم فوق الضفة الأخرى من (الروبار) ** غادرنا شالاو، نعم فقدنا شالاو وبكيناه بعمق. وفى دولى كوكة دفن هناك.
 

* هو وادي في منطقة السليمانية بالقرب من الحدود الإيرانية
**
معناه نهر قصير وضيق
 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات