| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 12/7/ 2010

     

كيف استقبل فلاحو آل ازيرج نبأ ثورة الرابع عشر من تموز الوطنيــة

نعيم الزهيري

كان صيفا ً لاهبا ً ، كما عشناه ، مثل غيره من كل عام ، إذ كنا نعقد اتفاقا مع النهر ( نهر البتيرة ،احد روافد دجلة ، حيث نسكن ) فلا يفصلنا عنه سوى ساعات العمل او النوم .اما القرية التي كنا نعيش فيها فتسمى قرية (الطويّل) وقد ابدل اسمها الى ناحية السلام بعد الثورة ، وقد جاءت تسمية الطويل من طول السد الذي يعترض الجزء الاكبر من جريان الماء ، ليرتفع منسوبه في الجزء الواقع قبل السد لافادة السقي .
قرية الطويّل هي الاكبر في قرى آل ازيرج من حيث توسطها وموقعها الجغرافي ، فهي تقع مباشرة على ضفة النهر ، وتحتوي على سوق كبير فيه عدد من الدكاكين المنوعة ، وحتى الحرف التي لها علاقة بالانتاج الزراعي وحاجات الناس الضرورية كما تحتكر القرية ، في الغالب، وسائط النقل الى مركز المدينة ـ العمارة - للبضائع والاشخاص ... عشائر آل ازيرج المعروفة بأمجادها الثورية دخلت التاريخ من خلال فعاليتها الثورية ـ انتفاضة ال ازيرج ـ ضد الاقطاعيين في عام 1952 ، تلك الانتفاضة التي قمعت من قبل النظام الملكي ، وقد استشهد فيها خمسة من ابنائها ، وسجن قادتها ...
في يوم 12/ تموز /1958 ذهبنا الى ناحية المشرح مرورا بمدينة العمارة لجلب عروس اخي الكبير ، وكنا مبتهجين جدا . وفي اليوم الثاني 13/منه/ توجهنا من ناحية المشرح الى مدينة العمارة وامضينا ليلتنا فيها ؛ كنت انا الشاب الوحيد بين "الزوافيف" وفي صبيحة 14/تموز/ 1958ذهبت الى السوق الكبير لشراء بعض الحاجيات وكانت الساعة تشير الى السادسة . وفي مدخل سوق الخضار المطل على الشارع العام ـ شارع بغداد ـ كان احد الرجال يفتح دكانه للتو ، وكنت بالقرب منه وبعد ان رتّب بضاعته فتح الراديو فسمعنا مارشات عسكرية واناشيد ثورية ،غير مألوفة ، تتخللها بيانات تعلن الثورة وسقوط النظام الملكي واعلان النظام الجمهوري في العراق ، كما يدعو الجماهير الى المساهمة واخذ دورها في العملية الثورية . كنا مذهولين باديء الامر لكنني ادركت انها ثورة ضد النظام الملكي وتم القضاء على الحكم العميل انذاك . طلبت من صاحب الدكان ان يرفع صوت المذياع الى اقصاه ففعل . وتوسطت الشارع واخذت بالهتاف بسقوط الاستعمار والنظام الملكي وادعو الجماهير الى النزول الى الشارع لتأييد الجمهورية ! لم تكن الهتافات بالجديدة عليَّ فقد مارستها في عام 1956 لنصرة مصر ضد العدوان الثلاثي ضدها ،عندما كنت طالبا في الثانوية . وما هي الاّ دقائق حتى التحمت مظاهرة حاشدة تجوب الشارع تحيي الجمهورية وتهتف بسقوط الاستعمار.
تسللت من المظاهرة وعرجت باتجاه البيت، اخبرت الاهل بالحدث وفتحنا الراديو وقررنا الذهاب الى قريتنا خوفا من غلق الطريق ومنع التجوال .. استأجرنا سيارتين صغيرتين الى ناحية الميمونة ومن ثم استأجرنا زورق بخاري باتجاه قرية الطويّل حيث نسكن .
على جانبي نهر البتيرة تتوزع قرى ال ازيرج ، كانت الساعة تشير الى الواحدة بعد الظهر، فرأينا حشود الفلاحين يحيون الثورة وقادتها باهازيجهم الثورية واعلامهم الملونة تهتز وترفرف على رؤوس الفلاحين فتشكل لوحة فنية رائعة تبهج النفوس في ذلك الحدث التاريخي الكبير، فكانوا يحيوننا ونحن نبادلهم التحايا ...
لا شك ان وعي فلاحي آل ازيرج لم يكن وليد الساعة ، بل يمتد الى عقد اربعينات القرن الماضي ففي اواسط ذلك العقد عُين الرفيق الخالد حسين محمد الشبيبي ـ صارم ـ مدرسا في ثانوية العمارة وباشرافه تكونت التنظيمات الشيوعية الاولى في المدينة انذاك كما تكونت جمعيات ديمقراطية غير حزبية لمساعدة الناس نذكر منها جمعية اصدقاء الفلاحين والمحامون الديمقراطيون ... وغيرها ، كما نذكر الشخصيات الشيوعية الاولى ؛ ومنهم الخالد كاظم خليفة الزيدي وفعل ضمد الشرشاحي وعبد الواحد كرم واخرين وكلهم من سكنة آل ازيرج ، اضافة لمن كانوا في المدينة من امثال نعَمة بريدي وعبد علوان وغيرهم ... ويجب الاّ يفوتنا ذكر منظمة انصار السلام التي تشكلت في اوائل عقد الخمسينات ودورها في التوعية ، ودور المعلمين الشيوعيين والطلبة من ابناء المنطقة انذاك.

كـمــا نذكر ايضا ان انتفاضة ال ازيرج ضد الاقطاعيين كانت بمساعدة قيادة الحزب الشيوعي العراقي واصدقائه ، ونذكر بالاسم المرحوم حاتم المذكور وهو والد الكاتب حسن حاتم المذكور وجدّ الرفيق النصير ابو العِز ّ . وكانت صلة حاتم المباشرة بالرفيق بهاء الدين نوري انذاك ( إن لم اكن مخطئا )
وللمفارقة نقول : ان الاقطاعيين من آل الشواي في تلك القرى سواء ً الواقعة على نهر البتيرة مباشرة ،او الهدام او الخمس او ابو نعيجة وغيرها .. عند سماعهم بالثورة غادروا المنطقة وهربوا الى مدينة العمارة او بغداد . في نفس صبيحة الثورة .
امـــا اقطاعيي البو محمد في المجر الكبير والكحلاء فقد غادروا قراهم بعد شهر من الثورة .
واقطاعيي السواعد في المشرح ، غادروا المنطقة بعد فشل مؤامرة الشواف ويبدو انهم كانوا على علم بها .

عاش الفلاحون افراحا ً لم يشهدوها من قبل ، فترى البسمة على وجوه الناس وتلمس المحبة والتأخي بينهم ..
لقد اختفت التفرقة الدينية والمذهبية ،واختفت النظرة الدونية للحائك والسماك وزراع الخضروات ، وغير المسلمين ، وتحرر العبيد الذين يعملون لدى الاقطاعيين . ومنهم من اخذ موقعا في قيادة الجمعيات الفلاحية او في المنظمات الجماهيرية والمهنية ، وعلى سبيل المثال : المرحوم سالم سريّح ،احد عبيد الاقطاعي عبد الكريم الشواي (ال ازيرج) وكان سالم مثقفا متميزا بين اقرانه . انتمى للحزب الشيوعي في العهد الملكي وقد تزوج (برخصة من الاقطاعي) لان العبيد لا يعقد لهم رجل الدين عقد قران ، بالرغم من انهم مسلمون .. وبعد الثورة انتخب سالم كأحد قادة الجمعية الفلاحية في العمارة الى جانب عبد الواحد كرم وكّاطع ... والشيء بالشيء يذكر فان المرحوم سالم هو والد النصير البطل الرفيق (ابو فهد) ، توفي في بلد اللجوء بالسكتة القلبية .
كما صارت الرشوة والسرقة سُبـّة وادانة لمن يمارسها .

وما دمنا في موضوع الفلاحين وثورة 14/تموز، من الضروري ان نذكر : ان انتخابات قيادات الجمعيات الفلاحية ، كانت تجري على اساس الكفاءة والصفات الحميدة والسمعة التي يتميز بها العضو المرشح ، بعيدا عن الطائفية والعرقية والعشائرية وتقسيماتها المدانة ، وقد عمق ذلك شــعـــار " الفلاح اخو الفلاح عدوهما الاستعمار والاقطاع "
لقد حلّت الجمعيات الفلاحية محل الاقطاعيين في حل المشاكل والنزاعات التي تحدث بين الفلاحين اما التعاون الطوعي والتضامن بين الفلاحين فقد اخذ مديات اعمق وأوسع في كري الانهر وحملات الحصاد وبناء البيوت... وغيرها ، وبذلك خاب رهان ازلام الاقطاع واعداء التقدم والحاقدين على الثورة ، بأن الفلاحين لا يستطيعون قيادة انفسهم الا ّ تحت سوط الاقطاعي !؟

لكن تلك الاعراس والافراح لم تستمر، اذ حزمت الرجعية امورها وتحالفت قوى الشر والعدوان والتقدم وبمساعدة قاسم نفسه الذي ارهبه المد الجماهيري العارم ، فأُجهز على مكتسبات الفلاحين والمنظمات الاخرى وطورد المخلصون وفُتحت ابواب السجون للوطنيين المخلصين واحيل الضباط الاحرار على التقاعد او نقلهم الى وظائف مدنية ، وزوّرت ارادة الجماهير وصارت الفترة الاستثنائية بلا حدٍ زمني ..و..و.. الخ فاستشرى المد الرجعي وحوصر القائد الاوحد وسلم نفسه للمتأمرين وقتل على يد من اتوا " بقطار امريكي " وقُتِـل الالوف وضاع كل شيء ، ولحد الان فان الشــعـــــــب الـــعـــــراقــــــي يــدفـــع الــــثــمـــن .....


ملاحظة عذرا لمن لم ترد اسماهم في المقال .


12/تموز/2010


 

free web counter

 

أرشيف المقالات