| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 12/7/ 2009



تأثير ثورة 14 تموز 1958
على الحركة النقابية والعمل الديمقراطي
مدينة الموصل مثالآ

فخري جبرائيل بطرس

المقالة تركز على الوضع في مدينة الموصل والنشاط العمالي السري فيها , لأنها من مدن العراق الكبيرة وذات التركيبة الأجتماعية والقومية المتنوعة فمع وجود الملاكين والمزارعين الكبار والتجار وأرباب العمل وفئات ذات مراتب كبيرة في الجيش والأجهزة الأمنية وفئات واسعة من البرجوازية الصغيرة , كما يوجد أيضاَ تنوع قومي وديني فيها . وفي ظل هذه التشكيلة الأجتماعية , توجد معامل ومؤسات ومصانع حكومية وقطاع خاص , فتكونت طبقة عاملة لها وزنها الأجتماعي والسياسي , وكانت مجاميع من العمال تنشط في الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة وحقهم في النشاط النقابي العلني أيضاَ .

لمحة تأريخية عن النشاط السري للعمال قبل ثورة تموز .
تواصل نشاطنا النقابي السري رغم الملاحقات والأعتقالات والتحقيقات والتهديدات المتكررة , وعندما حصل إضراب عمال النفط في كركوك في عام 1946 وما عرف بأضراب كاورباغي الشهير , فوقف عمال الموصل متضامنين مع إضراب أخوتهم عمال النفط في كركوك لدعم إضرابهم . فكانت فرصة لنا للنشاط للعلني , فبعد أن إنتعش النشاط النقابي في المدينة وتحت الضغط الجماهيري للعمال , فقد أجازت السلطات المحلية في المدينة (فرعان لنقابتي الغزل والنسيج ولعمال النجارة) وقد رفض طلب (فرعي نقابة الميكانيك ونقابة عمال الأحذية والجلود والدباغة) . وعندما حصلت وثبة كانون الثاني عام 1948 ساهمنا بها بفعالية وكانت وثبة شعبية جماهيرية إمتدت على طول البلاد وعرضها وإعتبرناها كمنطلق جديد للنضال من أجل حرية العمل النقابي , وقد مارسنا نشاطنا النقابي رغم عدم حصولنا على إجازة علنية , وبعد الوثبة بأشهر قليلة جرى الأنقضاض ثانية من قبل الأجهزة الأمنية على الحركة الشعبية والنقابية حيث جرى إعتقال وسجن وإبعاد العديد من المناضلين السياسيين والنقابيين وقد تم مصادرة الحريات ومنها حرية العمل النقابي فقد تم (إلغاء إجازة العمل لنقابتي الغزل والنسيج ولعمال النجارة ). ولكن النشاط السري رغم شراسة الهجمة البوليسية ضد الحريات السياسية والنقابية فقد بقي  متواصلاَ. وقد عاد النشاط النقابي والديمقراطي إلى الأنتعاش ثانية على أثر انتفاضة تشرين 1952 وتراجع النظام الملكي وأجهزته الأمنية القمعية أمام ضغط الحركة الجماهيرية فتكونت النقابات في العديد من المهن في مدينة الموصل وأصبح النشاط شبه علني وتنامى المد الجماهيري للحزب الشيوعي العراقي في المدينة وإنتعشت الحياة السياسية وإنتعش معها العمل النقابي والديمقراطي وأخذ صفة شبه علنية .

وفي أواسط عام 1954 إجتمع ممثلو عمال المهن التالية في المدينة ( النجارة , والغزل والنسيج , والميكانيك , وعمال الأحذية والجلود والدباغة , وعمال البناء والأنشاءات , والقصابين) وخرج الأجتماع بأتفاق على إصدار بيان مشترك للمطالبة بأجازة النقابات العمالية وقد وقع البيان بالأسماء الصريحة لممثلي النقابات وتم توزيعه على نطاق واسع وتضمن البيان أيضاَ ضمان حقوق العمال الأقتصادية والدفاع عن مطاليبهم إضافة لحقهم في العمل النقابي وجرى تحرك جماهيري واسع وتميز التحرك بطابع علني . وبعد أسابيع من هذا النشاط العمالي شنت أجهزة أمن الموصل حملات إعتقال لقادة الحركة النقابية في المدينة وقد تم إعتقال ( كاتب المقالة والنقابي عباس هبالة ومشعان مناع وعادل سفر وحميد شيت وعبد الأمير عبد النسر وآخرين ) وبعد ستة أشهر من الأعتقال إحيلوا إلى المحكمة ووجهت لهم تهمة التحريض ضد النظام وقد حكم عليهم بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ , لكن جرى إبعادهم إلى قضاء بدره ليكونوا تحت رقابة الشرطة . ولقد تواصل النشاط السري للحركة النقابية في المدينة وفي عام 1956 تم تنظيم إضراب من قبل عمال المجزرة والقصابين وعمال سوق اللحم وقد قدموا مطاليبهم للسلطات الحكومية من خلال مذكرة ، وقد دام الأضراب عدة أيام وإمتد إلى مرافق ومهن أخرى في المدينة , وتحول إلى شبه عصيان مدني ضد السلطات المحلية وكان الأضراب بقيادة القائد العمالي المرحوم عبد الرحمن القصاب, وعلى أثر هذا التحرك الجماهيري فقد تم تلبية بعض مطاليب العمال , وجرى بعد ذلك تراجع منظم لأنهاء العصيان والأضراب .

في أواسط عام 1956 تم إطلاق سراح القادة النقابيين مصدري النداء , وواصلوا نشاطهم السياسي والنقابي في المدينة وعندما وقع العدوان الثلاثي على الشقيقة مصر في تلك الفترة , بادرت منظمة الحزب الشيوعي العراقي لتنظيم التظاهرات التضامنية مع الشقيقة مصر , فقد إنخرط العمال في تلك التظاهرات وقد حصلت هبه جماهيرية كبيرة ثانية في المدينة وعبرت الجماهير عن تضامنها مع الشعب المصري , وكان نشاط العمال متميزاَ في تلك الأحداث وتصدر النضال الجماهيري , وتواصل نشاط العمال النقابيين في دفاعهم عن مطاليب العمال وحقهم في التنظيم النقابي , وقد تشكلت لجان عمالية في مختلف المهن وتوسع الكادر النقابي وتربى وسط الميدان النضالي اليومي وإكتسب الخبرة , رغم مختلف صنوف الحرمان والملاحقات البوليسية .

نجاح ثورة 14 تموز / 1958 وتأثيرها على الحركة النقابية والجماهيرية :
في الأيام الأولى للثورة صدرت العديد من التشريعات والقوانين التقدمية لصالح جماهير الشعب بشكل عام وللعمال بشكل خاص فقد تم إجازة العمل النقابي وشرع ذلك بقانون . وكانت الطبقة العاملة مهيئة وتمتلك خبرة تكدست لديها طيلة فترة النضال السري , فقد شكلت الهياكل النقابية في المؤسسات والمصانع وإكتسى نضالها الطابع العلني بعد الثورة , وقد إنتعشت الحركة الديمقراطية وتشكلت العديد من المنظمات المهنية لمختلف فئات الشعب , وإلتفت الجماهير حول الثورة الفتية . ولكن فترة النهوض الجماهيري والأنتعاش الديمقراطي لم تدم طويلاَ بسبب نشاط القوى المعادية للثورة المدعومة من شركات النفط والقوى الأقليمية والغربية . فتأججت الصراعات الأجتماعية والسياسية بعد ( زيارة ممثل الثورة عبدالسلام محمد عارف) إلى مدينة الموصل , في تلك الحقبة كان الأعلام الرجعي والأمبريالي يشوه الحقائق عن العراق الجديد ويشجع على إثارة الفتن والأعمال المعادية بين أبناء الشعب والقوى السياسية وإليكم تعليق إذاعة لندن في تلك الفترة والذي يعبر عن التدخل المفضوح في الشأن العراقي حيث قالت في أحدى تعليقاتها ( يجب ارجاع الحصان الجامح إلى حضيرة الغرب ) والمقصود هنا هو العراق .

كان نشاطنا في الحركة النقابية والجماهيرية متواصلاً , وكان نفوذنا الجماهيري كبير بحكم إلتفاف العمال مع إتحاداتهم النقابية , وكنا ندافع عن الجمهورية الفتية وعن الحريات الديمقراطية وعن مصالح العمال وعموم الشعب العراقي . وبعد فشل مؤامرة الشواف تصاعد المد الجماهيري في الموصل , وتهيأ مناخ جديد تصاعد فيه نشاط النقابات والتي كان عددها يصل إلى 28 نقابة .

من السمات المميزة لنقابات العمال في الموصل في تلك االفترة :
تلاحم أعضاء النقابات وتوطد وحدتهم الطبقية , وقد تضامنت جماهير المدينة مع النقابات التي ضمت في عضويتها عمال من مختلف قوميات شعبنا العراقي وأديانه . فكانت قوة جماهيرية كبيرة يحسب لها حساب وكانت تدافع ليس فقط عن مصالحها وإنما عن مصالح مختلف الفئات الأجتماعية في المدينة وفي مقدمتهم الكادحين والفلاحين والمثقفين وفئات البرجوازية الصغيرة, وكانت النقابات تدعم نضال المنظمات الأجتماعية الأخرى ( كالطلبة والشبيبة والنساء والمثقفين والمعلمين ..... إلخ) وقد إمتلكت النقابات العمالية طاقات كبيرة وأصبحت قوة مؤثرة في النضالات السياسية الجماهيرية. وقد تميزعمل اللجان النقابية بالمصداقية والشفافية في التعامل مع العمال وحل مشاكلهم والدفاع عن حقوقهم ومتابعة تنفيذها , وكنا نتواصل في عقد الندوات للأستماع لأراء العمال وكما تميز العمل أيضاَ بالأبتعاد عن المراوغة ، والتعامل بصدق ووضوح في العمل النقابي اليومي وفي النضال السياسي والجماهيري , وكانت النقابات أمينة للمبادئ الديمقراطية وقد جسدتها في الممارسة وفي إتخاذ القرارات وفي تشكيل الهيئات القيادية . فقد جرت أول إنتخابات علنية للنقابات في المعامل والمؤسسات وظهرت هيئات إدارية تنتخب لأول مرة بطريقة ديمقراطية , وكانت الأنتخابات بأشراف من ممثلي النقابات المركزية في بغداد وبحضور قاضي وقد تمت بطريقة ديمقراطية , وتم إنتخاب ممثلي عمال الموصل كمندوبين للمؤتمر التأسيسي الأول لأتحاد النقابات العام . وبسبب الدور الذي لعبته النقابات العمالية في الدفاع عن حقوق أعضائها وعن كادحي الشعب , فقد شكلت النقابات العمالية قوة جماهيرية كبيرة وهذا ما لوحظ في مسيرة الأول من آيار عام / 1959 بمناسبة عيد العمال العالمي , فخرجت جماهير المدينة بالكامل تشارك العمال عيدهم , وكانت تلك المسيرة تعد الحدث الأول في تأريخ المدينة إذ لم تشهد المدينة قبل هذا التأريخ هذا الزخم الجماهيري حيث إمتلأت شوارع المدينة منذ الصباح الباكر بتلك الكتل الجماهيرية الكبيرة التي إحتفلت مع العمال في عيدها الأغر . وهذا له مدلولات كبيرة واحدة منها هو تنامي النهوض الجماهيري في أجواء إنتعاش الوضع السياسي وترسيخ الوعي والديمقراطية في المجتمع وهذا ما تخشاه القوى المعادية للشعب , فقد أرعبتهم تلك المسيرة الجماهيرية السلمية , فبدأت بوادر الردة من جديد .

ففي أواسط آب من عام /1959 جرت عمليات إعتقالات واسعة في المدينة بين صفوف المناضلين والقادة النقابيين , وتصاعد المد الرجعي في المدينة فبعد عمليات الأعتقالات بشهور عدة بدأت عمليات الأغتيال في المدينة , كان يقود عمليات الأغتيالات في المدينة زمر مدعومة من قبل الأجهزة الأمنية وقوى رجعية , فقد تم إغتيال الكثير من العمال من نقابات النفط , والغزل والنسيج , والقصابين ...... إلخ ومما هو ملفت للنظر أن عمليات الأغتيال كانت تزداد وتتسع كلما كان يحل رئيس المخابرات آنذاك (محسن الرفيعي) ضيفاَ على مدينة الموصل البطلة . وكنا نواجه عمليات الأغتيال تلك بالصمود والأعتماد على الجماهير التي كانت تدافع عن حقوقها وعن قادتها السياسيين والنقابيين , وهذا يعود للتأثير السياسي للحزب الشيوعي العراقي وإيمان الجماهير به وبسياسته و بفكرة النير الذي كان يستلهمها للنضال وكان ولا يزال مدافعاَ أميناَ عن مصالحها ومصالح الوطن وهذا ما تدركه الجماهير بحكم وعيها , وبالنسبة لنا نحن المناضلون الشيوعيون والقادة النقابيون نمتلئ فخراَ وإعتزازاَ وقوة من إلتفاف ودعم الجماهير لنا , وبقدر تسلحنا بفكر الحزب نزداد قدرة على الصمود ومواجهة الصعاب وترتسم أمامنا معالم الطريق ففكر الحزب كان ولا يزال مناراَ لنا في عملنا اليومي , وسيبقى الحزب الشيوعي العراقي قوة لا تقهر مؤثرة في الحياة السياسية في البلاد يناضل من أجل مصالح الجماهير والدفاع عن حقوق الطبقة العاملة العراقية وبناء الوطن المستقل الحر وإقامة دولة العدل والقانون .



28-6-2009



 



 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات