| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                الخميس 12/7/ 2012

 

من اسباب ظهور منظمة الضباط والجنود الاحرار والاعداد لثورة 14 تموز والتداعيات

د. رعد موسى الجبوري

"تقحم لُعنت أزيز الرصاص
وجرب من الحظ ما يقسم
وخضها كما خاضها الأسبقون
وثن بما افتتح الأقدم
فإما إلى حيث تبدو الحياة
لعينيك مكرمة تغنم
وإما إلى جدث لم يكن
ليفضله بيتك المظلم
"
                     الجواهري الكبير

بعد احتلال العراق من قبل البريطانيين وانهيار الدولة العثمانية جاء المحتلون الانكليز بنظام دولة اسس لعلاقات اجتماعية جديدة على العراقيين. وظهرت بشكل واضح معالم الطبقة العاملة العراقية. ونشأت طبقة التجار العراقيين المرتبطين بالشركات الاجنبية مثل مستوردي السيارات ومضخات المياه والالات الزراعية .. الخ.

الرئيس اول موسى كاظم الجبوري
مدير الشعبة الرابعة مديرية الاستخبارات العسكرية 1959-1960

وكانت ابرز قضية شغلت اذهان الموظفين الانكليز هي الكيفية التي يمكن بموجبها اعطاء الشيوخ والرؤساء حقوق معينة في الاراضي التي يتصرفون بها، ذلك لان السياسة البريطانية كانت تعتمد على هؤلاء الشيوخ " اقرارا للامن وراحة جيش الاحتلال" ومن خلال حل مسألة الملكية لمساحات كبيرة من الاراضي بتمليكها لشيوخ القبائل او العوائل الكبيرة نشأت طبقة من الاقطاعيين ومقابلها جمهرة كبيرة من الفلاحين بدون اي ملكية.

ساهم هذا التمايز الاجتماعي الجديد على تنامي ونشوء صراعات اجتماعية تناحرية جديدة. وكان تزايد البؤس في الريف، نتيجة لتراجع دخل الفلاح بشكل مجحف، دافع للهجرة الى المدينة وخصوصا الى العاصمة بغداد. ففي الثلاثينيات من القرن العشرين شهدت اسعار الحبوب العالمية انخفاضا كبيرا في الاسواق العالمية مما اثر على زراع الرز في جنوب ووسط العراق.

" هذا اذا ما علمنا ان العائلة المتكونة من خمسة افراد (زوج وزوجة وثلاثة اولاد) لا يستطيعون ان يزرعوا اكثر من خمسة مشارات شلب (دونمات) وهذه المشارات الخمسة لا تنتج اكثر من خمس اطنان من الشلب (شتال) في احسن الظروف وفي اخصب الارض وهذه الاطنان الخمسة تبلغ اقيامها خمسين دينارا، باعتبار ان سعر الطن الواحد من الشلب حينذاك لايتجاوز العشرة دنانير."
بالمقابل كانت الاجرة اليومية للفرد الواحد اذا ما عمل في المدينة (كحارس او في البناء او كأجير في البيوت ..الخ) حوالي 250 فلس يوميا مايساوي 1250 فلس في اليوم للعائلة او اكثر من 400 دينار في السنة للعائلة ،هذا كان دافعا للكثيرين من سكان الريف للنزوح الى المدينة. ان هذا النزوح الجماعي ادى الى تكوّن مجمعات سكنية فقيرة وغير مناسبة لادنى متطلبات السكن البشري في اطراف مدينة بغداد، او ما سمي بالصرائف في الشاكرية وخلف السدة الشرقية مثلا.

عام 1927 بدأت الحفريات لاستخراج النفط في العراق وكانت ادارة الشركات بريطانية بالاساس، والقسم الاكبر من عائدات استخراج وتسويق النفط يذهب الى البريطانيين. مما ادى الى ترابط مصلحي بين البريطانيين وموظفي الدولة العراقية الكبار والاقطاعيين الجدد والتجار الكمبراودوريين الكبار. وشاعت ثقافة اجلال والاعجاب بالمنجزات البريطانية واسلوب المعيشة في بريطانية حتى ان اساليب التعليم والتربية كانت بريطانية نتيجة للضغط الاقتصادي والتكنولوجي والسياسي التي كان يواجها المجتمع العراقي الفتي.

وبالضد كانت هناك معارضة للاستغلال الناشئ نتيجة الاستعمار البريطاني وعواقبه على المجتمع العراقي من قبل الفئات الاجتماعية المتضررة وكانت من بوادرهذه المعارضة ثورة النجف 1918 وثورة حزيران عام 1920 وما اعقبها من انتفاضات وحركات شعبية وجماهيرية.

وادركت فئات الشعب مبكرا ان النضال ضد الاستعمار بدون تنظيمات سياسية جماهيرية غير مجدي وغير فعال. وكان الجيش منظمة اجتماعية لها دور اساسي في موازين القوى الاجتماعية . وانحياز الجيش او قطعات منه الى اي جانب في الصراع الاجتماعي يعني قوة ودعم كبيرين.

فعلى سبيل المثال انخرط والدي موسى كاظم الجبوري ، وهو ابن عامل ميكانيك (ينصب ويصلح مكائن الطحين) ، حين كان طالبا في المتوسطة (اي في بداية الاربعينات من القرن العشرين) بالتنظيمات اليسارية للحزب الوطني الديموقراطي بقيادة الشهيد كامل قزانجي وبعدها تم فصلهم من الحزب بتهمة "الاندساس الشيوعي". وبعد اكماله الاعدادية ولعدم تمكن والده من تحمل مصاريف دراسته دخل الكلية العسكرية وتخرج ضمن الدورة 25 كضابط حربي برتبة ملازم ثاني عام 1949 والتحق بالفوج الالي في جلولاء. وكانت له علاقة بالحزب الشيوعي من خلال العامل الشيوعي علي شكر، بالرغم من وجود قانون يمنع تنظيمات الحزب الشيوعي في الجيش. و اخبرني والدي ،بالرغم من كتمانه الشديد والذي لازمه طوال حياته، بانه كان ضمن اوائل المبادرين لتنظيم الضباط الاحرار في جلولاء والذي بادر الضباط الصغار قبل الكبار لتأسيسه وحتى ان الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم تمت مفاتحته لاحقا لقيادة التنظيم.

تلميذ الكلية العسكرية  موسى كاظم الجبوري

الى جانب الضباط الصغاروضباط الصف المنحدرين من اصول عمالية او فلاحية فقيرة كان اغلب الضباط الكبار من رتبة عقيد فما فوق ذوي ميول قومية عربية و تحررية فقط ، انعكاسا لواقعهم الطبقي، وكان الكثير منهم لايدركون ضرورة حل مسألة البعد الاجتماعي الطبقي للصراع السياسي الوطني . وحتى ان منهم من لم يدرك خطر النازية والفاشية الاستغلالي والاستعماري فتعاون مع السفارة الالمانية النازية في حركة مايس 1941 ، وذهب قسما منهم لتبنى المفاهيم العنصرية والشوفينية. ان هذا التباين في الافكار بين مجاميع الضباط الكبارادى في الفترة بعد نجاح ثورة 14 تموز الى صراعات دامية كان قمتها انقلاب شباط 1963 الاسود.

وكما تقدم فان ثورة 14 تموز قام بها بشكل رئيسي صغار الضباط وضباط الصف المنحدرين من اصول عمالية وفلاحية فقيرة. ولكن لضرورات تتعلق باعراف وتقاليد العمل العسكري كان من الضروري تهيئة غطاء قيادي، لذلك تم الاتصال بالزعيم الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم والذي قام هو بدوره بالاتصال بعبد السلام عارف.

يذكر حامد مقصود، احد الضباط التقدميين،" كان الدافع من كتابتي أحداث ثورة 14 تموز المجيدة .. . . الحرص على بيان الأسباب الحقيقية للثورة الوطنية بشكلها الموضوعي واللائق ، وماكان يعتمل في نفوس أبناء الجيش العراقي من ضباط وجنود من روح التمرد والتذمر على واقع ماكان يعانيه الشعب من حياة مزرية، من قبل حكامه المحميين بحراب الانكليز، وجعله يعيش في ظلام الجهل والفاقه والمرض، ليسهل استغلاله خدمة للمستعمر والفئة الحاكمة."

كان هدف الضباط الصغار واغلبيتهم من الشيوعيين او من انصارهم، وكما سمعت من والدي، هو تعميق محتواها الاجتماعي وصولا لتمكين الحزب الشيوعي من السلطة. ولكن المزاج السائد في قيادة الحزب الشيوعي العراقي حينها لم يكن مؤيدا لهذا الاتجاه. فقامت اجهزة حكومة 14 تموز بابعاد الضباط الشيوعيين وانصارهم، الذين صنعوا الثورة، من المراكز الحساسة، فتم ابعاد والدي مثلا من الاستخبارات العسكرية بايفاده الى اكاديمية سانت هرتز العسكرية في المملكة المتحدة وبعدعودته نقل فورا الى خليفان في كردستان. وبالتدريج افرغت الساحة في بغداد للضباط القوميين والبعثين ولم تؤدي قطعات الجيش المتواجدة في بغداد اي مقاومة تذكر ضد انقلابي 8 شباط الرجعي وتم اجهاض ثورة 14 تموز الوطنية والرامية للديمقراطية نتيجة غياب الدعم للعناصر التقدمية الجذرية من الضباط ونتيجة لتكالب القوى الرجعية المحلية والعربية والعالمية.

واخذت مقاومة الردة السوداء ومحاولة اعادة المسيرة الى مجراها الصحيح عدة اتجاهات . فقسم من الضباط الاحرار وضباط الصف التحق بالثورة الكردستانية والبيشمركة ومنهم سعيد مطرو سليم الفخري وملازم كنعان ووالدي ومن ضباط الصف متعب خميس الجبوري ومنهم من سجن وقسم اخر كان لايزال يعمل في الجيش .وقام البطل الخالد ملا مصطفى البرزاني بتقديم دعم لاينسى ورسخ ترابط نضال الشعب الكردي والشعب العربي التقدمي. وكانت الصلات موجودة بين كردستان وبغداد.

وفعلا قام ضباط وضباط صف وجنود التنظيمات الشيوعية وانصارهم في بغداد بمبادرة في 3/07/1963 لاعادة الثورة الى مسارها التقدمي ولكن للاسف لم يفلحوا نتيجة الضربة والتمزقات الكبيرة التي عانتها تنظيمات الحزب الشيوعي والقوى التقدمية عموما. وقام المجرمون باعدامهم. وتكريما لهم اورد اسماء بعضهم مع نبذة عنهم كما اوردها حامد مقصود :

1- نائب العريف حسن سريع، من عائلة فلاحية من محافظة كربلاء
2- رئيس عرفاء كاظم بندر من بغداد خلف السدة
3- نائب العريف صباح ايليا من الموصل
4- العريف مهتم الزهيري من العمارة
5- عريبي محمد ذهب وشقيقه علي محمد ذهب من بغداد خلف السدة
6- حافظ لفتة بغداد خلف السدة
7- محمود بغداد خلف السدة
8- نائب ضابط ماجد عبدالله الزهيري من العمارة
9- نائب الضابط أحمد خضر من اربيل
10- نائب العريف طه حسين طه الجبوري من ديالى
11- نائب عريف عبد الواحد راشد الزهيري من العمارة
12- جندي اول فالح محسن من العمارة
13- جندي مكلف زين الدين سيد امين من السليمانية

وبعدها تعاقبت المحاولات مثل حركة سليم الفخري ولكن لم تفلح اي منها نتيجة ضعف دعم الاحزاب السياسية اليسارية لعدم قناعة قيادة هذه الاحزاب في جدوى العمل العسكري. مما ادى الى مجيئ نظام صدام وحزبه بانقلاب عسكري وما تبعته من كوارث ادمت الوطن والشعب.

ولكن الكثيرمن الشيوعيين المخلصين والواعين كانوا وما زالوا يدركون اهمية العمل العسكري. فواصلوا العمل بعدة اتجاهات من اهمها عمل الانصار في كردستان. يذكر سلام ابراهيم كبة:

" تعود تنظيمات الشيوعيين في الجيش الى ما قبل ثورة 14 تموز وكان تنظيمهم يعمل تحت اسم (الاتحاد الوطني للضباط والجنود) . وبعد الثورة شكلت اول لجنة مركزية للتنظيم العسكري للحزب الشيوعي العراقي في 18 تموز 1958 . بعد فشل حركة الشواف في الموصل 1959 بلغ عدد الضباط الشيوعيين وحدهم 235 ضابطا بينهم 3 عمداء و 18 عقيد و 37 مقدم ! .. وضمت القوة الجوية 70 طيارا شيوعيا من أصل 330 ! . لقد شكلت القوة المنظمة للحزب الشيوعي العراقي داخل الجيش 2.5% من تعداده البالغ 110 الف جندي وضابط صف عشية 8 شباط 1963 حيث تحمل الشيوعيون العسكريون القسط الاكبر من ضريبة التصدي للانقلابيين! . كانت المؤسسة العسكرية العراقية الرافد الرئيسي لحركة الانصار الشيوعيين العراقيين التي اغتنت بالمراتب العسكرية الكفوءة منذ ولادتها ..! "

لا يمكن بناء تجربة وطنية ديموقراطية ذات بعد اجتماعي تقدمي في عراق اليوم دون اتمام خلق قوات مسلحة يؤمن ابناءها بعقيدة وطنية واضحة بعيدة عن الفئوية والتعصب القومي والديني والطائفي. وبذلك نعيد تطور البلاد الى مسار ثورة 14 تموز وتعميق البعد التقدمي لهذا المسار.

 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات