| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 12/4/ 2010

 

فيكتور خارا في القلب – قتلوه في الملعب الذي حمل اسمه فيما بعد

ممتاز كريدي

في شهر حزيران عام 2009 تم تكريم جوان خارا الفنانة البريطانية الجنسية وارملة فنان الشعب فيكتور خارا الذي اغتالته الفاشية الشيلية في الايام الاولى من الانقلاب على حكومة الوحدة الشعبية الشرعية وزعيمها سلفادور الينده.

تناول التكريم منح السيدة خارا الجنسية الشيلية وفق مرسوم جمهوري اصدره مجلس الشيوخ وصادقت عليه رئيسة الدولة ميشيل باخيلت وهي ابنة الجنرال البرتو باخيلَت القائد في سلاح الطيران الشيلي الذي ظل امينا لحكومة الوحدة الشعبية بقيادة آلينده‘الامر الذي زاد من حقد الانقلابيين عليه ولاسيما بعد انقلابهم الاسود عام 1973 وتعرض لصنوف التعذيب مما ادى الى وفاته بعد اقل من سنة. تمكنت ميشيل بمعية والدتها من الهرب الى استراليا ومن هناك التجأتا الى جمهورية المانيا الديمقراطية حيث باشرت في الدراسة في جامعة كارل ماركس في مدينة لايبتسيج مسجلة نفسها في قسم اللغة الالمانية وآدابها اضافة الى الطب الذي واصلت دراسته في برلين عاصمة المانيا الذيمقراطية آنذاك ومُنحت سنة 2006 شهادة الكتوراه الفخرية من "الشاريته" اشهر مستشفيات برلين‘ عادت بعد ذلك الى وطنها وانضمت الى الحزب الاشتراكي الشيلي الذي رشحها لمنصب رئاسة الجمهورية.تمت مراسيم التكريم بمنحها الجنسية الشيلية في قصرمونيداد في العاصمة سانتيغو دي شيلي مقرالرئيس الشهيد سلفادوره آلينده الذي قُتل وهو يقاوم الفاشست الشيليين المدعومين مباشرة من الاستخبارات المركزية الامريكية.

التكريم بمنح حق اكتساب الجنسية الشيلية‘ هو ارفع وسام يُعطى للمواطنين الاجانب‘جرى بحضور مئتي ضيف شرف ورافقته عروض فنية وباقة من اغاني فنان الشعب فيكتور خارا. وعبرت ضيف الشرف الاول جوان خارا عن شكرها بالكلمة التالية التي نقتطف منها هنا المقاطع التالية:

" السيدة الرئيسة! الحضور الكرام‘الصديقات والاصدقاء مواطنيّ الاعزاء!
اود هنا ان اعبر بايجاز عن مدى امتناني بالشرف الذي غمرتموني به وانا عاجزة عن الافصاح عن شكري .
كانت شيلي طوال عشرات السنين مكان اقامتي وبقي الحال كذلك حتى عندما اُرغمتُ على مغادرتها اثناء الحكم الديكتاتوري العسكري. لمدة عشر سنوات بقيت مشاعري وقلبي هنا ولم يكن عملي اليومي سوى حصيلة احاسيسي الجياشة ازاء الشعب الشيلي.

لقد اعطتني شيلي اجمل ما في حياتي.وافضع ما فيها.
منحتني الحب وغرست فيَ كراهية لم اعرفها من قبل‘ اعطتني سعادة الأسرة وفرحة المساهمة في حركة اجتماعية وثقافية عظيمة كما زودتني بتجربةَ مأساة جَماعية.

في اواخر تلك الايام تشابكت التناقضات بكثافة ورافقت فترة طويلة من حياتي.
اعترفُ انني فقدت الاحساس بالانتماء القومي فبعد الحرب العالمية الثانية شاءت الظروف ان اقدم عروض رقص في المانيا عقب ما مر بي من تجارب مريرة في لندن اثناء انهمار قنابل القصف الالماني كل ليلة....تعلمت في حينه ان الشعب الالماني عدونا ، غيرتُ رأيي بعد ان شاهدتُ الدمار الذي حل بالمانيا ومدنها التي دُمرت بكاملها وعرفت من زملاء العمل الالمان مدى معاناتهم وما قاسوه من جوع وبرد اثناء ارغامهم على الخدمة في الجيوش الهتلرية...
في فرقة الباليه التي اعمل بها راقصون من ثلاث عشرة قومية بلغاتهم المختلفة. لحسن الحظ ان للرقص لغة واحدة نتحدث بها جميعا. شاء قدري ان اجد في فرقة الرقص من شجعني على ان تكون شيلي هي المحطة القادمة. عملت مع اصدقاء شيليين على تحقيق حلم راودني بتشكيل فرقة باليه شعبية وان يكون الفن في متناول الشباب والاطفال ولا سيما من بين الطبقات المحرومة.

اِنهارَ حلمنا هذا في شهر سبتمبر 1973 وخيم الطاعون الفاشي.
اتذكر لقائي فيكتور خارا ويومَ كان يغني لي " دثريني بحنانكِ ودعي الحياةَ تُحلّق عالياا"! من هنا بدأتْ اسعد ايام حياتي. بدأت اتعرف على شيلي بكل تفاصيلها واستفسرعن الناس والظروف وكل ما تناولته اغاني فيكتور بما في ذلك جوانب حياته وتجاربه وقناعاته... عشنا حياةً زاخرة بالحب والالتزام والابداع فهو على المسرح ومع الغناء وانا منصرفة الى رقص الباليه‘ صادف ذلك الفترة التي وُلدت فيها صغيرتنا آماندا كان وقت حافل بالسعادة. ذات مرة قال لي فكتور " انا انسان سعيد ‘ سعيد لأن اعيش في هذا الزمن ‘سعيدٌ ان ارى ثمار جهودي‘سعيدٌ لأن اوظف عواطفي وعقلي في خدمة الشعب." اصابني حماسه واصراره بالعدوى واعتقد كلانا ان عملنا المشترك سيساعد على خلق مجتمع سعيد...

لا اريد ان اعود بذاكرتي الى فضائع "ملعب شيلي" * ولا الى جريمة اغتيال فيكتور وانما اريد ذكر شخصين ‘الاول لم اكن اعرفه في ذلك الوقت وهو الذي تعرف على جثة فيكتور وجاء الى بيتنا ليأخذني معه والثاني هو الذي رافقني الى صالة الجثث لينتشل جسده الذي كان مرميا بين مئات جثث المجهولين الملقاة هناك منذ يوم 18 سبتمبر 1973 . شكري الخاص لهذين الشخصين الذين لولاهما لكان فيكتور نسيا منسيا. اعتقد انه ليس هناك تعذيب ابشع وافضع بالنسبة لذوي القتلى من عدم معرفة مصير احبائهم ، ناهيك عن عدم معرفة مكان رفاتهم وقد مضى على الجريمة اكتر من 35 سنة .

احبتي يا ذوي المعتقلين المُغَيبين والمعدومين لاسباب سياسية احيي هنا نضالكم المتواصل والعنيد من اجل ان تعرفوا حقيقة ما جرى لذويكم ومن اجل الحق والعدالة.
... احسست بانني اقف الى جانبكم وان الثغرة المفتوحة على جريمة قتل فيكتور يجب تساعد في الكشف عن الجرائم الاخرى....

عندما غادرت شيلي بعد الانقلاب حاملة موسيقى وصوت فيكتور على ظهري احسست بمسؤليتي الكبيرة في وجوب استمرار فيكتور في الغناء لشعبه وهذا ما جعلني اتشبث بالحياة . كنت مُحاطة بكثير من الحب والتعاطف في كثير من البلدان وفي كل القارات وبالتضامن من قبل النساء والعمال والعاملات والطلاب والفنانين ، وُجهت لي دعوات وكثيرا ما سافرت لوحدي او بمعية الفرق الغنائية الشيلية في المنفى التي كانت تشاركني الالم والامل، والآن افكر بكل الاصدقاء في المنافي الذين امضوا قسما كبيرا من حياتهم في النضال من اجل الحرية والديمقراطية وفي سبيل مستقبل سعيد خال من الظلم والاستغلال.
 

* في" ملعب شيلي" وهذا اسمه القديم اطلق زبانية النظام الديكتاتوري بعد بضعة ايام على الانقلاب ، الرصاص على فيكتور خارا وذلك على مرآى ومسمع الاف المعتقلين في الملعب منذ 12-9- 1973 وفي نفس اليوم من عام 2009 اطلق على نفس الملعب الاسم الجديد:" ملعب فيكتور خارا"ا
 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات