| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 13/2/ 2013



افتتاحية المدى

قطر الجَوَّابة بين بلدان الربيع العربي وتخوم "الجزيرة":
نصيحة مُبَرّأة إلى الشيخ حمـد
(2-2)
 

فخري كريم 

(5)
لم يكن المشهد ليكتمل دون بزوغ الربيع العربي ودور مشيخة قطر في تحويلها إلى خريف صيفي قائظٍ ومكّدر، فالحركة الشعبية التي انطلقت بمبادرة الشبيبة وتوسعت لتُخرِجَ الملايين من صمتها وتنخرط في تظاهرات مليونية في تونس ثم تمتد إلى مصر وليبيا فَتُسْقِط أنظمتها ورؤساءها ، اصطدمت بدخول قطر على خطوط التكوين الهش الجديد ، وتضع كل إمكاناتها لإجهاض الثورة وتمكين الإخوان المسلمين والسلفيين من الاستيلاء على السلطة فيها . وفي سياقٍ متصل بدأت المشيخة تتحرك سريّاً بدعم إخوان مصر لتشكيل نواتات إخوانية في بلدان خليجية ، وتعزيز دور التنظيمات التكفيرية الطائفية في سوريا ، وإضفاء طابعٍ إخواني - قاعدي على تشكيلات " جبهة النصرة " وغيرها من التنظيمات " الجهادية " الوافدة ، محوّلةً أنظار الرأي العام الحذر من تطورات الأوضاع في سوريا والمنطقة وغلبة مسحة الإسلام السياسي عليها ، ومستفزةً المكونات الملوَّعَة والقلقة من النتائج التي يمكن أن تترتب على أي تغيير قادم، يتشابه مع تدهور الحالة في مصر وتونس .

إنّ تدخلها في سوريا بشكل خاص ينعكس سلباً على المعارضة الوطنية والقوى المناصرة لها داخلياً وعربياً ودولياً ، ويؤدي في الواقع العملي إلى إضعافها ومحاصرتها بشبهة الإسلام السياسي المتطرف ، مما يفضي إلى إطالة معاناة الشعب السوري ويضيّق من حرية حركة القوى المناضلة لتحقيق التغيير الديمقراطي وإقامة الدولة المدنية التعددية ، وتكريس التنوع المكوّني في إطار الوحدة الوطنية . وفي كل اتجاهات تحركها تتبنى مشيخة قطر وقناة الجزيرة نهجاً سافراً لإشاعة أجواء الفتنة الطائفية ، وحرف نزعات التغيير الوطني الديمقراطي أينما أمكنها ذلك في هذا الاتجاه. وهذا ما حصده العراقيون بعد التغيير وحتى الآن من تطاولها على الإرادة العراقية الشعبية المستنفرة ضد النهج والسياسة الطائفية ومحاصصاتها المقيتة . ولم يتوان شيخ قطر عن التلويح بمنع إقامة دورة الخليج الكروية في البصرة إذا لم يجر تغيير الحكومة وفقاً لما يشتهي لا بما يسعى العراقيون لتحقيقه ديمقراطياً .

(6)
أمام كل هذه الوقائع وتناقضاتها ، يبرز أكثر من تساؤلٍ ، لِنَقُلْ إنه مُحيّر ، مع أنه ليس كذلك إذا ما توغلنا في عمق التركيبة القطرية الحاكمة وما يُحيطُ بها .
ومن بين التساؤلات المنطقية التي يجري تداولها ، ما يخص سرّ عدم احتراز وقلق مشيخة قطر من واقعها السياسي المجافي لسلوكها وتدخلاتها في محيطها العربي والإقليمي . فهي أولاً شبه دولة ، من حيث جمعها بين المشيخة ونصاب الدولة الحديثة. وهي في هذا التوصيف تفتقر إلى كل مظاهر الحياة السياسية المبنية على إرادة سكان الجزيرة، ولو بالحدود الدنيا لما تنطوي عليه الإرادة من تمثيل ومشاركة في القرار وتصرف في الموارد وتعبيرٍ عن الرأي الآخر . فالجزيرة القطرية معفوّة كلياً من المساءلة عن الحريات الديمقراطية والانتخابات التشريعية الحقيقية والسلطات السيادية المستقلة ، خارج تمثيل وإرادة وتصرف العائلة الحاكمة وأضيق حاشية منتفعة حولها . ولكنها إذ تتجاهل حقائق تكوينها السياسي غير الشرعي، إذا انطلقنا افتراضاً من شرعية قاعدة التوارث العائلي، تتمادي في دعواتها للديمقراطية والمقاومة والجهاد ، وهذا ما يشكل العقيدة المرائية لقناة الجزيرة ، ولا تتنبه إلى أن سلطتها القائمة مغتصبة من الوالد المنفيّ بانقلاب عسكري ، بدعمٍ من الموساد الإسرائيلي " كما يُشاع .
والتساؤل الأكثر إثارة في واقع الدولة القطرية ومشيختها يدور حول كيفية الجمع الإيجابي بين نظامها الشمولي الخالي من أي نسمة ديمقراطية ، ومرابطاتها في بلدان الربيع العربي المُتَخَرِّف بفضلها، وكيف أمكنها توفير " مساكنة " آمنة ، بين الشيخ القرضاوي وقيادة القوات الأميركية المركزية " سنتكوم " التي تولى إدارتها الجنرال فرانس ، أثناء غزو العراق ، ثم أبا زيد وبترايوس ؟ وأين موقع مكتب التنسيق الإسرائيلي من مكتب شؤون الإرشاد العالمي الذي يتولاه الشيخ القرضاوي؟

(7)
يُكتَبُ لقطر فَضلُ الريادة الإعلامية في العالم العربي ، بكسر " الجزيرة " للتابوات التي أحاطت بالأنظمة الشمولية وهدم الأسوار الافتراضية العازلة بين البلدان العربية ، كما لا يُنسى فضلُها على إسرائيل لفتحها الفضاء السياسي العربي الإعلامي أمام قيادتها والانفتاح على واقعها ومساعدتها في انزياح الحساسيات المفرطة بالتعامل معها ومقاطعتها.
ويُكتب لها الفضل على الولايات الأميركية لتأمين سلامة مقر قيادة " سنتكوم " من هجمات القاعدة والمنظمات الإسلامية المتطرفة والتعرض لمعسكرها الأخطر، بضمانة بن لادن والقيادات المسلحة وتطمينات من الشيخ القرضاوي، وهم يعبّرون سلوكياً عن حرص شديد بالامتناع عن أي نشاط إرهابي داخل قطر لأنهم يرون فيها " ملاذهم الآمن" وسندهم المكين وولي أمرهم في المنعطفات، وإلا كيف يستقيم تفسير هذا التناقض التناحري بين كل هذه المكونات المجتمعة في جزيرة تُحْسَب المسافةُ بين زواياها بمناظير المهندسين المسّاحين؟!
ُُيحسبُ لقطر أنها تستطيع احتواء معارضاتٍ عربية تبحث عن تحقيق ذاتها وتثور على استبداد أنظمتها ، دون أن تلتفت إلى واقع القطريين الذين يتحكم بمصائرهم وثرواتهم حفنةُ شيوخ وشيخة واحدة متنفذة .
ويُكتب لها أيضا عنفوانها في فضح انتهاكات العسكريتارية الغربية ، وبفضل مشترياتها تُحَدِّث خزين الأسلحة والطائرات والدبابات الأميركية الفتاكة كلما لزم ذلك ، وتشكل غِطاءً قومياً لقاعدتها وتحركاتها في المنطقة .
ويُكتب لقطر تحوُّلها من دولة عالم ثالثية إلى دولة " مانحة " بما تهبه لمصر تعزيزاً لسلطة الإخوان المسلمين وما تقدمه من مشورة " لأخونة الدولة العميقة " المصرية ، والتسلل من خلال منحتها إلى العصب الاقتصادي الستراتيجي لها بالاستيلاء الشرعي على قناة السويس ، لتستكمل بذلك عناصر هيبتها كإمبراطورية ، وربما قيامها بدور الدولة العظمى .
ومع تراجع الدور العربي لمصر تتقدم قطر إلى صدارة المشهد العربي الفلسطيني ، لتقوم بدور الراعي والوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، نظراً لحظوتها لدى القيادة في تل أبيب . ولكنها إذ تنهض بهذه المهمة القومية ً في العلن ، تتحرك من وراء الكواليس بالتنسيق مع الإخوان المسلمين حكام مصر الجدد ، لإقناع الولايات المتحدة بأفضلية التعامل مع حماس ، بدلاً من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير ، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني .
لقد امتدت أذرع مشيخة قطر لترسم خطوط التماس والفصل بين قوى الحراك السياسي في بلدان الربيع العربي ، وتساهم في تحديد حظوظ من يتبوّأ المواقع القيادية فيها ، وبالتالي تقرر مصائرها وتوجهاتها ، أو هكذا تسعى خفيةً أو علانية .
وليس في ما تفعله حرج عليها ما دامت تلتزم بأصول وقواعد اللعبة السياسية في ظل فراغٍ سياسيٍ ، دون ممانعة أو اعتراضٍ جدّي وتحت سمع وبصر الجامعة العربية ، وأحيانا بتفويض منها .

(8)
إلى جانب ذلك كله ، بالوجهين ، لابد من الإقرار بأن مشيخة قطر ، الطائفية حتى النخاع ، الموالية بفخر لأميركا وإسرائيل والإخوان المحسودة على حظوتها ، المتعالية على العرب كلهم ، ملوكاً ورؤساء ومشايخ ، يُحسبُ لها التفاتها لسكان الجزيرة وتحقيق القدر المناسب من متطلبات تجسيد إنسانيتهم من حيث تأمين المعاش ورغد العيش والاستقرار . ولا يهم بعد ذلك حسابات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فـ "ليس بالحرية وحدها يحيا الإنسان "! .
ثم.... واحسرتاه، وهل ثمة حرية متاحة للإنسان العربي، ليُخَيّر بينها وبين رغيف الخبز الحلال والحياة الكريمة في ظل تعاقب الأنظمة المستبدة بطبعاتها المتعددة ، وشظف عيشها وحياتها العقيمة ..؟

(9)
قد يتبادر إلى الذهن أن هذا السياق في الدخول على الواقع العربي وربيعه وتناقضاته ، محكومٌ هو الآخر بالتناقض، إذ يتعرض لتدخلاتِ دولة تتطوع في الدفاع عن حرية شعوب تتحكم في مصائرها أنظمة استبدادية، بتطرفٍ وغلوٍ لا مثيل لهما .
ومن واقع هذا التناقض يمكن إثارة كومة من التساؤلات عن واقعنا الطائفي وانحيازاتنا الطائفية خارج الحدود وقبولنا بالوصاية الطائفية ، مع مفارقة كوننا كشعبٍ لا حرمة لكراماتنا ، نعيش مستلبين بلا ماء صالح للشرب، ونخوضُ في فيضانات أمطارنا لأن مدننا بلا مجاري صرفٍ صحيّ . نتعثر ببعضنا في ظلام شوارعنا وبيوتنا لأننا تعاشرنا، ونحن في القرن الحادي والعشرين، مع عجز دولتنا عن إنهاء عجز الطاقة الكهربائية لدولتنا النفطية .
ومع أننا نمتلك أكبر احتياطي نفطي ومصادر لثروات متنوعة لم تستخرج من باطن الأرض بعد، نقبل بصمت مخزٍ بقاء الملايين من مواطنينا يعيشون " شبه أمواتٍ " تحت خط الفقر . وفي الحد الفاصل بين موتهم وحياتهم المهينة للكرامة الإنسانية ، يعتاشون على زبالة لصوص الدولة ونهّابيها .
ودون مبالاة ، يموت أطفالنا من المرض وفقر الدم .
ويضيع طلابنا وطالباتنا في مدارس ومعاهد وكليات بلا مناهج تنقلهم من عهود الجاهلية الأولى إلى رحاب العلوم ومعارف العصر، تعشّش في أروقتها أساطير الجنّ والخرافات وكتب الاستخارة .
وتلاميذنا الصغار يزدحمون في مدارس بلا سقوف تحميهم، يخوضون في الأوحال ويرتجفون من البرد ، تمضي سنوات تعليمهم الابتدائي والمتوسط ،وقد تزاحمت في عقولهم التعارضات بين التلقين البليد وما تحويه مناهجها المقررة ، وما يشاهدونه ويطّلعون عليه في وسائط التواصل الاجتماعي والثقافي ، ومن خلال الألعاب والترفيه المعرفي والتعليمي التي توفرها الشبكة العنكبوتية وبرامجها المتاحة .
وفي الوقت الذي نقتل فيه من قبل الانتحاريين والإرهابيين ، ويتزايد فيه عديد قواتنا الأمنية والعسكرية والمخابراتية، تستمر الفوضى الضاربة أطنابها في كل حدبٍ وصوب ، وتتضاعف أعداد العاطلين من الخريجين وأصحاب الكفاءة، تغيّبهم البطالة الحقيقية والمقنعة وتجرفهم مسالك التشرد والضياع .
وتظل رغم ذلك كله دولتنا لا دولة ، ومصيرنا معلّقٌ في كفّ القدر والعفاريت وحيتان الفساد والتسلط .
ورغم أن تعداد نفوسنا يقلّ عن الأربعين مليوناً، ومواردنا النفطية وحدها تفوق المئة والعشرين مليار دولار، فإن تسلسلنا في سلّم الفساد ومستويات الفقر وانتهاك حقوق الإنسان والحريات يحتلّ مراتب متقدمة على جميع الأمم المصرّة على التخلف بفضل حكامها ، وربما يقع في المسافة الفاصلة بين الصومال وأبعد دويلة إفريقية غير مرئية على الخارطة العالمية ، متناهية الصغر والثروة !

(10)
وبعد كل هذا وغيره مما لا يقال، ألا يحق لدولة قطر أن تتعالى علينا وتعبث في ملاعبنا، وتعيّرنا بالعيب الذي فينا وتجور علينا وهي تتوعّدنا بحرمان " رياضيينا " بدورة كروية خليجية ، على لسان الشيخ حمد ، إذا لم ترتدع حكومتنا الرشيدة ، وتستهدي بالمشيخة بدلاً من الرحمن؟!
أو ليس من حق " الجزيرة " أن تَسخََرَ من تخلّفنا وفساد ذمتنا، ونحن نقف عاجزين أمام حالتنا ، كبلد عالمٍ ثالثي ، نزداد إملاقاً وفقراً وفساداً ، نغرق في الخلاف والاختلاف على تعريف ومفهوم الطائفية والمحاصصة والقسمة الضيزى بين فرقاء حاكمينا ، ونظل أبعد ما نكون من عتبة الحداثة والتقدم والحضارة الإنسانية التي بلغت أوجها أممٌ وشعوب لا تمتلك خزائن النفط ولا الثروة البشرية والعمق الحضاري التاريخي ، ولا القدرة على العطاء والصبر؟!
مع ذلك ، لا شماتة ، ولا بأس من أوضاعنا المزرية وتدنّيها ، ولا ضير في أحوال حكومتنا ، إذ لابدّ من تغيّر الأوضاع والأحوال ..
ولا بأس من حالة تخلّفنا الموقّّت عن ركب التقدم والحداثة والحضارة الإنسانية التي بلغتها ، رغم كل ما قيل ، مشيخة قطر ..
ولا بأس من كل ما نُعَيّر به من قبل الشيخ حمد من نهجنا السياسي الطائفي ، وعجزنا عن استكمال بناء دولتنا ، ومظاهر الخراب والتدهور وسوء الأحوال وقلّة الحيلة إزاءها ..
لا بأس من ذلك ، فقد جربنا العيش في أُتونها ، ولنا قوة الإرادة والتجربة على التجاوز حيث يستعصي الحل. على أنّ أحوال الشعوب والأمم تظل في حراكٍ وتبدلٍ دائم ، وليس بالربيع وحده تتفتّح الورود وتتضوّع بعطرها الحياة .
وإذا استطاع الربيع العربي المُجهَض أن يعصف بأنظمة الاستبداد والتوارث الجمهوري ، فمن الحكمة تجنّب الوقوع في أفخاخ أوهام السلطة المستدامة وتداعياتها.
فالربيع الحقيقيّ الكسير والمُجهَضُ مؤجّلٌ إلى حينٍ ومرتجى .وإذا ما حلّ أوانه فلابد له من أن يتفتح عن موسم ٍ زاهر، كما لم يكن عليه يوم تناوشته معاول التخريب والاغتصاب ، وإذ ذاك لا سبيل لاستثناء دولٍ ولا مشايخ من نسائمه وعبيره..
ومن كثرة تفاعل المشيخة القطرية مع الربيع العربي، فقد بات العشق يلمّهما على بعض، ومن العشق ما قتل !
لقد احتفت جزيرة قطر ، من شدة ولعها بالغرائب والأساطير ، بـ " صندوق بندورا "..
وشياطين بندورا، تترقب لحظة تقوم قيامتها بتدبير فاعلٍ غشيم، أو هاوٍ لكشف المستور !


المدى
العدد (2724)  13/2/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات